بعد أفلامه الثلاثة "طيف نزار" و"السيمفونية المغربية" و"الصوت الخفي"، صار كمال كمال اسماً متداولاً في ساحة السينما المغربية والعربية. اللافت في تجربته السينمائية عنايته البالغة بالموسيقى. اهتمامه بها يتجاوز دورها كموسيقى تصويرية، إذ جعلها نواة لمواضيع فيلميه الأخيرين.
هذا الاهتمام يعود أساساً إلى بداية المخرج الذي انطلق موسيقياً قبل أن يقف خلف الكاميرا. عن هذا التحوّل، يقول كمال في حديث إلى "العربي الجديد": "جئت إلى السينما من الطرب الغرناطي والموسيقى الكلاسيكية. كان مؤكّداً لي أن لا مستقبل ينتظر هذا التوجّه الموسيقي، ولم يكن هناك أي مؤشر لمستقبل فني فيهما، كما أن الجمهور لم يكن ينظر إلى هذه الموسيقى بكثير من الإعجاب".
هنا، ينتقد كمال تلقّي الفن والاهتمام به في المغرب، إذ يرى أن الفن يُكتشف اكتشافاً، إمّا بالصدفة أو من خلال أحد الأقارب أو الأصدقاء. فالأغلبية ليست معرضّة إلى الفن بشكل منتظم في المؤسسات التعليمية والثقافية، بحيث يصبح حضور الفن البعيد عن السطحية والجماهيرية التجارية وتلقّيه أمراً أيسر وأكثر شيوعاً وقبولاً.
مشكلة التلقّي هذه تشغل صاحب "الصوت الخفي"، فالفن من وجهة نظره، يجب أن يجد سنداً يحميه ويفرض أسسه. يبيّن "إذا عدنا إلى تاريخ الفن، سنتوقف عند عبارة شهيرة تقول إن "الفن بيد الأمراء"، ما يشير إلى أثر السلطة على حضوره وقوّته".
في ما يخصّ المغرب، يعتبر كمال أن الاهتمام الذي لقيته الفنون في البلاد في فترة سابقة من القرن العشرين انتهى مع مطلع الثمانينيات بانتصار الذوق الشعبي والثقافة السائدة على تلك النوعية، مبيّناً أن الأمر يتمثّل في "علاقة تجاذب ينتصر أحد أطرافها في النهاية. وما حصل في المغرب، هو انتصار الذوق الشعبي".
صحيح أن ثقافة التبسيط وانتشار ثقافة الاستهلاك السريع هي ظاهرة عالمية، لكن الفرق، كما يُعبّر عنه كمال، أن "الظاهرة وإن كانت موجودة في الغرب مثلاً، توازيها ثقافة الاحتفاء بالفن الراقي أيضاً، حيث نجد عدداً كبيراً من دور الأوبرا والمسارح وصالات العرض، بموازاة الترويج لأنواع الفنون المختلفة التي تجد صدى لدى الناس ويُقبلون عليها، على عكس أحادية التبسيط التي تهيمن على فئات كثيرة من مجتمعاتنا".
التحوّل إلى السينما جاء، إذن، بعد ضبابية طريق الموسيقى، لكنه لم يأتِ بعد فشل فيها، موضّحاً "الحلم بالسينما كان منذ الطفولة وبموازاة حب الموسيقى؛ لأن السينما، باعتبارها فنّاً يتّسع للفنون الستّة الأخرى، توفّر مساحة للتعبير الموسيقي. في فيلم "السيمفونية المغربية"، وظّفت السيمفونية كموضوع للعمل، وفي فيلم "الصوت الخفي" وظّفت الأوبرا".
حاز هذا الأخير الجائزة الكبرى لـ "مهرجان الفيلم الوطني" في طنجة العام الماضي. لكن، بالنسبة إلى مخرجه، هو ليس عمله الأفضل، إلّا أنه الأكمل بالمقارنة مع سابقَيه. يقول "كمخرج، أحاول أن أطوّر تجربتي، ففي الفيلم الأول كانت هناك أخطاء عملت على تداركها في التجربة الثانية، ثم في الثاني تكرّر الأمر نفسه بنسبة أقل. لذلك فإن العمل الأخير هو أكمل من سابقَيه، لأنه جاء بعد تراكم التجربة. الفيلم الأفضل دائماً سيبقى فيلماً أحلم بإخراجه".
يتطرّق كمال، أيضاً، إلى حال السينما المغربية بالعموم، فيرى أنها "تتطوّر في الكم، لأننا أصبحنا ننتج عشرين فيلماً في السنة، وهي خطّة تنتهج صنع الأفلام أولاً، وبعد ذلك يحدّد الزمن الغث من السمين، ويظهر من هو المخرج الجيد الذي نراهن عليه، فلا بد أن اسماً أو أسماء ستبرز، وتكون قادرة على إنتاج سينما جيّدة".
من جهة أخرى، يرى أن "المغرب لا يزال في مرحلة التأسيس لسينما، لأن حلم الفن السابع بدأ متأخّراً"، مبيّناً "اليوم، هناك معاهد وجامعات تدرّس هذا الفن، على عكس ما كان في السابق، إذ لم تكن الأسر المغربية تتقبّل فكرة إرسال أبنائها لدارسة السينما أصلاً، أضف إلى ذلك استحالة دراستها في المغرب، لكن الأمر تغيّر الآن، وهو أمر يدعو إلى التفاؤل".
ينظر المخرج إلى مشاكل الفيلم وإنتاجه نظرة لا تقف عند حدود السينما، يقول: "الأمر أعمق من أن يكون متعلّقاً بصناعة الفيلم. نحن كبلد عربي مسلم، لم تبدأ لدينا الفنون المشهدية إلّا مع الأربعينيات. ليس لدينا تاريخ عريق في هذا المجال، ولم نرث تاريخاً فنياً باستثناء الشعر، والإنسان المغربي لم ينمُ في محيط جميل؛ وأقصد بذلك المعمار والألوان. الجمالية تأتي بعد ذلك في سن متقدّمة، بعد أن يقرأ الأدب ويتعرّف إلى الفن بمختلف جوانبه".
يضيف "كما أن الفن في المغرب لا يُدرّس في المدرسة، على عكس الحضارات الأخرى. لا ألوم صنّاع السينما، لأننا لا نزال في طور التكوين، فإذا كان الفرد في بلاد أخرى يتشرّب الفن في الرابعة، فنحن نتشرّبه في الثلاثين، إلا القلة القليلة".
اقرأ أيضاً: الموسيقى التصويرية العربية: حظها في الدراما أفضل