لامبيدوزا. اسم تردّد في السنوات الأخيرة، فحفظه كثيرون، سواء أكانوا من متابعي أخبار الهجرة السريّة أو من هؤلاء المهاجرين الذين حسموا أمرهم وقرّروا دخول أوروبا من "بوابتها" المتوسطية بعدما عجزوا عن إيجاد سبيل آخر. إليكم الحلقة الخامسة من ملف "السجن الأبيض المتوسط".
لامبيدوزا، كما كلّ الجزر السياحية التي يهجرها زائروها، تبدو هادئة جداً في فصل الشتاء. والجزيرة الصغيرة التي تكاد لا تظهر على الخريطة، تبدو كصخرة كبيرة ملقاة في عرض البحر. ويتساءل كثيرون عن سبب هويّتها الإيطالية، في حين أنّه من الممكن أن تكون تونسية أو مالطية، إذ هي أقرب إلى الأخيرتَين منها إلى سواحل صقلية (سيشيليا) الإيطالية. يُذكر أنّه في فصل الشتاء، لا بدّ من أن يستقلّ قاصدها طائرة مروحية تابعة للبريد الإيطالي بهدف بلوغها، وذلك في رحلة تتجاوز ساعة واحدة بقليل.
على شاطئ بحر لامبيدوزا، نُصِبت بوابة كبيرة تخلّد مأساة المهاجرين الذين قضوا في البحر قبل وصولهم إلى أوّل نقطة في أوروبا. يأتي ذلك في مزايدة سياسية صرفة لأنّ بوابة أوروبا تلك هي في الحقيقة بداية لمعاناة المهاجرين الذين يجدون أنفسهم في ما يشبه سجناً مفتوحاً، خصوصاً الذين تجاوزوا الثامنة عشرة من عمرهم. أمّا القصّر، فهم أكثر حظاً بقليل من غيرهم، إذ إنّهم لن يعودوا مكرهين إلى بلدانهم الأصلية.
للتعرّف على الجزيرة وتفاصيلها وخباياها، كان لا بدّ لنا من دليل يرافقنا. ونجح أصدقاؤنا الناشطون في إطار المجتمع المدني في باليرمو، في التواصل مع أيمن. وأيمن شاب تونسي يقيم بطريقة شرعية في لامبيدوزا، ويعمل عند خاله الميكانيكي المقيم في الجزيرة منذ نحو 30 عاماً. بالنسبة إلى أيمن، فإنّ أزقة لامبيدوزا تشبه أزقة المهدية (مدينة ساحلية تونسية) مع عاداتها نفسها. الناس هنا يعرفون بعضهم بعضاً، معرفة وثيقة، والجميع متضامن.
تبدو هادئة... (دان كيتوود/ Getty) |
خلال جولتنا، يخبر أيمن أنّ "الجزيرة استقبلت في مدة قصيرة، منذ بداية عام 2011، عدداً كبيراً من المهاجرين قُدّر بنحو 13 ألفاً، في حين يُقدّر عدد سكان الجزيرة بثمانية آلاف نسمة. أمّا معاملة السكان المحليين للمهاجرين التونسيين، فكانت جيّدة إذ وزّعوا عليهم الملابس والطعام وفتحوا لهم بيوتهم للاستحمام ومنحوهم كذلك السجائر. وكانت المخابز تؤمّن لهم الخبز مجاناً في بعض الأحيان، إلى حين حضرت جمعيات عدّة من فرنسا وألمانيا وراحت تقدّم مساعدتها". لكنّه يلفت إلى "حيطة وحذر في التعامل مع المهاجرين خلال الفترة الأخيرة. فبعد عام 2012 وعام 2014، أي بعد تعمّد مهاجرين تونسيين حرق مراكز إيواء وحالة الشغب التي أحدثها نحو 200 مهاجر تونسي، راحت طبيعة التعامل مع المهاجرين الآخرين تتغيّر". يضيف أنّ "المهاجرين هم من كل شرائح المجتمع، ومعظمهم من التونسيين، إلى جانب أشخاص من المغرب والجزائر. إلى ذلك، فإنّ مركز الاستقبال هنا يتّسع لنحو ألف شخص".
في شقّ آخر من رحلتنا، يرافقنا جو وهو شاب إيطالي، ليصير مترجمنا مع الإيطاليين الذين التقيناهم ومع رئيس بلدية لامبيدوزا. هو يشعر بأنّه معنيّ بهذه القضية، ويخبر كيف أنّ والدته عطفت على رضيع وأمّه وصلا في رحلة غير شرعية واصطحبتهما إلى البيت وقدّمت لهما الغذاء وكساء الرضيع. ويلفت مازحاً إلى أنّه لم يعد يجد أيّ طعام في البيت، "لأنّ كلّ شيء صار مخصصاً للرضيع وأمّه. ووالدتي حاولت إبقاءهما، لكنّ الجهات الأمنية التي سمحت لها بذلك بداية لأسباب إنسانية، اصطحبتهما في وقت لاحق إلى مركز للإيواء. قانونياً، لا يجوز بقاؤهما عندنا". وبينما نمرّ في أحد شوارع الجزيرة، تصادفنا امرأة إيطالية خرجت من بيتها وراحت تنادي على شاب مهاجر قبل أن تقدّم له حذاء رياضياً. أردنا الحديث معها، لكنّها اكتفت بالقول "ابْحَث دائماً عن الخير في الناس"، متحفّظة عن ذكر اسمها.
آلاف الغرقى
لا يُختصَر واقع لامبيدوزا بما سلف، فتمثال المسيح المصلوب المنصوب في نقطة مرتفعة من الجزيرة شاهد على آلاف غرقوا في عرض البحر قبل بلوغهم اليابسة. وحكاية الهجرة لم تبدأ في عام 2011 بعد انطلاق الثورات العربية مثلما يتصوّر ويصوّر كثيرون، بل قبل ذلك بكثير. ولعلّ ما نشرته صحيفة ناطقة باللغة الفرنسية في عددها الصادر في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1953، دليل على ذلك. فقد جاء في الخبر الذي حصلنا على نسخة منه، أنّ "200 مهاجر سرّي إيطالي غادروا صقلية وخاطروا بحياتهم وبالسجن للوصول إلى شواطئ مدينة قليبيا في تونس". لكنّ الإيطاليين بمعظمهم نسوا هذا الحادث، ويتفادون ربّما الحديث عن هجرة معاكسة اليوم لعدد من المتقاعدين الإيطاليين الذين هاجروا من بلادهم على خلفية غلاء المعيشة واختاروا الحياة في تونس أو المغرب.
من جهته، يروي الشرطي أنطونيو أودينو الذي قضى 13 عاماً من حياته في لامبيدوزا ونشر كتاباً عن تجربته، أنّه عاين بنفسه جثث مهاجرين غرقى منذ ثمانينيات القرن الماضي، وأنّ "هذا الأمر ليس جديدا". ويؤكد لـ"العربي الجديد" أنّه كان "أوّل شرطي استقبل مهاجرين في الثمانينيات، في حين أنّ القانون الإيطالي لم يكن يعرف كيفية التعامل مع هؤلاء". يضيف: "عاينت غرق مركب تونسي بكلّ من فيه بالقرب من سواحل قرقنة التونسية في عام 2006. لكنّ السلطات التونسية تكتّمت على الأمر". وعن أكثر القصص التي أثّرت فيه، يقول أودينو إنّها "قصة طفلة صغيرة إثيوبية وصلت إلى لامبيدوزا وبقيت تذهب يومياً إلى البحر وتسأل عن والدها. هي لم تكن تعلم أنّه غرق وهو يحاول إنقاذها".
ويتحدّث أودينو عن "ذلك الشاب الأفريقي الذي وفد من دلتا النيجر الذي قال إنّهم (هو ومن معه) جاؤوا إلى لامبيدوزا لأنّ الغرب حطّم حياتهم في بلادهم". ولا ينفي أودينو "صحة تلك الصرخة الأفريقية"، مؤكداً أنّه "ما دامت للغرب مصالح لا سيّما في ما يتعلّق بالبترول في تلك البلدان الضعيفة، فإنّ عملية تفقيرها سوف تستمر وكذلك الهجرة". ويكمل: "لكنّ إيطاليا لم تمنح كلّ هؤلاء في المقابل حياة جديدة مثلما كانوا يتوقّعون، باستثناء قلّة تمكّنت من الاندماج".
بالقرب من الميناء، حطام مراكب مع كتابات باللغة العربية. نقترب فنكتشف أنّها كانت في يوم مراكب تونسية تحطمت أحلام ركابها على صخور الجزيرة. في الجوار، ثمّة إشارة إلى مقبرة جماعية، فنقرأ: "هنا يرقد مسلمون ومسيحيون غرقوا في البحر بحثاً عن الحرية".
"هذه مآسينا"
غير بعيد عن المكان، في زاوية أحد المقاهي، يجلس تونسيون يحتسون القهوة. صبري واحد من هؤلاء، ويخبر أنّه كان يعمل في تونس وراتبه مقبول، "لكنّ صديقتي حامل منّي وننتظر مولوداً بعد أربعة أشهر، الأمر الذي دفعني إلى المغامرة والهجرة". وهو كان قد وصل إلى الجزيرة قبل أربعة أيام، منطلقاً من صفاقس في حين أنّ وجهته صقلية. ويقول إنّ "ثقباً في المركب غيّر خططنا. كان من المتوقع أن نصل إلى سواحل صقلية وليس إلى لامبيدوزا، بعدما دفعت سبعة آلاف دينار تونسي (نحو ألفين و900 دولار). لكنّ بسبب تغيّر الظروف المناخية وتسرّب الماء إلى مركبنا رسينا في لامبيدوزا". يضيف صبري أنّه هاجر "من أجل صديقتي التي ولدت وتعيش في روما منذ أكثر من 27 عاماً. فأمام التعقيدات في وثائق السفر وبطاقات الهوية، ومع إصراري على الزواج والعناية بطفلي، قرّرت الهجرة بطريقة غير شرعية معرّضاً حياتي للخطر". ويلفت إلى أنّ "الوحدات الإيطالية كانت تراقبنا، ولم تتدخل إلا عندما أوشكنا على الوصول إلى لامبيدوزا. كان من الممكن أن نغرق وهي تتفرّج علينا". أمّا عائلته، فقد بقيت لنحو خمسة أيام من دون أيّ خبر عن مصيره، وهل وصل إلى وجهته أم لا. إلى جانب صبري، رجل في الأربعين من عمره يرفض كلياً التعريف عن نفسه، اتخذ قراره بالهجرة السرية على خلفيّة البطالة التي يعاني منها. وإذ يخبر أنّه لم يتزوّج حتى اليوم، وهو ما شجّعه أكثر على اتخاذ قراره، يؤكد أنّ "تونس هي البلد العربي الوحيد الذي يقبل ترحيل أبنائه المهاجرين".
أمّا فتحي وهو بائع متجوّل من سوسة وأب لثلاثة أطفال، فقد وصل إلى الجزيرة قبل 20 يوماً. يحكي عن رحلته وكيف أنّ "الطقس كان رديئاً حينها، والمركب الذي يتّسع لـ 40 شخصاً كان يحمل 72 شخصاً، من بينهم مراهقان في الخامسة عشرة والسادسة عشرة في طريقهما إلى الالتحاق بوالدهما الذي سبقهما". ويكمل أنّه إلى جانب الظروف المناخية السيئة، "نفد الطعام ورحنا ننتظر مصيرنا بعدما تعطّل المحرك. لذا، كان قرار العودة إلى لامبيدوزا التي كنّا قد تجاوزناها ببضعة كيلومترات، بدلاً من مواصلة الطريق إلى صقلية". يُذكر أنّ فتحي كان قد حرص على انتقاء مركب تكون فيه الهجرة شبه آمنة ومضمونة الوصول. وعن نشاطه التجاري، يقول إنّه كان يعمل كبائع غلال، "لكنّنا شهدنا ركوداً كبيراً إلى جانب ملاحقات الشرطة البلدية التي احتجزت مرّات عدّة بضاعتي. لذا قرّرت الهجرة". ويشير إلى أنّ "ثمّة تونسيين يُرحّلون إلى البلاد بعد وصولهم إلى اليابسة الإيطالية، لكنّهم يعودون بعد أسبوع في مراكب أخرى".
إلى هؤلاء، يخبر عامل مياوم من سوسة، يرفض كلياً التعريف عن نفسه، أنّه دخل السجن لتظهر براءته بعد خمسة أعوام، ويقرّر الهجرة. يضيف أنّ "الظروف الاجتماعية الصعبة لأسرتي، هي التي دفعتني إلى الهجرة. فوالداي يعيشان فقراً مدقعاً، ولا مستقبل لي في تونس". ويؤكد أنّه "في حال ترحيلي من هنا، فإنّني سوف أعود من جديد".
مهاجر آخر يرفض التعريف عن نفسه، يؤكد أنّ "المعاملة في مركز الإيواء الذي يستقبلني، إنسانية، إن من قبل الأعوان أو الإدارة، وثمّة طبيب يعاين المهاجرين كلما اشتكوا من وعكة صحية". ويتحدث عن "الطعام في المركز الذي يتركّز على الأرزّ أو المعكرونة والدجاج والسمك، في حين تُوزّع علينا السجائر"، مشيراً إلى وسائل الاستحمام متوفّرة كذلك". والمشكلة بالنسبة إليه "ليست في توفير العناية بل في السماح لنا بالمرور إلى إيطاليا للعمل"، فيقترح أن "تتولّى الحكومة الإيطالية فرز المهاجرين واختيار الذين لا يثيرون المشاكل والذين لا سوابق عدلية في سجلاتهم، وتسمح لهم بالعبور". ويشير إلى أنّ "ثمّة أشخاصاً من بيننا أصحاب سوابق وفي حقّهم أحكام. وهؤلاء أثّروا على سمعة المهاجرين الآخرين وكثيراً ما يثيرون المتاعب".
على الهامش، يُذكر أنّه من غير الممكن الاقتراب من مركز إيواء المهاجرين في لامبيدوزا، إذ هي منطقة عسكرية مراقبة بكاميرات من كل الجوانب، لذلك توجّب علينا صعود الجبل من الجهة الأخرى لإلقاء نظرة سريعة على المركز، خلسة.
رأفت وليليا
في زقاق بعيد بعض الشيء عن وسط الجزيرة، نلمح شاباً وشابة. للوهلة الأولى نظنّ أنّهما إيطاليان، ربّما بسبب عيونهما الخضر. لكنّ مرافقنا أيمن يرجّح أن يكونا تونسيَين. نقترب منهما. "السلام عليكم". فيجيبان: "وعليكم السلام". بصراحة، فوجئنا. ماذا يفعل هذان الاثنان هنا؟ كان من الممكن أن يشاركا في عرض للأزياء. هل هما من الحرّاقة؟ وعند سؤالهما عن إمكانية التقاط صورتهما، لم يمانعا.
رأفت في الرابعة والعشرين من عمره، وقد وصل إلى الجزيرة من مدينة مساكن في ولاية سوسة قبل نحو خمسة أيام. يقول: "أردت بدء حياة جديدة، فعملي في مجال السياحة موسمي، وفترات السنة بمعظمها أقضيها من دون عمل". يضيف إنّها "المرّة الثانية التي أهاجر فيها بطريقة غير شرعية، وأنا متمسّك بإعادة الكرّة مرّة أخرى في حال جرى ترحيلي"، مشيراً إلى أنّه في هذه المرّة "انطلقنا من المهدية للوصول إلى لامبيدوزا".
أمّا ليليا وهي في العشرين من عمرها، فتخبر أنّها أتت إلى الجزيرة في "رحلة هجرة غير شرعية برفقة والدتي البالغة من العمر 45 عاماً، لا سيّما أنّ شقيقي سبق أن هاجر كذلك". وتقول: "دفعت ثلاثة آلاف و500 دينار تونسي (نحو 1500 دولار) بعدما بعنا قطعة أرض لتأمين مصاريف الهجرة. وعلى الرغم من المخاطر، فإنّنا غامرنا في الوصول إلى هنا". بالنسبة إلى ليليا، فإنّ "المجالات التي عملت بها في تونس لا تؤمّن لي أجراً محترماً. ما كنت أتقاضاه لا يتعدّى 150 أو 200 دينار (نحو 65 أو 85 دولاراً) وقد سئمت الوضع. لذلك قررت الهجرة".
غضب شبابي
في قلب المدينة، على مقربة من كنيستها، يعتصم شباب تونسيون منذ أسابيع وقد عمدوا إلى خياطة أفواههم. هم غاضبون، ويخبرون أنّهم يحتجون بتلك الطريقة حتى لا يجري ترحيلهم. يضيفون أنّهم سئموا الوعود التي أطلقت في تونس بعد الثورة، وأنّهم ظلوا ينتظرون سبعة أعوام من دون أن تتحقق أيّ مكاسب. فاتخذوا قرار الهجرة السرية، خصوصاً أنّهم بمعظمهم عاطلون من العمل أو حالتهم المادية سيئة. يُذكر أنّ بعض هؤلاء انطلق من قرقنة وآخرون من سوسة، وقد قضوا ثلاثة أياماً في البحر بعدما فقدوا جهاز نظام "جي بي إس". ولولا مصادفتهم سفينة تجارية، لكانوا غرقوا.
يخبر أحد هؤلاء أنّ "300 تونسي بلغوا الجزيرة قبل بضعة أيام، في حين أنّ العدد كان قد وصل مرّة إلى ألفَي مهاجر في خلال أربعة أيام". ويقترح الشاب المهاجر الذي تحفّظ عن ذكر اسمه، أن "تتولى السلطات التونسية بالتنسيق مع السلطات الإيطالية إيجاد حلول لهؤلاء الشباب من خلال تبسيط الإجراءات وتدريبهم حتى لا يهاجروا سراً".
إلى ذلك، يؤكد بعض من هؤلاء المحتجين أنّ "تونس تتقاضى ثلاثة آلاف يورو مقابل كلّ شاب يرحّل إليها، وأنّها أبرمت صفقة مع إيطاليا على حسابنا. ونحن سوف نصرّ على الهجرة ونكرر المغامرة إلى حين نجاحنا في دخول إيطاليا". ويجمع المحتجون على السؤال: "لو وجدنا عملاً محترماً وحياة كريمة في تونس، هل كنّا لنهاجر؟".
أرقام الداخلية الإيطالية
في السياق، تبيّن الأرقام التي أصدرتها وزارة الداخلية الإيطالية والتي حصلت عليها "العربي الجديد" من خلال الباحث في شؤون الهجرة واللجوء في جامعة لا سابيينسا، باولو هوارد، أنّ عام 2011 شهد وصول 28 ألفاً و47 مهاجراً (26 ألفاً و710 من الذكور و236 من الإناث، بالإضافة إلى 34 قاصراً مع عائلاتهم و1067 قاصراً من دون مرافقة). وفي عام 2012، وصل فقط ألفان و268 تونسياً إلى إيطاليا (ألفان و147 من الذكور و19 أنثى وأربع قصّر مع عائلاتهم و98 قاصراً من دون مرافقة). وفي عام 2013، وصل عدد أقلّ من ذلك بكثير، وهو 833 تونسياً فقط (759 من الذكور و13 من الإناث وخمسة قصّر مع عائلاتهم و56 قاصراً من دون مرافقة). وفي عام 2014، تضاعف العدد ليبلغ ألفاً و637 مهاجراً تونسياً (ألفاً و525 من الذكور و21 من الإناث و13 قاصراً مع عائلاتهم و78 قاصراً من دون مرافقة). وفي عام 2015، عاد العدد ليتراجع مرّة أخرى ويصل إلى 889 مهاجراً تونسياً (842 من الذكور و19 من الإناث وطفلان مع عائلتيهما و26 قاصراً من دون مرافقة). وفي عام 2016، ارتفع العدد إلى ألف و207 مهاجرين تونسيين (1136 من الذكور و18 من الإناث وطفلان مع عائلتيهما و51 قاصراً من دون مرافقة).
لكنّ عام 2017 الماضي عاد ليشهد انفجاراً جديداً، إذ وصل عدد المهاجرين إلى ستة آلاف و151 تونسياً (خمسة آلاف و455 من الذكور و135 من الإناث و17 قاصراً مع عائلاتهم و544 قاصراً من دون مرافقة). ويشرح باولو أنّ "هذه العودة القوية التي شهدها العام الأخير، إنّما كانت بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية وغياب الأمل بعدما انتظر العاطلون من العمل والشباب سنوات آملين تحسّن الأحوال".
حذر بلديّ
من جهته، يبدو رئيس بلدية لامبيدوزا، توتو مارتيلو، حذراً من أسئلتنا ولم يزوّدنا بأيّ أرقام بداعي أنّه لا يملكها على خلفيّة تغيّر الإدارات. لكنّه يشير لـ"العربي الجديد" إلى "تغيّر في المهاجرين، مع وفود سوريين وأفارقة وفئات أخرى من المهاجرين التونسيين منذ عام 2011". ويشرح أنّ "الفترة التي سبقت ذلك، لم تشهد أحداثاً أثّرت على السكان المحليين، لكنّ الأمور تغيّرت بعد ذلك وسُجّلت مظاهر انحراف وعنف لدى بعضهم".
ويشدد مارتيلو على أنّ "العلاقات القديمة منذ قرون، كانت جيّدة وتقوم على التبادل التجاري والإنساني. لكنّ طبيعة العلاقة تغيّرت أخيراً مع هذا الزحف بالآلاف". يضيف أنّه "يتوجب على دول المنطقة أن تؤدّي دورها للحدّ من هذه الظاهرة"، مقللاً من الواجب الأوروبي في تنمية المناطق التي يعدّها "بعيدة عن أوروبا والتي لم يعد في إمكانها أن تقدّم أكثر من تأسيس دولة للمهاجرين، ربّما". ويشير إلى أنّ "أوروبا بدأت تتنبّه أخيراً لدعم إيطاليا في هذا الملف الإنساني الذي يعني كل الدول وليس إيطاليا وحدها. فإسبانيا حلّت مشكلتها مثلاً مع المهاجرين بإطلاق النار عليهم".
وعند سؤاله "ألا تعتقدون أنّ أوروبا تكيل بمكيالَين مع المهاجرين، فهي من جهة تفتح الأبواب وتشرّعها أمام الأطباء والمهندسين والكفاءات في حين أنّها من الجهة الثانية توصدها أمام الشباب الآخرين والمعدمين؟"، يجيب مارتيلو أنّ "الأمر على هذه الحال. ألمانيا مثلاً تستقبل السوريين، لكنّها تطرد الأفارقة".
ليست أملاً
لامبيدوزا، حيث لا يمكنك الهرب إلى أيّ مكان، ليست أملاً مطلقاً ولا بوابة لأوروبا مثلما يزعمون، إنّما هي سجن مشمس والمحظوظون هم الذين نجحوا فقط في عدم الوصول إليها وارتموا على سواحل أخرى ثمّ تسللوا إلى حيث الحلم متاح وكذلك الوهم، إذا أفلتوا من الشرطة الإيطالية.
تجدر الإشارة إلى أنّ شبكات تونسية إيطالية جديدة راحت تتحرّك في الآونة الأخيرة، بحسب ما يؤكد ناشطون من المجتمع المدني لـ"العربي الجديد"، وهي تنقل مجموعات صغيرة لا يتجاوز عدد أفرادها العشرة، على متن زوارق مطاطية صغيرة وسريعة. وتلك الزوارق لا تتوجه إلى لامبيدوزا وإنّما إلى سواحل أخرى من صقلية تكون مفتوحة على أوروبا.