كلمة عباس بما تضمنته وما فاتها: رسائل لإسرائيل أولاً

23 ديسمبر 2018
قرار عباس يلاقي انتقادات شديدة (ميخائيل سفيتلوف/ Getty)
+ الخط -
بدت كلمة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، ليلة السبت، خلال اجتماع "القيادة الفلسطينية" وكأنها موجهة إلى الرأي العام الإسرائيلي خصوصاً.

فإلى جانب مهاجمته منفذي عمليات المقاومة الأخيرة في الضفة، فقد تبنى عباس في كلمته الموقف الذي عبر عنه وزير الحرب الإسرائيلي المستقيل أفيغدور ليبرمان، والذي كان أحد الحجج لاستقالته من الحكومة، إذ خلص إلى أن سماح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو بإدخال الأموال (تبرعات دولة قطر إلى قطاع غزة لدفع رواتب الموظفين)، أسهم في تأجيج الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية، بحجة أن حركة "حماس" استخدمت هذه الأموال في مد خلاياها العاملة هناك بالإمكانيات التي سمحت لها بتنفيذ العمليات.

لكن عباس تجاوز ليبرمان والمؤسسات الأمنية والاستخبارية في تل أبيب، عندما زعم أن أجهزته الأمنية ضبطت 90 في المائة من الأموال التي بعثت بها حماس ــ غزة إلى خلاياها النائمة في الضفة، بحسب كلامه، وأن الأموال التي لم يتم ضبطها قد استخدمت في تنفيذ العمليات الأخيرة بقوله إن "نتنياهو شخصياً يأخد الفلوس ويقدمها لحماس، ماذا يعني هذا؟".


وعلى الرغم من أن إسرائيل أيضا تتهم حماس ــ غزة بتوجيه العمليات التي نفذتها خلايا الحركة في الضفة، إلا أنه لم يحدث أن أشارت التقارير التي صدرت عن جهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلي "الشاباك"، المكلف بمواجهة المقاومة الفلسطينية، إلى قرائن مادية تربط حماس ــ غزة بهذه العمليات، كما فعل عباس، مع العلم أن طابع وكثافة التعاون الأمني الذي يربط هذا الجهاز تحديدا بأجهزة السلطة يسمح له بالإطلاع على هذه المعطيات وتلك القرائن، إن وجدت حقا.

وربما يتم توظيف مضمون كلمة عباس من قبل معارضي نتنياهو في اليسار واليمين، لناحية ممارسة الضغوط عليه لإحداث تحول على طابع السياسات الإسرائيلية المعتمدة تجاه غزة، وعدم السماح بإدخال الأموال التي تقدمها دولة قطر لتأمين دفع الرواتب لموظفي حكومة غزة. في الوقت ذاته، فإن ما صدر عن عباس يمثل إسناداً لموقف وزراء في حكومة نتنياهو وقيادات في المعارضة، ممن يرون أن ضمان تحسين الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية يتسنى فقط بعد إنجاز مهمة القضاء على حماس في قطاع غزة، كما يجاهر بذلك، وزير التعليم نفتالي بنيت، ويئير لبيد، زعيم حزب "ييش عتيد" المعارض.


اللافت أنه على الرغم من أن عباس انتقد بشكل عابر كلا من إسرائيل وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلا أنه في المقابل، لم يتعرض لجملة القرارات الأخيرة التي أقدمت عليها حكومة نتنياهو، والقوانين التي تبناها الكنيست، والتي تمثل نمطا من العقوبات الجماعية ضد مواطنيه، لا سيما زيادة وتيرة هدم منازل المقاومين الفلسطينيين، ومشروع القانون الذي يشرع طرد عائلات أولئك الذين يشاركون في تنفيذ عمليات المقاومة.

كما خلت كلمة عباس من أية إشارة إلى الإجراءات الإسرائيلية الهادفة إلى تغيير الواقع السياسي والديموغرافي في الضفة الغربية لصالح المستوطنين بشكل جذري، سيما قرار نتنياهو إضفاء الشرعية على عدد كبير من النقاط الاستيطانية التي أقامتها المستوطنون بدون الحصول على ترخيص من حكومات إسرائيل المتعاقبة، وإصدار قرار ببناء حي استيطاني جديد في مدينة الخليل لأول مرة منذ 20 عاما؛ إلى جانب السماح للوزراء والنواب اليهود باقتحام المسجد الأقصى، بخلاف التعهدات التي قدمها نتنياهو لملك الأردن عبد الله الثاني في أعقاب الهبة الجماهيرية التي تفجرت في 2017، ردا على نصب البوابات الإلكترونية على مداخل المسجد الأقصى.

ويبدو أن مضامين كلمة عباس موجهة بشكل أساس للرأي العام الإسرائيلي، وبهدف تقليص فرص اتخاذ حكومة نتنياهو المزيد من الإجراءات في أعقاب موجة عمليات المقاومة مثلما يهدد العديد من وزراء نتنياهو، حيث أن هذه الإجراءات ستحرج قيادة السلطة أمام الجمهور الفلسطيني، مما يزيد من فرص انفجار حراك جماهيري ضدها.

وقد عكست هذه المخاوف حالة الغضب الجماهيري الكبير إزاء قيام جيش ومخابرات الاحتلال باقتحام مناطق نفوذ السلطة وتنفيذ عمليات اغتيال، من دون أن تتدخل أجهزة السلطة الأمنية؛ حيث أنه في بعض الأحيان تمت عمليات الاغتيال على بعد بضع مئات من الأمتار من مقر إقامة عباس نفسه في رام الله.


في الوقت ذاته، فإن عباس قلق من الدعوات التي تعاظمت التي يطلقها بعض رموز اليمين الإسرائيلي، في أعقاب موجة العمليات الأخيرة والداعية للتخلص من السلطة. ويخشى عباس تداعيات فقدان السلطة وظيفتها الأمنية في نظر القيادة والرأي الإسرائيلي، وهذا ما يفسر إشاراته المتكررة إلى "نجاحات" أجهزته الأمنية في إحباط عمليات المقاومة في الضفة. ومن الواضح أن نجاح خلايا المقاومة العاملة في الضفة الغربية، بغض النظر عن انتمائها التنظيمي، في تنفيذ المزيد من العمليات، سيضفي صدقية على الدعوات التي تطلقها النخب اليمينية المطالبة بالتخلص من السلطة.

تدل كلمة عباس على أن فرص إنجاز المصالحة الوطنية لم تكن في يوم من الأيام أبعد مما هي عليه الآن، لا سيما وأن هجوم رئيس السلطة على حماس، تزامن مع كشفه عن اتخاذ المحكمة الدستورية قرارا بحل المجلس التشريعي، وهو ما تعتبره حماس تجاوزا لما تم الاتفاق عليه في اتفاقات المصالحة.