أنهى رئيس الحكومة اللبنانية المكلف مصطفى أديب الاستشارات النيابية، التي انطلقت صباح اليوم الأربعاء في عين التينة، مقرّ مجلس النواب، في ظلّ إجماع غالبية القوى السياسية على ضرورة الإسراع في تأليف حكومة متجانسة ومتماسكة قادرة على إجراء الإصلاحات المطلوبة لمواجهة الأزمة الراهنة، وهي من الشروط التي وضعها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كباب للدعم الغربي والدولي، ومن بنود التسوية الفرنسية التي فرضَت على الأفرقاء السياسيين التنسيق كمقدّمة للإسراع في التأليف خلال فترة لا تتجاوز الأسبوعين.
وقال أديب في كلمة له بعد الاستشارات، إنّه استمع "الى كافة الآراء التي أعطت زخماً للسرعة في التأليف، وتبيّن من خلال هذا النهار أن القواسم المشتركة أكثر من نقاط الاختلاف، ما يؤكد الرأي بأنّ أي نقطة خلاف يمكن أن تحلَّ بالحوار طالما الإيجابيات أكثر من السلبيات، أما المسائل الأساسية التي استحوذت على مجمل الآراء والنقاشات فهي السلم الأهلي، وضرورة معالجة الأزمة الاقتصادية والمعيشية والصحية وكارثة مرفأ بيروت، وتداعيات الانفجار، والإصلاحات البنيوية اقتصادياً ومالياً. ونأمل أن نتوفق بسرعة في تأليف حكومة تضمّ فريقاً منسجماً ينكبّ على معالجة الملفات الكثيرة، حيث إن التحديات داهمة ولا تحتمل التأخير".
وشدد الرئيس المكلف على أنه "يجب أن ننطلق من مبدأ أن الحكومة يجب أن تكون من الاختصاصيين، حتى يعالجوا بسرعة وبشكل حرفي الملفات المطروحة، لنستعيد ثقة اللبنانيين المقيمين والمغتربين والمجتمعين العربي والدولي".
رئيس الحكومة المكلف متسلّح بالتسوية الفرنسية التي جعلت منه رئيس حكومة قوياً منذ البداية
ويقول مصدرٌ في عين التينة مطلع على الاستشارات، لـ"العربي الجديد"، إنّ رئيس الحكومة المكلف متسلّح بالتسوية الفرنسية التي جعلت منه رئيس حكومة قوياً منذ البداية، وسيستغل ذلك كي لا يكرر تجربة الرئيس حسان دياب، الذي وصل وحده وخاض معركة مع القوى السياسية كافةً بالنظر إلى طريقة تكليفه، علماً أنّه يلقى دعماً كبيراً من عددٍ كبير من الكتل النيابية والأحزاب السياسية وعلى رأسهم الرئيس سعد الحريري، الذي اعتذر اليوم عن حضور الاستشارات باعتبار أنه التقى مرات عدّة بالرئيس المكلف، وأوصل إليه النقاط التي تهمه والبنود الإصلاحية التي يراها مناسبة، بالإضافة إلى مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، الذي كان اللقاء معه إيجابياً.
ويضيف المصدر أنّ الحكومة ستتشكل في غضون 15 يوماً على الأكثر، وهي الفترة الزمنية التي تم الحديث عنها خلال اجتماع ماكرون مع رؤساء الكتل النيابية، علماً أن لا مهلة محددة وملزمة لتأليف الحكومة، ودائماً ما كان يسجل تأخير يمتد لأشهر قبل التأليف، وهو ما شدد الرئيس الفرنسي على ضرورة أن لا يتكرر. وأكد أنّ الاستشارات لم تبحث في أسماء الوزراء بل في شكل الحكومة وبرنامج عملها وبيانها الوزاري.
وبدأت الاستشارات النيابية صباح اليوم، وشارك فيها نواب مستقلون ورؤساء الكتل النيابية باستثناء "كتلة الكتائب اللبنانية"، التي تقدّم نوابها الثلاثة باستقالاتهم بعد انفجار مرفأ بيروت، إضافة إلى 5 نواب آخرين. وكانت المواقف العلنية متشابهة من حيث أنّ الأحزاب السياسية لا تريد أي حصة وزارية لها، ولا تسعى لوضع شروط أو "فيتو"، علماً أنّ الشارع اللبناني لا يمنح هذا الكلام أي ثقة، باعتبار أن هذه الطبقة السياسية هي التي اختارت الرئيس المكلف، وقد ظهر في عدد من التصريحات أن الوزراء قد تكون لديهم ميول أو آراء سياسية، بذريعة أن لا حياديين بالمطلق في لبنان، لكنهم من أصحاب الاختصاص والكفاءة، ما يدل على أن هذه الحكومة ستكون مقنّعة وخلفيّتها ستبقى حزبية.
وبرزت تناقضات كثيرة على هذا الصعيد، وخصوصاً من قبل رئيس "تكتل لبنان القوي" جبران باسيل، الذي قال بعد لقائه الرئيس المكلف: "المطلوب اليوم ليس فقط تأليف حكومة، فهمّنا أن تكون فعلاً قادرة على أن تنجز الإصلاح، ولا مطلب لدينا ولا شرط إلا النجاح باتخاذ القرار وتنفيذه".
وعن مسألة المشاركة بالحكومة أو عدمها، قال: "نقبل بكل ما يتفق عليه الجميع، وإذا لم تنجح هذه الحكومة فستكون هناك كارثة، والهدف حكومة تنجز، ويمكن أن نتمنى أن تكون هناك مداورة بالوزارات إذا أيّد الجميع ذلك، فلا وزارة محجوزة لفريق أو طائفة، ومن ضمنها الطاقة"، علماً أنّ هذه الوزارة، مثل وزارة الخارجية أيضاً، كانت من الحقائب الوزارية التي تمسّك بها باسيل، وأدى الخلاف عليها إلى إطالة أمد تأليف الحكومات تعطيلها.
من ناحية ثانية، أبدى الرئيس ميشال عون ارتياحه لنتائج زيارة الرئيس الفرنسي، وقال: "لمسنا من ماكرون استعداداً لتذليل العقبات التي يمكن أن تواجه العمل من أجل تطبيق الإصلاحات ومتابعة مسيرة مكافحة الفساد والتدقيق الجنائي في مصرف لبنان وغيرها من الإجراءات لوضع لبنان على سكة الحلول الفعلية اقتصادياً". مضيفاً: "اندفاعة الرئيس ماكرون تجاه لبنان، يجب أن يقابلها عزم لبناني صريح على مساعدة أنفسنا، وتشكيل حكومة قادرة وشفافة في أسرع وقت ممكن، للبدء في اتخاذ خطوات إصلاحية فورية تساهم في إطلاق عملية إنقاذ لبنان وتقديم الدعم الدولي له".