كيف نفهم العقلية الإسرائيلية؟

24 يونيو 2014

فلسطينيون يتصدون لجيش الاحتلال في رام الله (أرشيف/الأناضول)

+ الخط -

إسرائيل، ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية، لن تقبل منا نحن العرب سوى الرضوخ الكامل لشروطها. هذا ما تعلمناه منذ جثوم هذا الكيان الغاصب على صدورنا، والشواهد على ذلك كثيرة. كان آخرها ابتزاز الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، من خلال تصريح رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، والذي قال فيه "إن عباس سيعمل على إخراج حماس من حكومته الجديدة"، بعد توقيع اتفاق المصالحة الوطنية بين حركتي فتح وحماس على تشيكل حكومة الوحدة الوطنية.
وقد شكّل أسر ثلاثة صهاينة في الضفة الغربية، الأسبوع الماضي، ولا ندري بعد إذا ما كانوا أسرى لدى الفصائل الفلسطينية، أم ضاعوا في رحلة صيد، ذريعة للكيان الإسرائيلي لممارسة هوايته في إغلاق الخليل، وقصف غزة، وفي اعتقال من يشاهده أمامه من فلسطينيين، حيث وصل عدد المعتقلين الفلسطينين حوالى 300 تحت بند "الاعتقال الإداري"، بتوصية من جهاز الشاباك (جهاز الأمن الإسرائلي الداخلي)، وهو قانون يجيز لإسرائيل أن تعتقل من تشاء فترات غير محددة، ومن دون دليل، أو إطلاع محاميه على ملف القضية، كما لا يُسمح للمتهم بأن يُقدم للمحاكمة. وقد وصل عدد الفلسطينيين الذين تعرضوا لهذا النوع من الاعتقال حوالى ألف معتقل منذ 2003، بحسب مؤسسة "الضمير" لرعاية الأسير وحقوق الإنسان الفلسطينية.

يبدو، الآن، مما تقدم أن عملية السلام أصبحت في مهب الريح، وهي، في الحقيقة، ملهاة لا أكثر، لا أحد يحرص على ديمومتها أكثر من الإسرائيلي والأميركي، وذلك من أجل تنفيذ بقية المشروع الاستيطاني، وقضم ما تبقى من أراضٍ فلسطينية، وضمان منع انفجار انتفاضةٍ جديدةٍ في وجه العدو، تُعيد بثّ الروح النضالية في أوساط المجتمع الفلسطيني، وهو ما حذر منه الرئيس عباس، في تصريحاته الأخيرة التي علق فيها على اختطاف الصهاينة الثلاثة: بأن عملية السلام في خطر، وأن السلطة الفلسطينية قد تنهار، بسبب اختطاف الشبان، بحسب تعبيره، وكأن عباس، هُنا، لا يهتم سوى ببقاء سلطته حية، على الرغم من بقاء آلاف الفلسطينيين في السجون سنواتٍ، وأحياناً عقوداً، وعلى الرغم من عجزه عن حل أي من الملفات التي يتم التفاوض مع الإسرائيلي عليها طوال هذه السنوات.

في المقابل، تسعى إسرائيل، كعادتها، إلى استغلال الحدث في فرض واقعٍ جديد على الضفة الغربية، وتغيير قواعد اللعبة لصالحها، كلما سنحت الفرصة، خصوصاً وأن دول الطوق (مصر، لبنان، وسورية) مشغولة بمشكلاتها الخاصة، وأن الجانب الفلسطيني يعمل على ترتيب بيته الداخلي، من أجل إقامة انتخابات رئاسية وتشريعية في الشهور الستة المقبلة، لكن إسرائيل تهدف لاستغلال عملية الاختطاف الأخيرة، بضرب الفصائل الفسلطسينية المقاومة، وطرد المقاومين من "حماس" من الضفة الغربية، وتسديد ضربة للفصائل المقاومة فيها، وقد أكدت على ذلك الصحف الإسرائيلية، ومنها المعلق العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، الذي وصف العملية العسكرية بأن جيش الاحتلال ينفذ "عملية عسكرية واسعة ومتدحرجة، تهدف إلى ضرب قواعد حماس ووجودها السياسي في الضفة". إذن، إسرائيل لا تبحث عن المفقودين الثلاثة فقط، وقد تكون قد فقدت الأمل في الوصول إليهم، لكنها تسعى إلى كسر ظهر المقاومة في الضفة الغربية، ومعاقبة من يتعاطف معها.

قبل أسابيع، انفجرت نقاشات عديدة في أوساط النخبة السعودية بشأن التطبيع مع العدو الإسرائيلي وعملية السلام، جراء ترجمة دار "مدارك" السعودية وطبعها كتاباً للصهيوني، جاشوا تيتلباوم، يُروج فيه إقامة علاقات استراتيجية بين السعودية والكيان الإسرائيلي لمواجهة "الخطر الإيراني"، مما اعتبره سعوديون تجاوزاً للخطوط الحمر، وتطبيعاً مع العدو المحتل لفلسطين، في حين راحت قلة من أصحاب التوجه "الليبرالي" تروج ضرورة فهم العقلية الإسرائيلية.

ولكي نفهم العقلية الإسرائيلية جيداً، لابد من سرد وقائع حالية وتاريخية لسياسات الاحتلال. يقبع في السجون الإسرائيلية، اليوم، أكثر من خمسة آلاف فلسطيني، منهم 196 طفلاً، بحسب آخر إحصائية، أعدّها مركز الضمير، ولكي يتم تحرير هؤلاء من السجون، فإن الجانب الفلسطيني معني بتوفير الظروف الملائمة للتفاوض، وإن كل جولات التفاوض التي قادتها الرباعية الدولية بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية لم تأت بأي نتيجة، لكن إحدى أنجع تلك الوسائل في السنوات الأخيرة اختطاف جنود للعدو، كما سبق لحركة حماس وحزب الله أن فعلوا، ونجحوا في إطلاق آلاف الأسرى من سجون الاحتلال. فجميعنا يتذكر عملية "الوفاء للأحرار" التي تم على إثرها إطلاق ألف أسير فلسطيني في عملية تبادل للأسرى بين حماس وإسرائيل، وكذلك في يناير/كانون ثاني 2004، صفقة التبادل الشهيرة بين حزب الله وحكومة إسرائيل، أفرجت الأخيرة فيها عن 462 معتقلاً مقابل ضابط في الجيش ورفات ثلاثة جنود صهاينة.

في حقيقة الأمر، أثبتت التجربة مع الاحتلال الإسرائيلي أنه لا يفهم إلا لغة القوة، ويعتمد على موازين الردع التي يخلقها الآخر، وإن ما يمنعه من الفجور والإرهاب ضد المدنيين هو جهوزية المقاومة، وإن كل حديث عن سلام لا يكون فيه الفلسطيني مرتكزاً إلى سلاحه، ليس له أي معنى في القاموس الإسرائيلي.
59C609B9-D3BD-480F-B605-2AC47CF69F0B
محمد الصادق

كاتب سعودي، مؤلف كتاب "الحراك الشيعي في السعودية"