لم تعد حديقة الشهيد إياد الحلاق، الذي كان من الأشخاص ذوي الإعاقة، والذي قُتل برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي في مايو/ أيار الماضي، بالبلدة القديمة من القدس، كما كانت عليه عندما كان الشهيد الفلسطيني يرعاها يومياً ويزرعها بالأزهار والنبات الأخضر. ليست الحديقة وحدها ما ذبل، فوالد إياد بات أكثر حزناً وهو يتفقد معنا حديقة نجله في منزل الأسرة البسيط بساطة قاطنيه في حي واد الجوز، إلى الشمال من البلدة القديمة من القدس.
يتجول خيري الحلاق والد إياد، في الحديقة ويستعيد مع "العربي الجديد" ذكرياته مع نجله. يقول إنّ الاحتلال قتله مرتين؛ الأولى حين أعدمه جنود الاحتلال بدم بارد بمحاذاة غرفة قمامة في منطقة باب الأسباط بينما كان في الطريق إلى مدرسة للأشخاص ذوي الإعاقة في منطقة باب الملك فيصل – أحد أبواب المسجد الأقصى – والثانية حين ادعت اللجنة الإسرائيلية المنبثقة من وزارة العدل الإسرائيلية للتحقيق مع عناصر شرطة الاحتلال، أنّ نحو عشر كاميرات منصوبة في المسار الذي سلكه الشهيد كانت معطلة ولم تعمل لحظة استشهاد إياد قبل إعدامه بدم بارد.
ليس أقسى على والد إياد من هذه الرواية التي جعلته أكثر حزناً وغضباً من رواية الاحتلال وكذبه حين يتعلق الأمر بإياد وبغيره من شبان استشهدوا في ظروف مشابهة على حواجز الاحتلال، وقيل في كلّ مرة إنّ الكاميرات لم تكن تعمل، ويقول والد إياد: "إنّهم كذابون، وسبحان الله حين تكون الضحية من العرب فإنّ الكاميرات لا تعمل".
يعود والد إياد ليفند رواية الاحتلال ويؤكد أنّ جميع الكاميرات كانت تعمل في ذلك الوقت ولم تتعطل بدليل أنّ يوم استشهاد إياد كان يوم أحد، وفي هذا اليوم يفعّل الاحتلال عادة جميع كاميرات المراقبة في البلدة القديمة من القدس حماية للمستوطنين الذين يستأنفون في هذا اليوم اقتحاماتهم للأقصى وعربداتهم في البلدة القديمة. ويضيف: "إنّهم يتسترون على القتلة من جنودهم، ماذا لو كان الأمر يتعلق بمستوطن أو جندي تعرض لهجوم فدائي؟ هل ستتعطل كاميراتهم عندها"؟
ملاحقة القتلة ومحاسبتهم باتتا هدف حياة والد الشهيد إياد، إذ انضم للأسرة طاقم من المحامين سيتابعون القضية حتى نهايتها، وحتى ينال القتلة جزاءهم. يتحدث الوالد لـ"العربي الجديد" عن إياد وهو يشير إلى صور وملصقات علقت داخل غرف المنزل يظهر فيها الشهيد بزهرته الشهيرة التي كان ملأ حديقته بها زرعاً ورعاية، وباتت محلات الورود تطلق عليها "ورد إياد" تكريماً لذكراه. بالرغم من ذلك، بدت حديقة إياد في جوار منزله بحاجة إلى رعاية لتعيد الحياة إلى ما تبقى من النبات الأخضر. ومع سؤال والد إياد: "هل ستعيد للحديقة عهدها الذي كان"؟ يردّ بحزن: "لا أستطيع الآن، لا أحتمل ذكريات إياد فيها، إذ كانت كلّ نبتة وكلّ وردة تحمل أنفاس ولدي".
حزن آخر سكن قلب الوالد المكلوم، وقلب والدة إياد التي عاتبت بقوة الإعلام الفلسطيني المحلي وتقصيره حيال ما جرى لنجلها، وتسألنا وتسأل والد الشهيد: "أليس غريباً أن يهتم الإعلام الأجنبي وحتى المعادي بقضية إياد ويغيب إعلامنا المحلي؟ لماذا يتحول إياد إلى مجرد خبر عابر في نشرات الأخبار الفلسطينية، بينما تكتب القصص وتعد الأفلام وتنتج في محطات التلفزة الأجنبية ويصبح قضية رأي عام عالمي؟".
على مدى أكثر من مائة متر سلكها الشهيد إياد، رصدت "العربي الجديد" جميع الكاميرات المنصوبة، وهي نحو عشر كاميرات، اثنتان منها موجهة نحو غرفة القمامة وعلى ساحتها حيث أعدم الشهيد هناك بدم بارد، بعدما فرّ من جنود الاحتلال محاولاً الاحتماء من رصاصهم وهو يصيح إلى جوار مرشدته: "أنا معها، أنا معها".
المحامي حمزة قطينة من طاقم الدفاع في قضية الشهيد إياد، يتحدث إلى "العربي الجديد" معلقاً بداية على ما ورد في تقرير لجنة التحقيق الإسرائيلية المعروفة بـ"لجنة ماحش" فيقول: "بخصوص الادعاءات التي وردت عن لجنة ماحش، بأنّ الكاميرات كانت معطلة، نحن طاقم دفاع نرى ونعلم يقيناً أنّ هناك منظومة إلكترونية دقيقة تعمل من خلال الكاميرات الموجودة في البلدة القديمة بشكل عام وفي باب الأسباط بشكل خاص". ويتابع: "خلال عملنا، رأينا العديد من الحالات التي قدمت فيها أدلة من خلال هذه الكاميرات بما فيها تلك المنصوبة في مكان الحادث ضد شبان، خصوصاً في معركة البوابات الإلكترونية، وكانت هذه الكاميرات هي أساس السيطرة للشرطة الإسرائيلية في المكان، وكانت الدليل المركزي في العديد من القضايا، وبالتالي فإنّ هذا الادعاء غير منطقي وغير مقبول بالمطلق، ونحن نرفض هذه الادعاءات، وننتظر نهاية التحقيق حتى نقف على حجج وموقف النيابة العامة الإسرائيلية، وعندها سيكون ردّنا عليها".
ويشير المحامي قطينة، إلى أنّه تم توجيه أكثر من كتاب للجنة "ماحش" بضرورة القيام بتحقيق حيادي، وجمع كلّ الأدلة بشكل متخصص ومهني ودقيق، لأنّ هذه الجريمة خطيرة جداً، إذ يدور الحديث عن قتل إنسان من الأشخاص ذوي الإعاقة، وقد طلبنا منهم الإسراع في إنهاء التحقيق مثل بقية الملفات التي تتولاها "ماحش" والنيابة العامة الإسرائيلية من خلال تقديم لوائح اتهام خلال المدد المحددة في القانون، والتي لا تتعدى شهراً واحداً، علماً أنّنا تجاوزنا 45 يوماً في قضية الشهيد إياد، وبعد إصدار النيابة قرارها بالملف، فإنّنا سنطالب بسجن القتلة المتهمين بالجريمة، وألاّ يبقوا أحراراً كما هم الآن يتجولون من دون قيود، كما سنقوم بتفعيل قضية الشهيد على المستوى الدولي وفي جميع المؤسسات الحقوقية الدولية التابعة لمجلس حقوق الإنسان وللأمم المتحدة.
ويشدد المحامي قطينة على أنّ قضية الشهيد الحلاق حالة فريدة، والفريد فيها أنّ الحادث بدأ في منطقة باب الأسباط وانتهى في باب حطة، أي لمسافة تزيد عن مائة متر، وبالتالي فإنّ التهرب من المسؤولية أمر لا يقبله العقل ولا المنطق، في حين يقوم طاقم الدفاع حالياً بالمتابعة مع أسرة الشهيد، وتوثيق الشهادات والمعلومات التي لديه، كما يتولى الفريق جميع الإجراءات اللازمة في هذا الخصوص".
الكاتب والمحلل السياسي والإعلامي راسم عبيدات، يتطرق إلى روايات الاحتلال المضللة في جرائم الإعدام التي ترتكب ضد مواطنين فلسطينيين لتجري لاحقاً تبرئة القتلة من جنود الاحتلال ومستوطنيه، فيقول لـ"العربي الجديد": "في كلّ الحالات التي يجري فيها قتل شبان أو فتيات من المواطنين الفلسطينيين على يد جنود الاحتلال أو مستوطنيه وتصفيتهم بدم بارد كما حدث في قضية الشهيد إياد الحلاق ومن قبله أبناء عائلة دوابشة والشابين عبد الفتاح الشريف ومصطفى يونس وغيرهم، فإنّ كاميرات الاحتلال التي تعمل ليل نهار وتستطيع تمييز أرقام لوحات وأنواع السيارات وتمييز وجوه الأشخاص المشتبه فيهم من بين ألف وجه تصبح غير عاملة، ومعطلة، أو هي مجرد ألعاب".
يتابع عبيدات: "أما إذا كانت هناك عملية طعن أو قتل من قبل مواطن فلسطيني لجندي أو مستوطن صهيوني، فكلّ الكاميرات، بقدرة قادر، تصبح فاعلة. وفي قضية الشهيد الشاب من الأشخاص ذوي الإعاقة، إياد الحلاق، والتي تشكل عملية إعدامه فضيحة لجيش الاحتلال وشرطته وقيادته، فالقول بعدم عمل الكاميرات هدفه طمس وإخفاء الأدلة، وحتى لا يجري فضح رواية جنود الاحتلال وشرطته بأنّ الشهيد لم يشكل أيّ خطر عليهم، وبأنّه كما أكد الشهود جرى إطلاق الرصاص عليه بشكل متعمد وهو ملقى على الأرض بعد إصابته بعدة رصاصات". ويضيف: "ما جرى بحق الشهيد الحلاق عملية قتل بدم بارد بامتياز وهي جريمة حرب يجب أن يرفع ملفها إلى محكمة الجنايات الدولية من أجل محاكمة قتلة هذا الشاب ومن يقفون خلفهم في المستويين السياسي والأمني الإسرائيلي، وكذلك يجب استنفار جميع الطاقات والجهود الفلسطينية حقوقياً وقانونياً ودبلوماسياً لفضح وتعرية هذا الاحتلال الذي يعشق قتل أبناء شعبنا، فالجندي ليؤر أزاريا الذي أعدم المواطن عبد الفتاح الشريف في الخليل أمام الكاميرات نال المديح والثناء من قبل قادة جيش الاحتلال وفي مقدمتهم في تلك الفترة من تسمى بوزيرة العدل الإسرائيلية المتطرفة أيليت شكيد".