لبنان.. أفق سياسي مسدود وأمني مقلق

10 سبتمبر 2014

احتجاج لأهالي لبنانيين تختطفهم "داعش" (4 سبتمبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

أكثر من مائة يوم مرت على الفراغ في سدة الرئاسة الأولى في لبنان، من دون التوصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية، على الرغم من إحدى عشرة محاولة لعقد جلسة للمجلس النيابي، لانتخاب رئيس جديد. والسبب عدم اكتمال نصاب الجلسات، بالنظر إلى غياب كتل التيار الوطني الحر (نواب ميشال عون)، والوفاء للمقاومة (حزب الله) ونواب آخرين حلفاء للنظام السوري عن الجلسات، نظراً لتمسك هذه الكتل وهؤلاء النواب بالترشيح غير المعلن رسمياً للجنرال ميشال عون (رئيس تكتل التغيير والاصلاح) لمنصب رئيس الجمهورية، ونظراً لعدم تمكن هذا الفريق من تأمين الأغلبية المطلقة لعون في هذه المعركة. وفي مقابل ذلك، يتمسك فريق 14 آذار الذي يتكوّن من "تيار المستقبل" و"القوات اللبنانية" و"الكتائب" بترشيح سمير جعجع رئيس حزب القوات للمنصب. وأمام تمسك فريق عون وحزب الله بعدم تأمين النصاب القانوني لجلسة الانتخاب، وتمسك الفريق الآخر الذي يملك الاكثرية المطلقة للفوز، لكنه لا يملك نصاب انعقاد الجلسة (86 نائباً) بمرشحه سمير جعجع، ظل الفراغ في الرئاسة الأولى سيد الموقف طوال هذه الفترة المنصرمة، ويبدو أنه سيظل سيد القصر الجمهوري في الفترة المقبلة التي لن تقل عن شهور أخرى.

إضافة إلى الفراغ في سدة الرئاسة الأولى، بات لبنان على موعد مع أزمة سياسية أخرى، لا تقل أهمية أو خطراً، هي أزمة الاستحقاق النيابي، إذ من المفترض أن تجري الانتخابات النيابية قبل الخامس عشر من أكتوبر/تشرين الثاني المقبل، وقد أعلنت وزارة الداخلية أنها استكملت الاستعدادات لإجراء الانتخابات في وقتها، ودعت المرشحين إلى تقديم طلبات الترشح قبل الخامس عشر من سبتمبر/أيلول الجاري، وهو ما فعله رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، إذ عمد إلى تقديم طلب الترشح للانتخابات النيابية، قبيل سفره في إجازة خارج البلاد. إلا أن المشكلة الكامنة في هذه الأزمة والتي حالت، العام الماضي، دون إجراء الانتخابات في وقتها (يونيو/حزيران 2013)، وهي القانون الانتخابي، ما تزال على حالها، ولم يُصَر إلى حلها، حيث يتمسك كل فريق سياسي بوجهة نظر من القانون، ويرفض القانون النافذ حالياً، والذي إذا ما جرت الانتخابات وفقاً له يقدر أنه سيعيد إنتاج الطبقة السياسية الموجودة، وبالتالي، المراوحة في الأزمة السياسية. فضلاً عن أن فريق 14 آذار يرفض إجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية. ومن هنا، بات لبنان مهدداً بمزيد من الفراغ على مستوى السلطة التشريعية، وبالطبع هذا ما من شأنه أن يدخل البلد في أزمة جديدة، قد تكون أزمة نظام قد تدخل البلد في دوامةٍ من الأزمات الأخرى. وهكذا، يبدو الأفق السياسي في لبنان مسدوداً بانتظار تسويات إقليمية، أو دولية، تخرجه من هذا النفق.

وإذا كان الأفق السياسي مسدوداً، فإن الوضع الأمني في لبنان لا يقل خطورةً، أو أهميةً، عن الوضع السياسي. فقبل أسابيع، اندلعت مواجهات بين الجيش اللبناني ومسلحين سوريين في بلدة عرسال الحدودية، على خلفياتٍ قدّم كل طرف وجهة نظر فيها، وكان من تداعيات هذه المواجهات سقوط قتلى من الطرفين ومن المدنيين، فضلاً عن احتجاز جنود من الجيش اللبناني بيد مسلحي تنظيمي "جبهة النصرة" و"الدولة الاسلامية"، ما جعل الأزمة تتفاعل وتتمدد في ظل التحركات التي بدأها الأهالي لإطلاق أبنائهم، وفي ظل ارتفاع سقف مطالب المسلحين والتهديد بقتل الجنود، فيما إذا لم يُصَر إلى تلبية الشروط، والتي من بينها إطلاق سراح موقوفين إسلاميين في سجن رومية اللبناني، ومنها، أيضاً، انسحاب مسلحي حزب الله من سورية، وقد عمد مسلحو "الدولة الإسلامية" إلى قطع راس جندي، وسلموه إلى ذويه، ما أثار حالة من الاستياء من جهة، والرعب والقلق من جهة أخرى، وشكل مزيداً من الضغط على الحكومة، من أجل التفاوض مع المسلحين لإطلاق سراح العسكريين المحتجزين. وفيما أبدى رئيس الحكومة، تمام سلام، تفهمه لمصاب أهالي العسكريين، وأبدى ميلاً لإجراء تفاوضٍ، يفضي إلى مقايضةٍ، وإن كانت غير معلنة مع المسلحين، أبدى وزراء تكتل عون وحزب الله تشدداً ورفضاً لهذا الاتجاه، تحت عنوان أن يسجل سابقة في الخضوع لشروط المسلحين. ومعلوم أن عمليةً كهذه تحتاج في لبنان قراراً حكومياً.

وفي ظل الفراغ في الرئاسة الأولى، حيث تنتقل الصلاحيات إلى الحكومة مجتمعة، بات الأمر أكثر تعقيداً في ظل رفض أولئك الوزراء مبدأ المقايضة، ما عقّد الملف، وبات يهدد بانزلاق الأمور إلى فوضى وفلتان، في ظل تهديد أهالي العسكريين بالضغط على اللاجئين السوريين، وفي ظل الضغط على المؤسسة العسكرية (الجيش)، من أجل اللجوء إلى الخيار العسكري، لتحرير العسكريين المحتجزين، وهو ما حاولت القيادة العسكرية تجنبه منذ بداية الأزمة، لأنها تدرك أن أي عملية عسكرية من هذا النوع ستعني حرب استنزاف طويلة للجيش وللمسلحين على حد سواء، فضلاً عن أنها ستعني بالضرورة تهجير أكثر من مائة ألف لاجئ سوري من منطقة عرسال، فضلاً عن أهالي البلدة ذاتها الذين يبلغون نحو 40 ألفاً، وهو ما يمكن القول إن بعضهم يخطط للوصول إليه، ولو على حساب أمن اللبنانيين ودمائهم، إلا أن ذلك قد يعني، أيضاً، انتقال شرارة أية مواجهة عسكرية في البقاع، وفي منطقة عرسال تحديداً، إلى المناطق اللبنانية كافة، خصوصاً في ظل حالة الاحتقان الطائفي والمذهبي، والاحتقان السياسي القائم، وفي ظل الشعور بالاستهداف والتهميش عند الفرقاء كافة، فضلاً عن الثقة التي باتت شبه منعدمة بين مكونات البلاد.

يعيش لبنان، اليوم، حالة من الخطر المحدقة التي قد ينفجر معها الوضع في أي لحظة، ما يستدعي العمل لفتح أفق الحل السياسي من ناحية، والتخفيف من التوتر الأمني من ناحية ثانية، وذلك بإنجاز الاستحقاق الرئاسي في أقرب وقت، والانسحاب من سورية بدءاً من الآن، وإلا، فإن كل المحاولات التي بذلت، وتبذل، لتحييد لبنان عن لهب النيران السورية لن تجدي نفعاً بعد الآن.