انزلق المشهد السياسي العراقي مجدداً نحو أزمة، قد تؤدي، في حال استمر التصعيد، إلى تحشيد قومي في مدينة كركوك العراقية، وذلك بعد أن أغضب رفع علم إقليم كردستان، على المباني والمؤسسات الحكومية في المدينة، العرب والتركمان، المدعومين من حكومة بغداد. ومّما يعقد المشهد السياسي في كركوك، أنّ الأكراد رفضوا قرارات السلطة الاتحادية، المتمثّلة بالبرلمان العراقي، ما يعني أنهم ماضون بتطبيق سياسة الأمر الواقع واقتطاع المحافظة وضمها إلى إقليمهم، الأمر الذي ينذر ببداية صراع لا تعرف نهايته. وصوّت، أمس الثلاثاء، مجلس محافظة كركوك على قرار إجراء استفتاء لضم المحافظة إلى إقليم كردستان، وسط مقاطعة أعضائه من العرب والتركمان، الأمر الذي ينذر بأزمة خطيرة.
وقال النائب الكردي عن محافظة كركوك، ريبوار طه، في مؤتمر صحافي، إنّ "مجلس كركوك عقد جلسته، وصوت على رفض قرار البرلمان العراقي بإنزال علم كردستان عن مباني المحافظة". وأضاف أنّ "المجلس واصل جدول أعماله، الذي تضمن عرض قرار إجراء استفتاء على ضم المحافظة وبقية المناطق المستقطعة إلى كردستان، وإلزام الحكومة بتطبيق المادة 140 من الدستور العراقي"، مبيناً أنّ "الحضور صوتوا بالغالبية على هذه القرارات". وتم التصويت على القرار، بالرغم من مقاطعة أعضاء مجلس كركوك، من العرب والتركمان. ويعدّ قرار مجلس المحافظة، الأخطر من نوعه على مستقبل كركوك، ذات المكونات المختلفة، ما قد يخلق أزمة سياسية يصعب تداركها، تضاف إلى الأزمات الأمنية والسياسية التي تعاني البلاد منها. ويرفض عرب وتركمان كركوك القرار، محذرين من عواقبه الوخيمة على التعايش السلمي في المحافظة. وكشف رئيس الجبهة التركمانية، أرشد الصالحي، عن مغادرته إلى تركيا لبحث أزمة كركوك. وقال الصالحي، لـ"العربي الجديد"، إن رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم أوصى بأن نتفاهم بين بعضنا البعض، خصوصاً بشأن أزمة رفع علم الإقليم في كركوك، والنية التركية ليست إثارة المشاكل بل الحفاظ على وحدة التراب العراقي. وتابع "نحن نقول للأكراد إنه لا يمكن فرض سياسة الأمر الواقع، فكركوك عراقية، لكن خصوصيتها تركمانية".
وعد عضو مجلس كركوك عن المكون التركماني، تحسين كهية، "التفرّد بالقرارات مدعاة للتوتر وتأزيما للوضع القائم في كركوك". وقال، في مؤتمر صحافي، "يجب أن تهدف جميع القرارات إلى خدمة التعايش بين مكونات كركوك". وأكد أنّ "الكتلة التركمانية تؤكد على اللجوء إلى لغة الحوار لمعالجة المشاكل قبل تفاقمها". وأعلن عضو المجموعة العربية في مجلس كركوك، خليل الحديدي، أنّ "المجموعة لجأت إلى المحكمة الاتحادية للنظر في سلطة مجلس المحافظة بشأن قراراته"، فيما دعا النائب عن التحالف الوطني، صادق اللبان، رئيس الحكومة، حيدر العبادي، إلى "إقالة محافظ كركوك، نجم الدين كريم". وقال اللبان إن "محافظ كركوك يخرق الدستور العراقي بقراراته"، مؤكداً أن "القرار الذي اتخذه مجلس كركوك سيؤدي إلى خلافات حقيقية تضرب النسيج الوطني والتعايش السلمي بين مكونات كركوك، وتؤثر بشكل سلبي على العملية السياسية"، معتبراً أن "العراق يحتاج اليوم إلى الالتزام بالهدوء وحفظ الأمن العام، والتماسك، وليس خلق الأزمات وإثارة الفتن داخل المجتمع".
ورأى الخبير في القانون الدستوري، محسن الحامدي، أنّ "العراق اليوم يحصد ثمار الخلاف السياسي، والهفوات التي تضمنها الدستور العراقي". وقال الحامدي، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، إن "أساس أزمة كركوك هو الصراع القومي، والدستور ضمّن هذا الصراع من خلال المادة 140، لكنه لم يضع مادة حاسمة، بل وضع مادة تقبل التحليل والتأويل، ووقعت محافظة كركوك في فخّها". وأوضح أنّ "الأكراد يفسرون المادة 140 على أنّها تقول إنّ وضع كركوك يجب أن يحل بقوانين مستقلة، ولا تسري عليها جميع المواد الدستورية العراقية، وبغداد ترى أنّ كركوك محافظة غير تابعة لكردستان، وما يسري على باقي المحافظات يسري عليها. وتفسر المادة 140 على انّها لم تنص على إلحاق المحافظة بإقليم كردستان، وأوصت بأن يتم حلّ المشكلة بالتوافق بين الأكراد والعرب والتركمان، وبإشراف دولي". وأشار إلى أنّ "تضارب التفسيرات دفع باتجاه هذا الخلاف، ومنح الأكراد فرصة التمرّد على قرارات البرلمان والحكومة المركزية. وهذا الأمر سيغلق أي باب للحل السياسي"، مؤكداً أنّ "ذلك سيدفع باتجاه صراع خطير في البلاد، وخصوصاً أنّه حتى لو نقض البرلمان، أو المحكمة الاتحادية، قرار مجلس كركوك، فإنّ الأكراد لن يخضعوا لأي قرار".
وتصاعدت أزمة محافظة كركوك الغنية بالنفط، عقب اتخاذ محافظها عن التحالف الكردستاني، نجم الدين كريم، قراراً برفع علم كردستان على المباني الحكومية، ليصوت البرلمان العراقي على إنزال العلم، الأمر الذي رفض الأكراد تطبيقه، متمسكين برفع علمهم، لتتصاعد الأزمة إلى مرحلة الموافقة على إجراء استفتاء لتحديد مصير المحافظة. ويتهم عرب وتركمان كركوك، الأكراد بإجراء تغيير ديموغرافي في المحافظة، ليصبح الأكراد الأكثر عدداً من بقية المكونات الأخرى فيها، ما يمنحهم الأصوات الكافية في استفتاء ضم المحافظة إلى كردستان. ويحذر مراقبون من تداعيات هذه الأزمة على وحدة واستقرار البلاد، مطالبين بتغليب لغة الحوار، وعدم اللجوء إلى أسلوب لي الأذرع، واستغلال الظرف الأمني والسياسي العصيب الذي تمرّ البلاد به.