استمع إلى الملخص
- أثارت تعيينات ترامب جدلاً بسبب افتقار بعض المرشحين للخبرة، مثل بيتر هاجساث لوزارة الدفاع، مما يعكس رغبته في السيطرة على المؤسسات الأمنية والعسكرية.
- اختار ترامب مات غاتز لمنصب المدعي العام رغم التحقيقات ضده، كجزء من استراتيجيته للانتقام من خصومه، معتمدًا على مجلس الشيوخ لقبول التعيينات.
مع تعييناته الثلاثاء، يكون الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب قد أكمل تركيب فريقه لشؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية، إضافة إلى اختياره لوزير العدل. القاسم المشترك بين أصحا ب هذه المناصب الحساسة (وزيرا الخارجية والدفاع ومدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ومستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي إضافة إلى الوكالة الوطنية للاستخبارات) أنهم من المحاسيب الأكثر ولاء وقرباً من الرئيس ترامب والذين يتعاملون معه بلغة "نعم سيّدي" من غير جدال أو محاولات تصويب وتبديل في المواقف والقرارات التي يتخذها، فهو لا يريد تكرار تجربة رئاسته الأولى التي أدّت إلى فوضى الاستقالات والإقالات لغالبية أركان إدارته آنذاك بسبب عراكه معهم حول مسار رئاسته.
هذه المرة لديه أجندة محددة عازم على تحقيقها وكل ما يريده من كبار المسؤولين في إدارته، الإشراف على تنفيذها، سواء المتعلق منها بمعاقبة خصومه أو بإجراء تحولات في الداخل، مقابل التعويل على سياسة "الردع والصفقات" في الخارج إلى جانب سياسة الوعود في الشرق الأوسط والمحكومة بأن تنتهي إلى صيغة من نوع أنه لم يكن بالإمكان أكثر مما كان. ويبدو ذلك جليا في اختيار ترامب لحاكم ولاية أركنساس مايك هاكابي لمنصب سفير واشنطن في إسرائيل. والمذكور عدا عن كونه من عتاة المحافظين المتدينين، يجاهر علناً بأنه "ليس هناك ما يسمى بفلسطين" ويطلق التسمية الإسرائيلية "يهودا والسامرة" على الضفة الغربية التي لا يرى فيها سوى أنها جزء من الدولة العبرية! وهاكابي ليس طائرا في غير سربه ولو أنه يتميز في مجاهرته بالتنكر لحقوق الفلسطينيين. إدارة بايدن تمارس الانتهاك المبطن من خلال التراجع عن تعهداتها بوقف تزويد إسرائيل بالأسلحة، لو ثبتت مسؤولية هذه الأخيرة في عرقلة وصول المساعدات الإنسانية لسكان غزة. بعد شهر من التحقيقات انتهت أمس الثلاثاء، تبين أن المساعدات ما زال وصولها متعثر. مع ذلك، غضّت الإدارة النظر واكتفت بالقول بأن "الأمور تتحسن" وأنها تواصل متابعتها للموضوع.
لقد جاء توزيع ترامب هذه المواقع على محاسيبه مكافأة لهم على وقوفهم إلى جانبه منذ انتخابات 2020 وتداعياتها. ومع أن المكافأة بهذا الشكل ليست غريبة عند تركيب الإدارات الأميركية الجديدة، إلاّ أنها لا تُمنح عادة إلا إذا توفرت المواصفات المقبولة لدى المُكافَئ، أو على الأقل أن لا تكون المآخذ فاضحة على الذين توزعت عليهم هذه المناصب الهامة، كما هي الحال الآن بالنسبة لمعظم تعيينات ترامب الحالية، وبالتحديد اختياره لوزير الدفاع وللسفير الأميركي في إسرائيل، كما لمدير الوكالة الوطنية للاستخبارات التي تشكل الماعون الذي تتجمع فيه نشاطات 16 وكالة استخبارات أميركية.
فالأول، المرشح لوزارة الدفاع بيتر هاجساث، لا يملك خلفية عسكرية سوى خدمة لمدة قصيرة في العراق وأفغانستان، ولا خبرة لديه في القضايا والنزاعات الدولية، ناهيك عن افتقاره لتجربة إدارية تمكنه من تسيير مؤسسة بحجم البنتاغون الذي يضم حوالي 3 ملايين مدني وعسكري. لذلك أثار اختياره غير المتوقع الكثير من الاستغراب والتساؤلات، فكل رأسماله أنه صاحب برنامج تلفزيوني على شبكة فوكس نيوز الموالية جداً للرئيس ترامب الذي سبق وكان ضيفا في هذا البرنامج أكثر من مرة. نقله من هذا الدور الإعلامي المتواضع إلى قمة البنتاغون لا تفسير له سوى الرغبة في جعله أشبه بناطور لحراسة التغييرات التي ينوي ترامب إحداثها في هذه المؤسسة وعلى رأسها تشكيل هيئة مهمتها "تطهير وزارة الدفاع من الجنرالات غير النافعين"، حسب ما كرره ترامب خلال حملته الانتخابية. والمعروف أن ترامب مر بفترة توتر في علاقته مع كبار العسكريين خلال رئاسته الأولى ومن بينهم رئيس هيئة الأركان آنذاك الجنرال ميلي الذي شدد أكثر من مرة على رفض القوات المسلحة التدخل وفق مشيئة ترامب، في الخلافات والنزاعات الداخلية. ويبدو أنه يستهدف الآن رئيس هيئة الأركان الحالي الجنرال شارلز براون.
وكذلك هو الحال بالنسبة للنائبة السابقة تولسي غابيرد التي أعطاها ترامب منصب مدير الوكالة الاستخبارات الوطنية، من غير أن تتوفر لديها أية مواصفات تؤهلها لهذا الموقع الذي يطلع صاحبه على كافة أسرار الاستخبارات الأميركية والتي تتصل أحيانا بمعلومات عن القدرات النووية الأميركية والأجنبية. والمعروف أنها كانت قد تخلت عن انتسابها للحزب الديمقراطي والتحقت بتيار ترامب وحملته الانتخابية ولا تملك من التجربة في عالم المخابرات ما يؤهلها لهذا الدور سوى "تعريض هذه المؤسسة الحيوية" للأذى، كما يتخوف خصوم ترامب.
وإمعانا في هذا التوجه، ختم الرئيس ترامب نهاره بعد زيارته للبيت الأبيض والكونغرس، بتعيين النائب الجمهوري مات غاتز، في منصب المدعي العام (وزير العدل) الذي يشكل العصب الحساس في عملية "الانتقام" التي توعد بها ترامب خصومه، أثناء حملته الانتخابية. اختياره لابن الـ42 سنة والمتهم بمخالفات أدبية وأخلاقية يحقق فيها الكونغرس الذي يوشك على إصدار تقريره بشأنها، أحدث صدمة إضافية ودهشة من ذهاب ترامب إلى هذا المدى في تحدي السائد والقواعد المعمول بها في هذا المجال. والتعويل الآن على مجلس الشيوخ لو حزم أمره ورفض الموافقة على هذه التعيينات. لكن السوابق تقول إنه من المستبعد أن يفتح الجناح الجمهوري المحسوب على الخط التقليدي للحزب، باب المواجهة المبكرة مع الرئيس ترامب. وفي هذه الحال وهو الاحتمال الأرجح، فإن هذه التعيينات لن تكون سوى البداية لانفلات تترتب عليه تداعيات أخطر من تلك التي كان كثيرون يخشونها لو فشل ترامب في الانتخابات.