30 أكتوبر 2024
كيف السبيل إلى حوار جاد في الجزائر؟
ما إن انطلق الحوار في الجزائر، حتّى بدأت أصوات تتعالى بأنه غير جادّ، وبأنّ شروط نجاحه ليست مضمونة، إضافة إلى التشكيك في جديّة النظام في منح لجنة الحوار الاستقلالية اللازمة للذهاب إلى البحث في عمق الإشكاليات المحورية، من دون إغفال عنصر إلزامية مخارج الحوار بالنسبة للنظام، وخصوصا في ما يخص نقطتين حيويتين، ذهاب الحكومة وضمان مسار انتخابات تكون نظيفة وشفافة. كثيرا ما ركّزت مقالات الكاتب في "العربي الجديد" على حيوية الحوار للخروج من الانسداد الحالي وكونه السبيل الوحيد الذي سيكفل تنظيم مسار توافقي، يمرّ عبر تغيير آليات عمل النظام السياسي، من خلال بث أجواء الثقة، بداية، بين مختلف الفاعلين في الساحة السياسية، ثمّ المرور إلى الفعل السياسي (تفاوض، تسويات وتنازلات) الحقيقي الذي يحتاج لإقراره عناصر مهمّة، منها الاعتماد على المصداقية في مسار الإنصات لمطالب ذلك التغيير الآتي من الحراك، الطبقة السياسية والمجتمع المدني.
مع انطلاق الحوار الفعلي، بدأت مشكلات تطفو على السطح، منها عدم الاعتماد على العناصر الكفيلة بمنح هذا الحوار المصداقية اللازمة، بل ذهب الأمر إلى القول إن ثمّة نيّة من السلطة لـ"منع" شخصيات وطنية ثقيلة من اللّحاق بركب اللّجنة المُكلّفة بالحوار، لأنّ وجودها ضمن فريق الحوار سيكون ضاغطا على النّظام، في باب الاستجابة لإجراءات التهدئة، ثم الالتزام بمخرجات الحوار، وهو محك عمل اللجنة ومصداقيتها لدى الفاعلين السياسيين من خارج النظام.
تنبغي الإشارة، هنا إلى أنّ إجراءات التهدئة مهمة بل حيوية، لأنها كفيلة بإرسال إشارات الجدية من النظام إلى المشككين في حيوية مسار الحوار في حل الانسداد، وهي، للعلم، إجراءاتٌ متّفق عليها بين مختلف أطياف الحراك في الجزائر، ومتمثلة، أساسا، في إطلاق سراح النشطاء،
ورفع التضييق على العاصمة أيام التظاهرات، وفتح المجال الإعلامي أمام الرأي والرأي الآخر، إضافة إلى النظر في إجراء ذهاب الحكومة ضمانا لمسار حوار/ تفاوض، يذهب بالجميع نحو انتخابات رئاسية نظيفة وشفّافة.
استقبلت الرئاسة وفد اللجنة المكلّفة بالحوار، ولكن في ظروف اكتنفها كثير من القيل والقال، خصوصا أنّ الجميع لجأ، بعد تظاهرات الجمعة، إلى وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الإعلامية، للإدلاء إمّا برأيه في ما جرى طوال أيام الأسبوع الماضي من تململ بخصوص تشكيلة اللجنة، وسلطتها، وإلزامية مخارج الحوار، إضافة إلى إجراءات بعث الثقة التي يجب أن تسبق أي لقاء بين اللجنة والسلطة، وإمّا لانتقاد ما جرى، كونه غير مشمول بجو المصداقية اعتمادا، بالخصوص، على ردّات فعل المتظاهرين في الجمعة الثالثة والعشرين من رفض وشجب لمن شارك في لقاء الرّئاسة، أو مآلات ما جرى.
يجب الوقوف، هنا، وقفات للحديث بشأن هذا الحوار، وكيف يمكن أن يصبح مسارا فعليا وفعّالا للخروج من الانسداد. ولعلّ البداية تكون من الهدف من الحوار، هل هو لجس نبض الشارع (الحراك) بشأن مسار الحل المرتكز حول الرئاسيات، أم هو مجرّد مناورات للالتفاف على تلك المطالب، وتحديد جدول أعمال الحوار في نقاط تقنية لا تفضي، في النهاية، إلى تجسيد الهدف من خروج الجزائريين للتظاهرات، منذ 22 فبراير/ شباط الماضي، وهو الوصول إلى تغيير النظام وبناء جمهورية ثانية؟
إجابة عن السؤال، يمكن الرجوع إلى خطاب الرّئيس المؤقّت، عبد القادر بن صالح، عندما قال إن لجنة الحوار ستكون بمثابة سلطةٍ تقترح كل ما من شأنه ضمان نظافة الانتخابات وشفافيتها، وبما أن الخطابات تحتمل بعض النقاط الملتبسة، يمكن الاعتماد، أيضا، هنا، على تصريحاتٍ أدلت بها شخصية مقرّبة من النظام لقناة تلفزيونية خاصة، في الجزائر، قالت فيها إن تلك اللجنة هي سلطة يمكنها البت في كل ما من شأنه ضمان اقتراع انتخابي نظيف وشفاف، ومنها المطالبة بإجراءات تهدئة وذهاب الحكومة، إضافة إلى إمكانية أن تعتمد على شخصياتٍ، ذات مصداقية، لفسح المجال أمام مخرجات إلزامية لمسار الحوار كلّه.
تشير الوقفة الثانية إلى وجوب المصداقية، من الجانبين، لأنّ التوافق على نقاط يشملها البحث وأخرى للتهدئة يجب أن تُنفّذ، ولعلّ ما يحكم معيار تلك المصداقية هو إنهاء أيّ لقاء في محضر يجمع شتات ما تمّ التحدث عنه، كما يجب أن يسبق ذلك كله "ميثاق شرف" يُوقّع بين الطرفين، يحدّد تشكيلة اللّجنة المُكلّفة بالحوار، وسلطتها، ومقاربات عملها، وحدود السلطات الممنوحة لها، والإشكالات المشمولة بالبحث، إضافة إلى نقطتي الضمانات والإلزامية بالنسبة لمخارج أعمال اللّجنة.
أمّا الوقفة الثالثة فلها صلة بمبدأ أي حوار/ تفاوض، وهو التسوية والتنازل، لأنّ الفعل الحراكي عاطفي، ولكنه يملك بوصلة المنطق والواقعية، ما يسمح له بالتقاط إشارات المصداقية، والتي
نقرأها كل جمعة في الشعارات، ومنها الأسماء التي يثق فيها، والضمانات التي يجب أن تتوفّر في أي حوار/ تفاوض، حتى يكون موصلا إلى التغيير الفعلي والفعّال. ومما ينبغي الإشارة إليه، هنا، أن الحراك وضع قائمة موسّعة بالأسماء التي يمكن أن تذهب إلى الحوار، لترافع عن مطالبه، بعضها موجود الآن في اللجنة، ولكن بعضها الآخر تحفّظ لعدم توفر ظروف تلك المصداقية.
تذهب الوقفة الرابعة الختامية إلى أنّ الموقف ليس حرجا إلى درجة التخوين والتشكيك في النيات، بل هي خطوة أولى ستعقبها خطوات، لأن المهم أن مسار الحوار/ التفاوض انطلق، ولا يمكن لأحد أن يغير مساره أو يوقفه، ولكن يمكن إدخال تعديلاتٍ على ما تم انتقاده، وذلك مشمول في أبجديات الحوار، بل تلك الانتقادات بمثابة إشاراتٍ ستجعل من المرحلة الثانية أكثر مصداقية، لأن الجدية بادية من النظام بأنّه يريد الحوار، وتلك ظاهرة صحية، كما أن الاختلاف ظاهرة صحية أيضا، بما أن المطلوب ليس الإجماع، بل التوافق. والبوصلة هي الصالح العام لبلادٍ تنتظر منحها فرصة الانطلاق، والخروج من التعثر تلو التعثر، على كل المستويات.
تعجّ الساحة السياسية الجزائرية بكفاءاتٍ كثيرة، وكلها تظهر جاهزية للعمل، سويا، للخروج من الانسداد، ودليل ذلك وجود أكثر من ثلاثين مبادرة للحل، تنتظر أن تلتئم في وثيقةٍ ستشكل أساس العمل، بما أن الجميع متوافق على أن الانتخابات الرئاسية هي الحل، وأنّ الإشكاليات الكبرى يمكن ترحيلها إلى ما بعد ذلك الاقتراع، ليكون الرئيس المقبل، القوي بزخم شرعيته، المُكلّف بفتحها كورشات تدخل بالجزائر إلى المستقبل المرغوب والمأمول.
يمكن اعتبار أن ما حدث من انتقادات وتشكيكات في أوّل لقاء للجنة الحوار بالرئاسة المؤقّتة،
وما اكتنفها من قيل وقال، مجرد كبوة ستعقبها، حتما، كبوات. ولهذا، يجب إحاطة مسار الحوار/ التفاوض بضمانات تكفل معالجة آنية وعاجلة لأية مشكلات محتملة، ولعلّ وجود شخصيات وطنية من وزن الوزير السابق، أحمد طالب الإبراهيمي، والمجاهدة جميلة بوحيرد، إضافة إلى إجراءات التهدئة كفيلة بالتقليل من وقع تلك الكبوات، وبمنح الثقة بإلزامية مخارج المسار التفاوضي الذي يجب أن يتم بدون إقصاء لأي توجّه أيديولوجي أو طيف سياسي، لأن الجزائر تحتاج إلى كل السواعد لبنائها.
في الختام، يُشار إلى أهمية الإعلام وحيوتيه في رسم مخيال جيد وجدّي للمسار الحواري/ التفاوضي. كما يمكنه، في حالة استخدامه معولا للتهديم، أن يكون ذا وقع سيّئ على ذلك المخيال، وعلى الواقع أيضا. لذا يستوجب ذلك استتباع المسار التحاوري/ التفاوضي بـ"ميثاق شرف إعلامي"، يضع سقفا في مجال التعبير، الانتقاد والإدلاء بالرأي، تحدّده المصلحة العامة للجزائر، وتصنع مضمونه ثقة ومصداقية بيانات، تصريحات اللجنة الحوارية ومداخلاتها، وهو ما سيكفل ظروفا جيدة لحوار نريده جادّا لمصلحة الجزائر، بداية و نهاية.
مع انطلاق الحوار الفعلي، بدأت مشكلات تطفو على السطح، منها عدم الاعتماد على العناصر الكفيلة بمنح هذا الحوار المصداقية اللازمة، بل ذهب الأمر إلى القول إن ثمّة نيّة من السلطة لـ"منع" شخصيات وطنية ثقيلة من اللّحاق بركب اللّجنة المُكلّفة بالحوار، لأنّ وجودها ضمن فريق الحوار سيكون ضاغطا على النّظام، في باب الاستجابة لإجراءات التهدئة، ثم الالتزام بمخرجات الحوار، وهو محك عمل اللجنة ومصداقيتها لدى الفاعلين السياسيين من خارج النظام.
تنبغي الإشارة، هنا إلى أنّ إجراءات التهدئة مهمة بل حيوية، لأنها كفيلة بإرسال إشارات الجدية من النظام إلى المشككين في حيوية مسار الحوار في حل الانسداد، وهي، للعلم، إجراءاتٌ متّفق عليها بين مختلف أطياف الحراك في الجزائر، ومتمثلة، أساسا، في إطلاق سراح النشطاء،
استقبلت الرئاسة وفد اللجنة المكلّفة بالحوار، ولكن في ظروف اكتنفها كثير من القيل والقال، خصوصا أنّ الجميع لجأ، بعد تظاهرات الجمعة، إلى وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الإعلامية، للإدلاء إمّا برأيه في ما جرى طوال أيام الأسبوع الماضي من تململ بخصوص تشكيلة اللجنة، وسلطتها، وإلزامية مخارج الحوار، إضافة إلى إجراءات بعث الثقة التي يجب أن تسبق أي لقاء بين اللجنة والسلطة، وإمّا لانتقاد ما جرى، كونه غير مشمول بجو المصداقية اعتمادا، بالخصوص، على ردّات فعل المتظاهرين في الجمعة الثالثة والعشرين من رفض وشجب لمن شارك في لقاء الرّئاسة، أو مآلات ما جرى.
يجب الوقوف، هنا، وقفات للحديث بشأن هذا الحوار، وكيف يمكن أن يصبح مسارا فعليا وفعّالا للخروج من الانسداد. ولعلّ البداية تكون من الهدف من الحوار، هل هو لجس نبض الشارع (الحراك) بشأن مسار الحل المرتكز حول الرئاسيات، أم هو مجرّد مناورات للالتفاف على تلك المطالب، وتحديد جدول أعمال الحوار في نقاط تقنية لا تفضي، في النهاية، إلى تجسيد الهدف من خروج الجزائريين للتظاهرات، منذ 22 فبراير/ شباط الماضي، وهو الوصول إلى تغيير النظام وبناء جمهورية ثانية؟
إجابة عن السؤال، يمكن الرجوع إلى خطاب الرّئيس المؤقّت، عبد القادر بن صالح، عندما قال إن لجنة الحوار ستكون بمثابة سلطةٍ تقترح كل ما من شأنه ضمان نظافة الانتخابات وشفافيتها، وبما أن الخطابات تحتمل بعض النقاط الملتبسة، يمكن الاعتماد، أيضا، هنا، على تصريحاتٍ أدلت بها شخصية مقرّبة من النظام لقناة تلفزيونية خاصة، في الجزائر، قالت فيها إن تلك اللجنة هي سلطة يمكنها البت في كل ما من شأنه ضمان اقتراع انتخابي نظيف وشفاف، ومنها المطالبة بإجراءات تهدئة وذهاب الحكومة، إضافة إلى إمكانية أن تعتمد على شخصياتٍ، ذات مصداقية، لفسح المجال أمام مخرجات إلزامية لمسار الحوار كلّه.
تشير الوقفة الثانية إلى وجوب المصداقية، من الجانبين، لأنّ التوافق على نقاط يشملها البحث وأخرى للتهدئة يجب أن تُنفّذ، ولعلّ ما يحكم معيار تلك المصداقية هو إنهاء أيّ لقاء في محضر يجمع شتات ما تمّ التحدث عنه، كما يجب أن يسبق ذلك كله "ميثاق شرف" يُوقّع بين الطرفين، يحدّد تشكيلة اللّجنة المُكلّفة بالحوار، وسلطتها، ومقاربات عملها، وحدود السلطات الممنوحة لها، والإشكالات المشمولة بالبحث، إضافة إلى نقطتي الضمانات والإلزامية بالنسبة لمخارج أعمال اللّجنة.
أمّا الوقفة الثالثة فلها صلة بمبدأ أي حوار/ تفاوض، وهو التسوية والتنازل، لأنّ الفعل الحراكي عاطفي، ولكنه يملك بوصلة المنطق والواقعية، ما يسمح له بالتقاط إشارات المصداقية، والتي
تذهب الوقفة الرابعة الختامية إلى أنّ الموقف ليس حرجا إلى درجة التخوين والتشكيك في النيات، بل هي خطوة أولى ستعقبها خطوات، لأن المهم أن مسار الحوار/ التفاوض انطلق، ولا يمكن لأحد أن يغير مساره أو يوقفه، ولكن يمكن إدخال تعديلاتٍ على ما تم انتقاده، وذلك مشمول في أبجديات الحوار، بل تلك الانتقادات بمثابة إشاراتٍ ستجعل من المرحلة الثانية أكثر مصداقية، لأن الجدية بادية من النظام بأنّه يريد الحوار، وتلك ظاهرة صحية، كما أن الاختلاف ظاهرة صحية أيضا، بما أن المطلوب ليس الإجماع، بل التوافق. والبوصلة هي الصالح العام لبلادٍ تنتظر منحها فرصة الانطلاق، والخروج من التعثر تلو التعثر، على كل المستويات.
تعجّ الساحة السياسية الجزائرية بكفاءاتٍ كثيرة، وكلها تظهر جاهزية للعمل، سويا، للخروج من الانسداد، ودليل ذلك وجود أكثر من ثلاثين مبادرة للحل، تنتظر أن تلتئم في وثيقةٍ ستشكل أساس العمل، بما أن الجميع متوافق على أن الانتخابات الرئاسية هي الحل، وأنّ الإشكاليات الكبرى يمكن ترحيلها إلى ما بعد ذلك الاقتراع، ليكون الرئيس المقبل، القوي بزخم شرعيته، المُكلّف بفتحها كورشات تدخل بالجزائر إلى المستقبل المرغوب والمأمول.
يمكن اعتبار أن ما حدث من انتقادات وتشكيكات في أوّل لقاء للجنة الحوار بالرئاسة المؤقّتة،
في الختام، يُشار إلى أهمية الإعلام وحيوتيه في رسم مخيال جيد وجدّي للمسار الحواري/ التفاوضي. كما يمكنه، في حالة استخدامه معولا للتهديم، أن يكون ذا وقع سيّئ على ذلك المخيال، وعلى الواقع أيضا. لذا يستوجب ذلك استتباع المسار التحاوري/ التفاوضي بـ"ميثاق شرف إعلامي"، يضع سقفا في مجال التعبير، الانتقاد والإدلاء بالرأي، تحدّده المصلحة العامة للجزائر، وتصنع مضمونه ثقة ومصداقية بيانات، تصريحات اللجنة الحوارية ومداخلاتها، وهو ما سيكفل ظروفا جيدة لحوار نريده جادّا لمصلحة الجزائر، بداية و نهاية.