تملكت مشاعر التوتر والقلق الشاب الغزي محمد خليل، بينما كان ينتظر داخل صالة تجميع المسافرين في خان يونس التابعة لمعبر رفح، إذ يترقب خليل وصول كشف التنسيقات من الجانب المصري، حتى يتمكن من السفر، بعد أن دفع لقاء وضع اسمه بالكشف "4000 دولار أميركي" لوسيط وعده بتسهيل سفره، إذ مل طول فترة انتظار دوره ضمن 15 ألف مسافر، مسجلين في كشوف وزارة الداخلية في غزة، وينتظرون دورهم منذ أشهر للمغادرة.
شروط السفر
وفقا لما وثقه معد التحقيق عبر مقابلات مع 20 فلسطينياً من مختلف مناطق قطاع غزة، فإن الراغبين بالسفر عبر معبر رفح ولديهم موانع من قبيل صغر السن، أو عدم انطباق شروط السفر، أو إدراج الاسم على قائمة الممنوعين من دخول مصر، يلجأون إلى كشوف التنسيقات، وهو ما يؤكده مسؤول أمني فلسطيني في قطاع غزة، رفض ذكر اسمه حتى لا تمنعه السلطات المصرية هو وعائلته من السفر، عبر المعبر كما يقول.
غير أن الأسباب السابقة، ليست هي الدافع الوحيد، إذ يقول المسؤول الأمني إن بعض المسافرين يرغبون في تقديم دورهم في أولوية السفر ضمن كشوف الانتظار التي يصل عدد المسجلين بها إلى 15 ألف فلسطيني، ما دعا مسؤولي المعبر في الجانب الفلسطيني إلى وقف التسجيل، على حد قول المصدر الأمني، والذي تابع "لو استمر التسجيل لبلغ عدد الراغبين في السفر ممن تنطبق عليهم الشروط قرابة 90 ألفاً وفقا لتقديرات وزارة الداخلية".
وتنص شروط السفر عبر معبر رفح، على ضرورة أن يكون المسافر من بين الفئات التالية: مريض يحمل تحويل علاج معتمد من وزارة الصحة الفلسطينية إلى مستشفى مصري، طلاب حاصلون على قبول في جامعات عربية وأجنبية، حملة الإقامات سارية المفعول في الخارج، الأجانب ممن لديهم جوازت سفر غير فلسطينية.
ويوضح مصدر أمني في غزة لـ"العربي الجديد"، أن الوسطاء الفلسطينيين ممن يتعاونون مع ضباط مصريين لوضع الأسماء في كشوف التنسيقات، يتسترون في عملهم داخل بعض مكاتب للسفر، التي تبلغ وفق الجهات المعنية حوالى 100 مكتب.
اقــرأ أيضاً
الكشوف "القاتلة"
يعاني الأربعيني أسامة أحمد، من سكان وسط القطاع، من مرض عضال، يجعله بحاجة ماسة للسفر إلى مصر لاجراء عملية زراعة كبد، لإنقاذ حياته، لكن رقم أسامة في كشوف المسافرين من القطاع تعدى الـ3200، ما جعله يبحث عن السفر بأي طريقة، إذ تعرف على وسيط فلسطيني طلب منه 4000 دولار لتسهيل سفره.
ويقول أحمد لـ "العربي الجديد"، "يوجد آلاف قبلي، كنت في صالة الانتظار على أمل أن يرأف بي أحدهم، اقترب مني شخص وساومني على السفر وتقديم دوري في الكشوف، مقابل دفع مبلغ 4000 دولار أميركي، لا أملك هذا المال، كل ما جمعته 2000 دولار".
ويؤكد 4 ممن التقتهم "العربي الجديد"، ممن دفعوا أموالا لوسطاء فلسطينيين لتقديم أسمائهم في كشوف التنسيقات، أن المبالغ المدفوعة تتراوح ما بين 2000 دولار إلى 5000 دولار أميركي، مقابل أن وضع الاسم في كشف التنسيقات الذي يصل من الجانب المصري في الساعة الحادية عشرة صباح كل يوم يتم فتح المعبر فيه.
وخاض معد التحقيق تجربة البحث عن وسيط فلسطيني لتسهيل سفره، فجلس في صالة الانتظار الخاصة بالمعبر، باحثاً عن أحدهم، متعمداً الظهور بشكل مرتبك، فجاة ظهر شاب صغير لا يتجاوز عمره 25 عاماً يعمل كبائع شاي، هامسا في أذنه "إذا بدك تسافر أنا بساعدك". طلب الوسيط مبلغ 5000 دولار مقابل تلك الخدمة، غير أنه رفض إعطاء اسمه أو بياناته، قائلا "لما تجهز الفلوس بترجع بتلاقيني هان"، ليختفي في ثوان بعدها.
أنواع التنسيق
أبو أحمد، اسم مستعار لأحد أبرز الوسطاء العاملين في عمليات التنسيق، ولديه اتصال مباشر مع الضباط المصريين العاملين في المعبر، كما يؤكد المتعاملون معه. تعرض أبو أحمد للاعتقال والاستجواب عدة مرات، على خلفية اتهامه بطلب أموال مقابل تسهيل سفر بعض الأشخاص.
ويدافع عما يقوم به قائلاً لـ"العربي الجديد": "الأمر ليس بالسيئ كما يوصف، فقط نقوم بتسهيل سفر، وهو يشبه استصدار تأشيرة مقابل مبلغ من المال". وتابع "تم إنقاذ حياة مرضى، كانوا سينتظرون أشهرا للسفر، وهناك أشخاص مغتربون جاؤوا إلى قطاع غزة في زيارات ظنوها قصيرة، وعلقوا وهم يعملون في دول عربية وأجنبية، وساعدهم التنسيق على العودة".
ويوضح أن هناك ثلاثة أنواع من التنسيق، الأول مدفوع، ويتمثل بتوجه الشخص الراغب بالسفر لأحد الوسطاء الفلسطينيين، ويدفع مبلغا من المال قد يصل إلى 4000 دولار، ويتم إرسال المبلغ بطريقة ما للضباط المسؤولين المصريين في المعبر، ومعه بيانات الشخص، وحين يفتح المعبر يتم إرسال الاسم ضمن كشف.
وبين إبراهيم أن هناك نوعاً ثانياً ويسمى تنسيق السفارة الفلسطينية، التي تتواصل بدورها مع الأجهزة المصرية، وترسل أسماء أشخاص يرغبون بالسفر، كانوا تواصلوا معها وقدموا طلب مساعدة، وهذا النوع من التنسيق مجاني. أما النوع الثالث من التنسيق وهو أعلاها سعراً، ويسمى "سفر بدون عرض"، وهو يخص الأشخاص المدرجة أسماؤهم لدى الأجهزة الأمنية المصرية كأشخاص ممنوعين من دخول مصر، فيدفعون مبلغاً كبيراً من المال قد يتجاوز 5000 دولار، مقابل عدم العرض على الأجهزة، والسماح لهم بالسفر على كفالة جهاز أمني مصري.
عمليات نصب
يكشف مصدر أمني في شرطة غزة عن وقوع أشخاص ضحايا لوسطاء تسهيل السفر، ومن أبرزها، حالة لاجئ سوري دخل قطاع غزة عبر الأنفاق سابقاً، لكن ظروفه الصعبة دفعته لمحاولة الخروج، تعرف على وسيط طلب منه مبلغ 3000 دولار لمساعدته، وبصعوبة وفر 1200 دولار وقدمها له. وانتظر اللاجئ ثلاثة أيام على المعبر ولم يصل اسمه، ما دفعه لتقديم الشكوى للأجهزة الأمنية التي أوقفت الوسيط الفلسطيني، وما زالت التحقيقات جارية معه على حد قول المصدر الأمني.
ويؤكد النائب عن كتلة التغيير والإصلاح المحسوبة على حركة "حماس"، يحيى موسى، أن المجلس التشريعي في غزة ناقش هذه الظاهرة، والتي تنشر ثقافة الابتزاز والرشاوى، وبعد مراجعة الجهات المعنية اكتشف النواب أن المشكلة تكمن في المواطن نفسه، فمعظم من يدفعون رشاوى أو يتعرضون للابتزاز لا يتقدمون بشكاوى للشرطة.
ويعتقد الخبير والباحث في الشأن السياسي والإعلامي، عماد محسن، أن ظاهرة التنسيقات لها أبعاد خطيرة، وأضرت بالمسافرين، قائلا "لو كان المسافر يحمل رقماً يتيح له التواجد على متن الحالفة الرابعة، والطاقة الاستيعابية للمعبر حوالي 8 حافلات يومياً، ثم تبين أن 5 حافلات ستخصص لكشوف التنسيقات الواردة من مصر، معنى ذلك أن المسافر الذي لم يتم وضع اسمه ضمن الكشف سيفقد فرصته للسفر، وربما ينتظر شهوراً أخرى على اعتبار أن المعبر لا يفتح إلا ثلاثة أيام بعد 100 يوم إغلاق، وفقا لما درج الأمر عليه في 2015".
وعبر محسن عن اعتقاده بأن من لديهم علاقات مميزة بجهات حكومية مصرية، يحظون بأكبر الفرص للسفر، وهو أمر يضع الجهات المعنية في غزة، في مأزق تجاه المسافرين، ويشعرها بالغضب لأنها عاجزة عن منع أي من أصحاب التنسيقات من الوصول إلى الجانب المصري، إذ يشدد الطرف المصري على عدم دخول المسافرين العاديين إلا بعد الانتهاء من التنسيقات أو بالتزامن معهم.
توصيف قانوني
يؤكد الخبير القانوني، محمد أبو هاشم، أن القوانين الفلسطينية لا تشمل نصوصا صريحة لمعاقبة من يتقاضون أموالاً مقابل تسهيل سفر أشخاص، فالرشوة يعاقب عليها القانون إذا تلقاها موظف حكومي فقط، وتلقي الأموال من قبل أشخاص عاديين لا يؤدون خدمة عامة بقصد تقديم خدمة لا يدخل ضمن الرشوة، لأن الرشوة يجب أن تقدم إلى موظف عام، أو شخص يؤدي خدمة عامة يتبع للسلطة الفلسطينية، وفق التعريف الوارد في المادة 5 من قانون العقوبات 1936 المطبق في القطاع.
واستبعد أبو هاشم أن يتم تقديم هؤلاء الأشخاص للمحاكمة، قائلا "لا يمكن تقديم تهم صريحة بنصوص قانونية لهم، إلا إذا تضمن الأمر عملية نصب، لكن حتى مع ذلك يمكن أن يظهر المنسق نفسه كضحية، بأنه أرسل الأموال للطرف الآخر، وهو أخل بالاتفاق، ويمكن الإفلات من العقاب".
فشل محاولات القضاء على التنسيق
يؤكد مصدر حكومي في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن الجهات المعنية بذلت جهودا لمحاربة الظاهرة، من بينها منع الجهات الفلسطينية وصول أصحاب التنسيقات إلى المعبر المصري، وإعطاء الأولوية للمرضى، لكن النتيجة كانت أن الجانب المصري أغلق المعبر في وجه المرضى والمسافرين، بحجة تعطل شبكة الحواسيب، وحين بدأ أصحاب التنسيقات بالتحرك حلت الأزمة وفتح المعبر.
ووفقا لما وثقه معد التحقيق عبر إحصائية حصلت عليها "العربي الجديد"، فإن عدد مرات فتح المعبر في العام 2104، كانت 123 يوماً بسبب ظروف العدوان على قطاع غزة، وسمح لـ 101 ألف مسافر بالمغادرة من بينهم 14 ألفاً ضمن كشوف التنسيقات، بينما في 2015 بكاملها فتح المعبر 19 يوما فقط، وسمح لـ21 ألفاً بالمغادرة، من بينهم 6 آلاف ضمن كشوف التنسيقات. ويؤكد مصدر أمني يعمل في معبر رفح، أن إدارة المعبر مجبرة على التعامل مع هذا الملف، فكل حافلة تنسيقات تدخل، تتبعها من حافلتين إلى ثلاث من المرضى والعالقين.
شروط السفر
وفقا لما وثقه معد التحقيق عبر مقابلات مع 20 فلسطينياً من مختلف مناطق قطاع غزة، فإن الراغبين بالسفر عبر معبر رفح ولديهم موانع من قبيل صغر السن، أو عدم انطباق شروط السفر، أو إدراج الاسم على قائمة الممنوعين من دخول مصر، يلجأون إلى كشوف التنسيقات، وهو ما يؤكده مسؤول أمني فلسطيني في قطاع غزة، رفض ذكر اسمه حتى لا تمنعه السلطات المصرية هو وعائلته من السفر، عبر المعبر كما يقول.
غير أن الأسباب السابقة، ليست هي الدافع الوحيد، إذ يقول المسؤول الأمني إن بعض المسافرين يرغبون في تقديم دورهم في أولوية السفر ضمن كشوف الانتظار التي يصل عدد المسجلين بها إلى 15 ألف فلسطيني، ما دعا مسؤولي المعبر في الجانب الفلسطيني إلى وقف التسجيل، على حد قول المصدر الأمني، والذي تابع "لو استمر التسجيل لبلغ عدد الراغبين في السفر ممن تنطبق عليهم الشروط قرابة 90 ألفاً وفقا لتقديرات وزارة الداخلية".
وتنص شروط السفر عبر معبر رفح، على ضرورة أن يكون المسافر من بين الفئات التالية: مريض يحمل تحويل علاج معتمد من وزارة الصحة الفلسطينية إلى مستشفى مصري، طلاب حاصلون على قبول في جامعات عربية وأجنبية، حملة الإقامات سارية المفعول في الخارج، الأجانب ممن لديهم جوازت سفر غير فلسطينية.
ويوضح مصدر أمني في غزة لـ"العربي الجديد"، أن الوسطاء الفلسطينيين ممن يتعاونون مع ضباط مصريين لوضع الأسماء في كشوف التنسيقات، يتسترون في عملهم داخل بعض مكاتب للسفر، التي تبلغ وفق الجهات المعنية حوالى 100 مكتب.
الكشوف "القاتلة"
يعاني الأربعيني أسامة أحمد، من سكان وسط القطاع، من مرض عضال، يجعله بحاجة ماسة للسفر إلى مصر لاجراء عملية زراعة كبد، لإنقاذ حياته، لكن رقم أسامة في كشوف المسافرين من القطاع تعدى الـ3200، ما جعله يبحث عن السفر بأي طريقة، إذ تعرف على وسيط فلسطيني طلب منه 4000 دولار لتسهيل سفره.
ويقول أحمد لـ "العربي الجديد"، "يوجد آلاف قبلي، كنت في صالة الانتظار على أمل أن يرأف بي أحدهم، اقترب مني شخص وساومني على السفر وتقديم دوري في الكشوف، مقابل دفع مبلغ 4000 دولار أميركي، لا أملك هذا المال، كل ما جمعته 2000 دولار".
ويؤكد 4 ممن التقتهم "العربي الجديد"، ممن دفعوا أموالا لوسطاء فلسطينيين لتقديم أسمائهم في كشوف التنسيقات، أن المبالغ المدفوعة تتراوح ما بين 2000 دولار إلى 5000 دولار أميركي، مقابل أن وضع الاسم في كشف التنسيقات الذي يصل من الجانب المصري في الساعة الحادية عشرة صباح كل يوم يتم فتح المعبر فيه.
وخاض معد التحقيق تجربة البحث عن وسيط فلسطيني لتسهيل سفره، فجلس في صالة الانتظار الخاصة بالمعبر، باحثاً عن أحدهم، متعمداً الظهور بشكل مرتبك، فجاة ظهر شاب صغير لا يتجاوز عمره 25 عاماً يعمل كبائع شاي، هامسا في أذنه "إذا بدك تسافر أنا بساعدك". طلب الوسيط مبلغ 5000 دولار مقابل تلك الخدمة، غير أنه رفض إعطاء اسمه أو بياناته، قائلا "لما تجهز الفلوس بترجع بتلاقيني هان"، ليختفي في ثوان بعدها.
أنواع التنسيق
أبو أحمد، اسم مستعار لأحد أبرز الوسطاء العاملين في عمليات التنسيق، ولديه اتصال مباشر مع الضباط المصريين العاملين في المعبر، كما يؤكد المتعاملون معه. تعرض أبو أحمد للاعتقال والاستجواب عدة مرات، على خلفية اتهامه بطلب أموال مقابل تسهيل سفر بعض الأشخاص.
ويوضح أن هناك ثلاثة أنواع من التنسيق، الأول مدفوع، ويتمثل بتوجه الشخص الراغب بالسفر لأحد الوسطاء الفلسطينيين، ويدفع مبلغا من المال قد يصل إلى 4000 دولار، ويتم إرسال المبلغ بطريقة ما للضباط المسؤولين المصريين في المعبر، ومعه بيانات الشخص، وحين يفتح المعبر يتم إرسال الاسم ضمن كشف.
وبين إبراهيم أن هناك نوعاً ثانياً ويسمى تنسيق السفارة الفلسطينية، التي تتواصل بدورها مع الأجهزة المصرية، وترسل أسماء أشخاص يرغبون بالسفر، كانوا تواصلوا معها وقدموا طلب مساعدة، وهذا النوع من التنسيق مجاني. أما النوع الثالث من التنسيق وهو أعلاها سعراً، ويسمى "سفر بدون عرض"، وهو يخص الأشخاص المدرجة أسماؤهم لدى الأجهزة الأمنية المصرية كأشخاص ممنوعين من دخول مصر، فيدفعون مبلغاً كبيراً من المال قد يتجاوز 5000 دولار، مقابل عدم العرض على الأجهزة، والسماح لهم بالسفر على كفالة جهاز أمني مصري.
عمليات نصب
يكشف مصدر أمني في شرطة غزة عن وقوع أشخاص ضحايا لوسطاء تسهيل السفر، ومن أبرزها، حالة لاجئ سوري دخل قطاع غزة عبر الأنفاق سابقاً، لكن ظروفه الصعبة دفعته لمحاولة الخروج، تعرف على وسيط طلب منه مبلغ 3000 دولار لمساعدته، وبصعوبة وفر 1200 دولار وقدمها له. وانتظر اللاجئ ثلاثة أيام على المعبر ولم يصل اسمه، ما دفعه لتقديم الشكوى للأجهزة الأمنية التي أوقفت الوسيط الفلسطيني، وما زالت التحقيقات جارية معه على حد قول المصدر الأمني.
ويؤكد النائب عن كتلة التغيير والإصلاح المحسوبة على حركة "حماس"، يحيى موسى، أن المجلس التشريعي في غزة ناقش هذه الظاهرة، والتي تنشر ثقافة الابتزاز والرشاوى، وبعد مراجعة الجهات المعنية اكتشف النواب أن المشكلة تكمن في المواطن نفسه، فمعظم من يدفعون رشاوى أو يتعرضون للابتزاز لا يتقدمون بشكاوى للشرطة.
ويعتقد الخبير والباحث في الشأن السياسي والإعلامي، عماد محسن، أن ظاهرة التنسيقات لها أبعاد خطيرة، وأضرت بالمسافرين، قائلا "لو كان المسافر يحمل رقماً يتيح له التواجد على متن الحالفة الرابعة، والطاقة الاستيعابية للمعبر حوالي 8 حافلات يومياً، ثم تبين أن 5 حافلات ستخصص لكشوف التنسيقات الواردة من مصر، معنى ذلك أن المسافر الذي لم يتم وضع اسمه ضمن الكشف سيفقد فرصته للسفر، وربما ينتظر شهوراً أخرى على اعتبار أن المعبر لا يفتح إلا ثلاثة أيام بعد 100 يوم إغلاق، وفقا لما درج الأمر عليه في 2015".
وعبر محسن عن اعتقاده بأن من لديهم علاقات مميزة بجهات حكومية مصرية، يحظون بأكبر الفرص للسفر، وهو أمر يضع الجهات المعنية في غزة، في مأزق تجاه المسافرين، ويشعرها بالغضب لأنها عاجزة عن منع أي من أصحاب التنسيقات من الوصول إلى الجانب المصري، إذ يشدد الطرف المصري على عدم دخول المسافرين العاديين إلا بعد الانتهاء من التنسيقات أو بالتزامن معهم.
توصيف قانوني
يؤكد الخبير القانوني، محمد أبو هاشم، أن القوانين الفلسطينية لا تشمل نصوصا صريحة لمعاقبة من يتقاضون أموالاً مقابل تسهيل سفر أشخاص، فالرشوة يعاقب عليها القانون إذا تلقاها موظف حكومي فقط، وتلقي الأموال من قبل أشخاص عاديين لا يؤدون خدمة عامة بقصد تقديم خدمة لا يدخل ضمن الرشوة، لأن الرشوة يجب أن تقدم إلى موظف عام، أو شخص يؤدي خدمة عامة يتبع للسلطة الفلسطينية، وفق التعريف الوارد في المادة 5 من قانون العقوبات 1936 المطبق في القطاع.
واستبعد أبو هاشم أن يتم تقديم هؤلاء الأشخاص للمحاكمة، قائلا "لا يمكن تقديم تهم صريحة بنصوص قانونية لهم، إلا إذا تضمن الأمر عملية نصب، لكن حتى مع ذلك يمكن أن يظهر المنسق نفسه كضحية، بأنه أرسل الأموال للطرف الآخر، وهو أخل بالاتفاق، ويمكن الإفلات من العقاب".
فشل محاولات القضاء على التنسيق
يؤكد مصدر حكومي في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن الجهات المعنية بذلت جهودا لمحاربة الظاهرة، من بينها منع الجهات الفلسطينية وصول أصحاب التنسيقات إلى المعبر المصري، وإعطاء الأولوية للمرضى، لكن النتيجة كانت أن الجانب المصري أغلق المعبر في وجه المرضى والمسافرين، بحجة تعطل شبكة الحواسيب، وحين بدأ أصحاب التنسيقات بالتحرك حلت الأزمة وفتح المعبر.
ووفقا لما وثقه معد التحقيق عبر إحصائية حصلت عليها "العربي الجديد"، فإن عدد مرات فتح المعبر في العام 2104، كانت 123 يوماً بسبب ظروف العدوان على قطاع غزة، وسمح لـ 101 ألف مسافر بالمغادرة من بينهم 14 ألفاً ضمن كشوف التنسيقات، بينما في 2015 بكاملها فتح المعبر 19 يوما فقط، وسمح لـ21 ألفاً بالمغادرة، من بينهم 6 آلاف ضمن كشوف التنسيقات. ويؤكد مصدر أمني يعمل في معبر رفح، أن إدارة المعبر مجبرة على التعامل مع هذا الملف، فكل حافلة تنسيقات تدخل، تتبعها من حافلتين إلى ثلاث من المرضى والعالقين.