كوبا .. دور إنساني كبير

01 يناير 2015

مظاهرة لنصرة الفلسطينيين في كوبا (14يناير/2009/Getty)

+ الخط -
 
بدا تناول كوبا في الكتابات والتعليقات التي نُشرت أخيراً، مثل تناول قارّة مكتشفة للتو، أو كوكب جديد، من ناحية العدد الهائل للمقالات والدراسات والأخبار التي صدرت عقب إعلان الولايات المتحدة إعادة العلاقات الدبلوماسية مع كوبا، بعد قطيعة دامت 53 عاماً، وعزّزها الحصار الذي فرضته واشنطن على جارتها الصغيرة. وظهرت الصورة، وكأن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قد بارك بعصاه السحرية موضوع الكتابة عن هذه الجمهورية الجزيرة، ليبدو الأمر وكأن الحديث عن كوبا كان من قبل محظوراً بشكل غير رسمي.
ولن تكون مساهمتي في الأمر من باب الذكريات التي خرج بها كثيرون، أو انطباعاتهم التي كتبوها عن البلاد، بعد زيارتهم لها، لهذا الغرض أو ذاك، أو عن ثورتها التي عاصروها وعاصروا تبعات انتصارها على العلاقة بين الدول.

فهنالك وجه آخر لكوبا، قلّما يراه آخرون، وقلّما تلحظه أو تتناوله وسائل الإعلام، كونه يمكن أن يشكّل فضيحة لدول هي سيدة الاقتصاد الدولي، ومركز ثرواته، وفي الوقت عينه، سيدة الإعلام وقائدته في هذا العالم الممسوك بيدها الطويلة. والوجه الذي أُشير إليه هو وجهها الإنساني الذي يقبع وراء المساعدات الإنسانية التي قدّمتها هذه الجزيرة الفقيرة إلى دول العالم الثالث، وما تزال تقدّمها. مساعدات تبدأ بما تقدّمه على الصعيدين، الغذائي والدوائي، ولا تتوقّف عند مخاطرة أطبائها والمجازفة بحياتهم لمساعدة الدول الأفريقية المنكوبة بفيروس إيبولا.
قد يثير الاستغراب كلام حول حقيقة أن كوبا قدّمت للعالم مساعدات في المجالين، الطبي والإنساني، تفوق ما قدّمته الأمم المتحدة عبر منظمة الصحة العالمية، وذلك عبر برنامج للمهمات الإنسانية أطلقته الحكومة الكوبية سنة 1963. بدأته في أفريقيا وأميركا اللاتينية، وطال لاحقاً دول الكاريبي ومناطق أخرى، عبر مساعدة فقراء هذه الدول في المجالين، الطبي والتعليمي. وكان الكاتب والصحفي الأميركي، رون رايدنور الذي غطّى في عمله الصحفي جبهات قتال كثيرة في العالم، قد نشر مقالاً سنة 2008 أورد فيه أن أكثر من مائة ألف من الاختصاصيين الكوبيين، في مختلف المجالات، قدّموا، في العقد الماضي، خدمات إنسانية عديدة في أكثر من 140 بلداً. وقد استفاد، في الفترة المذكورة، في المجال الطبي وحده أكثر من 10 ملايين شخص في 68 بلداً. كما أن فِرق كوبا الطبية أعادت النظر إلى أكثر من نصف مليون ضرير في 25 بلداً عبر برنامج سمّي "العملية المعجزة" الذي تموّله الحكومة الفنزويلية، منذ عام 2004. وتتضمّن الخطة الكوبية-الفنزويلية خلال عقد واحد إعادة النظر إلى 10 ملايين ضرير في أميركا اللاتينية، فقدوا النظر بسبب سوء التغذية.
وفي أعقاب العدوان الإسرائيلي، أخيراً، على قطاع غزة، أرسلت كوبا ستة أطنان من المساعدات الطبية إلى القطاع، شملت أدوية ومعدّات للمشافي التي استُهدفت. علاوة على دعميها، المادي والمعنوي، لكفاح الشعب الفلسطيني طوال سنوات نضاله ضدّ الاحتلال الإسرائيلي.
وقد برز الموقف الكوبي من محاربة مرض إيبولا، حين استنكف كثيرون، خصوصاً في أوروبا والولايات المتحدة، وخافوا من مساعدة الدول الأفريقية التي يتفشى فيها المرض. وفي خطوة لافتة، التأم في هافانا، في العشرين من أكتوبر/تشرين أول الماضي، مؤتمر إقليمي دعت كوبا إلى عقده، وضم مجموعة دول البديل البوليفاري في أميركا اللاتينية، لمناقشة خطط مكافحة "إيبولا" في أفريقيا، والحد من انتشاره في مناطق أخرى، وحضر المؤتمر مسؤولون من منظمة الصحة العالمية. وكانت كوبا، قبل ذلك، قد أرسلت 461 طبيباً وطواقم طبية إلى أفريقيا الغربية للتصدي للمرض، ما جعل صحيفة الغارديان البريطانية تكتب أن "كوبا تقود حملة مكافحة إيبولا في أفريقيا، بينما الغرب قلق على سلامته من المرض على حدوده". وسلّطت الأمم المتحدة الضوء على إسهامات كوبا في هذا المجال، عبر مبعوثها، ديفيد نافارا، الذي حضر جلسات القمة المذكورة. وكان لافتاً الشكر الشخصي الذي وجّهه، في تلك الفترة، وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، إلى كوبا لمساعدتها على مكافحة الفيروس.
وبشأن تجاهل الإعلام الغربي، والإعلام الدائر في فلكه، مساهمات كوبا الإنسانية عالمياً، فإن أبرز مثال عليه ما كتبه الصحفي المستقلّ، توم فاوثروب، في تحقيق طويل نشره موقع "الجزيرة نت" في فبراير/ شباط 2010 عن المساعدة التي قدّمتها كوبا لهاييتي، عقب الزلزال الذي ضربها. كتب فاوثروب "على الرغم من أن كوبا كانت أول من قدّم المساعدة، إلا أنها لم تتلقَّ سوى تغطية إعلامية قليلة". وقال إنه لدى تغطيتها جهود الإغاثة الدولية، عادة ما تمتنع وسائل الإعلام الغربية عن إدراج كوبا في أعلى قائمة الدول المتبرعة. ففي حين شارك 350 طبيباً في جهود الإغاثة في هاييتي، تحدّث الإعلام الغربي عن إرسال كوبا 30 طبيباً فحسب، مع أن العدد النهائي للاختصاصيين الطبيين الكوبيين وصل إلى 930 شخصاً من الاختصاصات كافة، وكان الفريق الأضخم العامل على الأرض في هاييتي حينها. وكان الكوبيون أول الواصلين، وأول فريق يقيم مشافي ميدانية، ويرسل المعدّات للمشافي القائمة، علاوة على إرسالهم أربعمئة ألف لقاح مضاد للكزاز. وقالت اختصاصية الصحة العامة النيكاراغوية إن الأطباء الكوبيين هم الأسرع في الاستجابة في حالات الكوارث، لأن إدارة الكوارث جزء أساسي من تدريبهم الطبي. والكوبيون على علم تامّ بما يجب القيام به في كل كارثة تقع، لأن لديهم أناساً جاهزين ومدربين على التعامل مع كلّ أنواع الكوارث.
ولأن كوبا التي تعتبر بلداً فقيراً، لا يملك من الموارد سوى ما ندر، كانت تتصرف على هذا النحو في المجال الإنساني في أية بقعة من العالم، فالمؤكد أن الإعلام الغربي والمنظمات الإنسانية، التي يتمتع الغرب، بطريقة ما، بالسيطرة عليها، سيتجاهلون الدور الذي تلعبه كوبا درءاً لانكشاف ضعف دورهم.

46A94F74-0E6B-4FEC-BFDA-803FB7C9ADA6
مالك ونوس

كاتب ومترجم سوري، نشر ترجمات ومقالات في صحف ودوريات سورية ولبنانية وخليجية، نقل إلى العربية كتاب "غزة حافظوا على إنسانيتكم" للمتضامن الدولي فيتوريو أريغوني، وصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.