26 سبتمبر 2023
كل هذا التيه السياسي في الجزائر
تواجه الجزائر اليوم، بعد عشرين سنة من حكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وقبيل أيام قليلة من موعد استدعاء الهيئة الناخبة لانتخابات الرئاسة في 14 يناير/ كانون الثاني، وضعا ضبابيا خطيرا، لا يقل سوءا من الناحية الدستورية عن الوضع الذي أحدثه انقلاب هواري بومدين على أحمد بن بلة العام 1965، أو ما خلفه توقيف الجيش للمسار الانتخابي في يناير 1992، عقب إجبار الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد على الاستقالة، بعد فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات التشريعية، حيث لم يتوافق، على ما يبدو، إلى الآن أركان النظام، والعصابات المتنفذة، بعد عقدين من حكم الشخص الواحد، بصلاحيات دستورية إمبراطورية غير مسبوقة، على تعيين خليفة للرئيس الذي حكم منذ 1999، أربع عهدات متتالية بعد تعديلات دستورية طوّعت القانون الأعلى للبلاد، إلا أن الحتمية البيولوجية اليوم كان لها منطقها في فرملة استكمال مسيرة البناء، كما تقول أدبيات الموالاة، ووضع علامات استفهام حقيقية بشأن مستقبل هذه المسيرة "البوتفليقية"، ما يعني، بصورة آلية، دخول البلاد في حالة انسداد متقدّمة وغموضا رهيبا، لا يبدو أنها ستحل أو تنفرج من دون توافقات ضخمة، وتنازلات مؤلمة من جميع أطراف اللعبة السياسية في الأيام القليلة المقبلة، وإلا كانت النتائج مدمرة ومخيفة على الجميع.
فلا أحد، في هذه الأوقات الحرجة، يعلم في الجزائر مستقبل البلاد، بعد أن مرض الرجل - الدولة، كما لا يجرؤ أي محللّ مهما كانت مصادر معلوماته، على توقع السيناريو الذي ستؤول إليه الأمور في الجزائر، ولا الإجابة عن أكثر الأسئلة إلحاحا بشأن ما إذا كان الرئيس سيترشح، بوضعه الصحي الحالي، لعهدة خامسة أم لا؟ أم هل سيدعو إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية، متجاوزا بذلك أحكام الدستور؟ وهل سيدعو الهيئة الناخبة التي لم يعد يفصلنا عنها أكثر من أسبوعين أم لا؟ أم أن حديث التوافق مع المعارضة بغرض التأجيل الذي يتم ترويجه حاليا سيثبت وسيستمر، أم هو مجرد بالونات اختبار لجسّ نبض الشارع والجهات المعنية الأخرى؟
وعلى الرغم من توقيع الرئيس بوتفليقة في اللحظات الأخيرة، الخميس الماضي (27/12/2018)، على قانون المالية لسنة 2019، متجاوزا بذلك حدوث شغور قانوني كبير، في حال فشل الرئيس في عملية التوقيع، كما كان يتوقع بعضهم، إلا أن بيان مجلس الوزراء عقب التوقيع زاد من غموض الوضع الغامض أصلا، حيث لم يشر، لا من قريب ولا من بعيد، إلى موضوع الانتخابات الرئاسية، واحتمال إجرائها من عدمه. وإذا أضيف إلى ذلك التخبط الكبير الحاصل في قيادة حزب جبهة التحرير الوطني (الحاكم) بخصوص قضية الولاية الخامسة للرئيس، والرسالة اللغز التي نشرت في يوم التوقيع على قانون المالية، تكون الصورة الضبابية أكثر "عُتمةً" من السابق، فقد تم نشر رسالة موقعة من الرئيس المؤقت للحزب الحاكم، معاذ بوشارب، على الموقع الرسمي للحزب، تداولتها الصحافة المحلية والدولية على نطاق واسع، تتحدّث عن أن حزب جبهة التحرير يريد أن تكون الرئاسيات المقبلة عرسا يُتوّج به بوتفليقة، وهو ما نفته مباشرة قيادة الحزب العتيد بشدة، معتبرة أن الرسالة مفبركة، وأن الحزب مع قرار الرئيس في هذا الموضوع كيفما كان، ما يعني أن الأمور لم تُحسم بعد على مستوى مراكز القوى في السلطة.
يعيش الجزائريون إذن اليوم على أعصابهم، ليس فقط لأن موعد استدعاء الهيئة الناخبة في 14 من الشهر المقبل (يناير/ كانون الثاني) بات على الأبواب، ولا شيء ينبئ، رسميا، بحصول الانتخابات الرئاسية في موعدها في إبريل/ نيسان المقبل أو تأجيلها، بل إن المتغيرات التي طرأت أخيرا، سواء من انقلابات على مستوى قيادة البرلمان بطريقة فيها كثير من مظاهر البلطجة، أو الانقلاب الذي حصل في قيادة حزب جبهة التحرير الوطني (الحاكم)، وإطاحة أمينه العام، جمال ولد عباس، الذي استبق الأحداث من قبل، وأعلن (من دون إذن على ما يبدو) مساندة الحزب لعهدة رئاسية خامسة، أو حتى تحرّكات أحزاب الموالاة الأربعة، عبر الدعوة إلى مفهوم غامض من "الاستمرارية"، والحفاظ على المكتسبات الوطنية، أو المراهنة على فكرة التمديد بدغدغة مشاعر المعارضة، والدعوة إلى ندوة للوفاق الوطني، تتوافق فيها الطبقة السياسية جميعا، موالاة ومعارضة، على مرحلة انتقالية تدوم سنة أو سنتين، تعقبها انتخاباتٌ مفتوحةٌ ونزيهةٌ بضمانات معينة.
لا شيء واضحا مطلقا، من سيخلف الرئيس بوتفليقة الذي جمع حوله صلاحيات إمبراطورية، ليست قضية سهلة في هذه الظروف، وإرجاع الكلمة إلى الشعب الجزائري للاختيار الحر والنزيه أيضا قضية في غاية المخاطرة، كما يتصوّر أصحاب الشأن، فقد حدث أن كانت الانتخابات في الجزائر شفّافة ونزيهةً، قبل حوالي ثلاثة عقود، وكانت النتيجة أن الصندوق كنس منظومة الحكم القائمة برمتها بشكل كامل. وحين حدث توقيف المسار الانتخابي، ونزلت الدبابة إلى الشارع، كان لا بد من تذكير الشعب الذي هو شكليا مصدر السلطات، كما ينص الدستور، أن تلك الانتخابات هي آخر انتخابات شفافة، فما هو الحل إذن؟ وقد انتقل الصراع السياسي إلى دواليب السلطة نفسها، بأجنحتها المختلفة، بعدما تم تغييب الشعب الذي كان من المفروض أنه الفيصل في كل تلك الصراعات؟
حاليا، نحن على بعد خطوة ونصف من سيناريوهات كثيرة، كلها تغرف من مبدأ الغموض والانسداد. ولن يكون في مقدور أي سيناريو أن يرجّح على حساب سيناريو آخر، إلا بحدوث اختراقات مهمة في دواليب الحكم، وفي منظومة صناعة القرار، الموزّعة حاليا بدرجات متفاوتة بين الرئاسة وقيادة الأركان وجهاز المخابرات القديم والحالي، إلا أن الاحتمالين الأبرز هما:
الأول، أن تحلّ مراكز القوى إشكالية خليفة الرئيس في الربع ساعة الأخير، بحيث تتوافق هذه القوى، بمن فيهم محيط الرئيس بوتفليقة، على خليفة الرئيس، وأن تجري الانتخابات في موعدها المحدد في إبريل/ نيسان. ويكون الهدف من السيناريو تجنيب البلاد أزمة دستورية خطيرة، حيث لا يسمح الدستور بالتمديد إلا في حالة الحرب، وهو وضعٌ غير متوفر حاليا. ولا يمكن، بحسب خبراء القانون الدستوري، تجاوز الدستور بمثل هذه البساطة، على أن تكون الانتخابات بحد ذاتها محسومة كسابقاتها سلفا، والانتخابات مزوّرة، والرئيس الذي حددته القوى الفاعلة هو الفائز، بغض النظر عن رأي الشعب الذي سيستدعى للانتخابات كتحصيل حاصل.
ويعني هذا السيناريو الذي يرجّحه كثيرون، أن نهاية حكم بوتفليقة قد أزفت، مع نهاية ولايته الرابعة، غير أن النظام سيضمن بقاءه عبر شخصية أخرى، على أن يلعب الجيش دورا حاسما في ذلك.
الثاني، الذهاب الى ندوة الإجماع أو الوفاق الوطني، المرفقة بوعودٍ لإحداث إصلاحات عميقة في منظومة الحكم، وإجراء انتخابات شفافة، على أن يستمر الرئيس بوتفليقة في منصبه سنة أخرى أو سنتين، بعد تعديل الدستور. ويلقى هذا السيناريو تضاربا واضحا في أوساط قوى المعارضة نفسها، فبينما سوّقت له حركة حمس الإخوانية، واعتبرته حلا لتفادي سيناريو التزوير والاستيلاء على الحكم بالإكراه، وأن الأمر فرصة لتحسين شروط المنافسة، وإعطاء ضمانات أكثر، تشكّك قوى معارضة أخرى في هذا التوجه، على أساس، كما يقول رئيس الوزراء الأسبق أحمد بن بيتور، أن النظام الذي عجز عن إحداث إصلاحات عميقة طوال الـ20 سنة الماضية، لا يمكنه، في ظرف سنة، أن يفعل ذلك، وأن الأمر برمته لا يعدو أن يكون فخّا، الهدف منه هو الإطالة في عمر الأزمة، ريثما تجد حلولا.
ويحيل هذا السيناريو الذي يعد الأول من نوعه في الجزائر، إن حصل، البلاد مجدّدا الى فترة ما بعد توقيف المسار الانتخابي بداية التسعينيات، حيث دعت السلطة إلى ندوة للإجماع الوطني، للخروج من مأزق الشرعية، بعد توقيف الانتخابات وحل البرلمان وتوقيف العمل بالدستور. ما يعني، في المقابل، دخول البلاد في مرحلة مضطربة، لن تكون فيها للرئيس شرعية دستورية، وتكون فيها كلمة الفصل للجيش ضامنا لها، غير أن رافضي هذا السيناريو متخوفون من أن ندوة الإجماع أو التوافق المقترحة لن يكون في وسعها القيام بالإصلاحات الضرورية والمطلوبة، والدخول في مرحلة انتقالية مجهولة العواقب.
حالة التيه السياسي التي تعيشها الجزائر حاليا قضية تستدعي الدراسة والتحليل، لأنها تخص منظومات الحكم العربية برمتها، فالشلل الذهني لدى النظام يعود إلى مرض أعقد من الجلطة الدماغية، لأن منظومة الحكم مبنية على تفكير رعاشي، غير قادر على تصور بديل آخر عن الحاكم الملهم الذي بات، وبتصريحات علنية من قادة كبار في الدولة، يتم تصويره صاحب قدرات خارقة في "إخراج الجزائريين من الظلمات إلى النور"، وأن "الله أرسله رحمةً للجزائريين"، وأنه حفظه الله ورعاه، "ابتلاه الله بحب الجزائر تماما، مثل سيدنا إبراهيم، وقد جعل هذا البلد بفضله آمنا". وفي المقابل، لا تتوقف قوارب الموت للشباب الهاربين من جحيم جنة البلد الآمن في تقديمهم قرابين لحوت البحر، بعدما سيطر حوت البر على مقدّرات الوطن، وأحال أهله إلى كائنات غير سياسية، لا هم لها إلا الهروب من جنة الزعيم.
وعلى الرغم من توقيع الرئيس بوتفليقة في اللحظات الأخيرة، الخميس الماضي (27/12/2018)، على قانون المالية لسنة 2019، متجاوزا بذلك حدوث شغور قانوني كبير، في حال فشل الرئيس في عملية التوقيع، كما كان يتوقع بعضهم، إلا أن بيان مجلس الوزراء عقب التوقيع زاد من غموض الوضع الغامض أصلا، حيث لم يشر، لا من قريب ولا من بعيد، إلى موضوع الانتخابات الرئاسية، واحتمال إجرائها من عدمه. وإذا أضيف إلى ذلك التخبط الكبير الحاصل في قيادة حزب جبهة التحرير الوطني (الحاكم) بخصوص قضية الولاية الخامسة للرئيس، والرسالة اللغز التي نشرت في يوم التوقيع على قانون المالية، تكون الصورة الضبابية أكثر "عُتمةً" من السابق، فقد تم نشر رسالة موقعة من الرئيس المؤقت للحزب الحاكم، معاذ بوشارب، على الموقع الرسمي للحزب، تداولتها الصحافة المحلية والدولية على نطاق واسع، تتحدّث عن أن حزب جبهة التحرير يريد أن تكون الرئاسيات المقبلة عرسا يُتوّج به بوتفليقة، وهو ما نفته مباشرة قيادة الحزب العتيد بشدة، معتبرة أن الرسالة مفبركة، وأن الحزب مع قرار الرئيس في هذا الموضوع كيفما كان، ما يعني أن الأمور لم تُحسم بعد على مستوى مراكز القوى في السلطة.
يعيش الجزائريون إذن اليوم على أعصابهم، ليس فقط لأن موعد استدعاء الهيئة الناخبة في 14 من الشهر المقبل (يناير/ كانون الثاني) بات على الأبواب، ولا شيء ينبئ، رسميا، بحصول الانتخابات الرئاسية في موعدها في إبريل/ نيسان المقبل أو تأجيلها، بل إن المتغيرات التي طرأت أخيرا، سواء من انقلابات على مستوى قيادة البرلمان بطريقة فيها كثير من مظاهر البلطجة، أو الانقلاب الذي حصل في قيادة حزب جبهة التحرير الوطني (الحاكم)، وإطاحة أمينه العام، جمال ولد عباس، الذي استبق الأحداث من قبل، وأعلن (من دون إذن على ما يبدو) مساندة الحزب لعهدة رئاسية خامسة، أو حتى تحرّكات أحزاب الموالاة الأربعة، عبر الدعوة إلى مفهوم غامض من "الاستمرارية"، والحفاظ على المكتسبات الوطنية، أو المراهنة على فكرة التمديد بدغدغة مشاعر المعارضة، والدعوة إلى ندوة للوفاق الوطني، تتوافق فيها الطبقة السياسية جميعا، موالاة ومعارضة، على مرحلة انتقالية تدوم سنة أو سنتين، تعقبها انتخاباتٌ مفتوحةٌ ونزيهةٌ بضمانات معينة.
لا شيء واضحا مطلقا، من سيخلف الرئيس بوتفليقة الذي جمع حوله صلاحيات إمبراطورية، ليست قضية سهلة في هذه الظروف، وإرجاع الكلمة إلى الشعب الجزائري للاختيار الحر والنزيه أيضا قضية في غاية المخاطرة، كما يتصوّر أصحاب الشأن، فقد حدث أن كانت الانتخابات في الجزائر شفّافة ونزيهةً، قبل حوالي ثلاثة عقود، وكانت النتيجة أن الصندوق كنس منظومة الحكم القائمة برمتها بشكل كامل. وحين حدث توقيف المسار الانتخابي، ونزلت الدبابة إلى الشارع، كان لا بد من تذكير الشعب الذي هو شكليا مصدر السلطات، كما ينص الدستور، أن تلك الانتخابات هي آخر انتخابات شفافة، فما هو الحل إذن؟ وقد انتقل الصراع السياسي إلى دواليب السلطة نفسها، بأجنحتها المختلفة، بعدما تم تغييب الشعب الذي كان من المفروض أنه الفيصل في كل تلك الصراعات؟
حاليا، نحن على بعد خطوة ونصف من سيناريوهات كثيرة، كلها تغرف من مبدأ الغموض والانسداد. ولن يكون في مقدور أي سيناريو أن يرجّح على حساب سيناريو آخر، إلا بحدوث اختراقات مهمة في دواليب الحكم، وفي منظومة صناعة القرار، الموزّعة حاليا بدرجات متفاوتة بين الرئاسة وقيادة الأركان وجهاز المخابرات القديم والحالي، إلا أن الاحتمالين الأبرز هما:
الأول، أن تحلّ مراكز القوى إشكالية خليفة الرئيس في الربع ساعة الأخير، بحيث تتوافق هذه القوى، بمن فيهم محيط الرئيس بوتفليقة، على خليفة الرئيس، وأن تجري الانتخابات في موعدها المحدد في إبريل/ نيسان. ويكون الهدف من السيناريو تجنيب البلاد أزمة دستورية خطيرة، حيث لا يسمح الدستور بالتمديد إلا في حالة الحرب، وهو وضعٌ غير متوفر حاليا. ولا يمكن، بحسب خبراء القانون الدستوري، تجاوز الدستور بمثل هذه البساطة، على أن تكون الانتخابات بحد ذاتها محسومة كسابقاتها سلفا، والانتخابات مزوّرة، والرئيس الذي حددته القوى الفاعلة هو الفائز، بغض النظر عن رأي الشعب الذي سيستدعى للانتخابات كتحصيل حاصل.
ويعني هذا السيناريو الذي يرجّحه كثيرون، أن نهاية حكم بوتفليقة قد أزفت، مع نهاية ولايته الرابعة، غير أن النظام سيضمن بقاءه عبر شخصية أخرى، على أن يلعب الجيش دورا حاسما في ذلك.
الثاني، الذهاب الى ندوة الإجماع أو الوفاق الوطني، المرفقة بوعودٍ لإحداث إصلاحات عميقة في منظومة الحكم، وإجراء انتخابات شفافة، على أن يستمر الرئيس بوتفليقة في منصبه سنة أخرى أو سنتين، بعد تعديل الدستور. ويلقى هذا السيناريو تضاربا واضحا في أوساط قوى المعارضة نفسها، فبينما سوّقت له حركة حمس الإخوانية، واعتبرته حلا لتفادي سيناريو التزوير والاستيلاء على الحكم بالإكراه، وأن الأمر فرصة لتحسين شروط المنافسة، وإعطاء ضمانات أكثر، تشكّك قوى معارضة أخرى في هذا التوجه، على أساس، كما يقول رئيس الوزراء الأسبق أحمد بن بيتور، أن النظام الذي عجز عن إحداث إصلاحات عميقة طوال الـ20 سنة الماضية، لا يمكنه، في ظرف سنة، أن يفعل ذلك، وأن الأمر برمته لا يعدو أن يكون فخّا، الهدف منه هو الإطالة في عمر الأزمة، ريثما تجد حلولا.
ويحيل هذا السيناريو الذي يعد الأول من نوعه في الجزائر، إن حصل، البلاد مجدّدا الى فترة ما بعد توقيف المسار الانتخابي بداية التسعينيات، حيث دعت السلطة إلى ندوة للإجماع الوطني، للخروج من مأزق الشرعية، بعد توقيف الانتخابات وحل البرلمان وتوقيف العمل بالدستور. ما يعني، في المقابل، دخول البلاد في مرحلة مضطربة، لن تكون فيها للرئيس شرعية دستورية، وتكون فيها كلمة الفصل للجيش ضامنا لها، غير أن رافضي هذا السيناريو متخوفون من أن ندوة الإجماع أو التوافق المقترحة لن يكون في وسعها القيام بالإصلاحات الضرورية والمطلوبة، والدخول في مرحلة انتقالية مجهولة العواقب.
حالة التيه السياسي التي تعيشها الجزائر حاليا قضية تستدعي الدراسة والتحليل، لأنها تخص منظومات الحكم العربية برمتها، فالشلل الذهني لدى النظام يعود إلى مرض أعقد من الجلطة الدماغية، لأن منظومة الحكم مبنية على تفكير رعاشي، غير قادر على تصور بديل آخر عن الحاكم الملهم الذي بات، وبتصريحات علنية من قادة كبار في الدولة، يتم تصويره صاحب قدرات خارقة في "إخراج الجزائريين من الظلمات إلى النور"، وأن "الله أرسله رحمةً للجزائريين"، وأنه حفظه الله ورعاه، "ابتلاه الله بحب الجزائر تماما، مثل سيدنا إبراهيم، وقد جعل هذا البلد بفضله آمنا". وفي المقابل، لا تتوقف قوارب الموت للشباب الهاربين من جحيم جنة البلد الآمن في تقديمهم قرابين لحوت البحر، بعدما سيطر حوت البر على مقدّرات الوطن، وأحال أهله إلى كائنات غير سياسية، لا هم لها إلا الهروب من جنة الزعيم.