في ثمانينيات القرن الماضي، بدأ العالم العربي بإنتاج بعض أفلام التحريك (رسوم متحركة) الخاصة، إلى جانب عرض مسلسلات كارتون مدبلجة من اليابان والدول الغربية. لكن تماماً كما كانت أغلب الإنتاجات الفنية في تلك الفترة، حملت هذه الأعمال بصمة الأنظمة، في رسائل سياسية مباشرة.
ومع مرور السنوات، بقيت الحال على ما هي عليه، حتى الألفية الجديدة، عندما بدأت الإنتاجات العربية تأخذ شكلاً أكثر تطوراً. لكن رغم اختفاء التوجيه السياسي الحاد، لم تستطع كل هذه الأعمال الانفصال عن سطوة الأنظمة عليها، لناحية التمويل، والمضمون بقي ملازماً للقيم الاجتماعية التي تروّج لها الأنظمة العربية. نعود في ما يلي إلى بعض الأعمال العربية أو تناولت الشأن العربي في أفلام ومسلسلات تحريك موجهة للأطفال.
دخلت شخصية روبن هود إلى الثقافة الشعبية، من خلال سلسلة أفلام نقلت القصة الرمزية إلى الشاشة ثمّ إلى حكايات الأطفال. البطل الذي يسرق مقدّرات الأغنياء ويوزّعها على الفقراء، تحوّل إلى واحد من أبرز الأبطال الخياليين في القصص وأفلام التحريك (رسوم متحركة). لكن بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، باتت لروبن هود مهمة جديدة، تحديداً على التلفزيون الإيراني، إذ أنتجت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية مجموعة من أفلام الكارتون الموجّهة للأطفال، تصوّر المقاتلين الإيرانيين في سورية مثل روبن هود، فيقاتلون الأشرار، في سبيل الدفاع عن الفقراء والمظلومين، ثمّ تتخذ هذه الأفلام حيزاً أكثر طائفيةً، مثل فلمي "بدونهم"، و"لو نمت لصار الحرم مرتعاً للصوص"... في هذه الأفلام تتم استعادة معارك علي والحسين، اللذين حاربا "أعداء الإسلام، مثلما ما يفعل مقاتلونا اليوم في سورية".
لا تخرج البروباغندا الإيرانية عن غيرها من الرسائل التي تحملها أفلام تحريك كثيرة حول العالم، بينها إنتاجات موجّهة للأطفال في العالم العربي، وإن اختلف شكل الترويج السياسي في السنوات الثلاثين الأخيرة.
ففي العالم العربي تأخّر إنتاج أفلام ومسلسلات التحريك أصلاً، ولم ينضج (بشكل أو بآخر) إلا مطلع الألفية الجديدة، إذ كانت أغلب أفلام الكارتون المعروضة على الشاشات العربية مدبلجة من اليابانية (غرندايزر مثلاً) والأميركية والفرنسية والألمانية.
من التجارب الأولى لصناعة فيلم تحريك عربيّ فيلم "الأميرة والنهر" العراقي (1982). تختلف الروايات حول ما إذا كان الشريط يحمل إشارات خفية إلى انقلاب 17 يوليو/ تموز 1968 عندما استلم حزب البعث العراقي الحكم، لكن الأكيد هو ما رواه مخرج العمل فيصل الياسري عن لقائه بوزير الخارجية وقتها طارق عزيز، الذي أعطاه نص الفيلم وطلب منه تنفيذه، وهو ما حصل فعلاً، ليكتشف لاحقاً أن صدام حسين كان يروي هذه الحكاية شفهياً على ضيوفه، قبل أن تنقل إلى الورق وتحوّل إلى فيلم كارتون.
فيلم التحريك هذا، أسطورة بابلية قديمة، حول ملك على شفير الموت، يكلّف واحدة من بناته تنفيذ مجموعة من الشروط لتتمكّن من استلام الحكم مكانه، لكنها بسبب تعجرفها تخسر ذلك، وتستلم الحكم مكانها شقيقتها الصغرى الطيبة بمساعدة فلاح لطيف. الفيلم الذي رصدت له ميزانية مليون دولار، نفّذ في أستراليا، ولم تكن خافية في تفاصيله "لمسة البعث"، من خلال تسلسل أحداث القصة الشيّقة.
هذه اللمسة الرسمية تكاد تظهر في أغلب الإنتاجات العربية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. في عام 1998، بدأ التلفزيون المصري عرض سلسلة "بكّار" في شهر رمضان. المسلسل يروي يوميات طفل نوبيّ لطيف ومؤدب. من شارة البداية يبدو أن العمل يحمل قيماً "وطنية". ولم تكن صدفة تزامن عرض العمل مع إعلان الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك أن العام السابق (1997) هو "عام الطفل النوبي".
تقول كلمات أغنية البداية التي أداها الفنان النوبي محمد منير:
"من صغره وصغر سنه
عارف معنى إنه
من قلبه وروحه مصري
والنيل جواه بيسري"
ففي إحدى الحلقات على سبيل المثال، تخبر الجدة حفيدها بكار عن تهجير أهالي النوبة عام 1963 لبناء السد العالي. المأساة التي عاشتها آلاف الأسر النوبية، تختصرها الجدة بالتأكيد أن النوبيين هُجّروا من أرضهم "لكنهم كانوا فرحين لأنهم يفعلون ذلك لصالح مصر". وهي الرواية التي تكاد تكون شبه معدومة بين سكان النوبة المهجّرين، أقلّه عند الجيل الذي تنتمي إليه الجدّة.
جاء مسلسل "بكّار" في الوقت المناسب ليتماهى مع أجندة حسني مبارك لترسيخ مفهوم "الانتماء للدولة المصرية"، إذ كان وقتها غارقاً في مشاكل داخلية، وهجمات الإسلاميين، أبرزها مذبحة الأقصر سنة 1997 التي أدت إلى مقتل 57 سائحاً كانوا في زيارة إلى الدير البحري في الأقصر. وليست صدفة طبعاً أن تنهار صناعة الرسوم المتحركة المصرية تماماً بعد سقوط مبارك إثر ثورة 25 يناير 2011. فالارتباط بين هذه الصناعة والنظام المصري لم يكن عرضياً أو عبثياً.
الخطاب الوطنيّ، المتناسق مع السيرة الرسمية، بدأ يظهر بشكل أكثر وضوحاً مع نشوء شركات إنتاج، متخصصة بالرسوم المتحركة، والمحتوى الموجّه للأطفال، فانطلقت قناة "الجزيرة أطفال" (2005 ــ تحولت لاحقاً إلى تلفزيون جيم) وMBC3، وغيرها من القنوات مثل "المجد" و"طيور الجنة".
في كتاب (Children's TV and Digital Media in the Arab World 2017) تشير الكاتبتان ناعومي صقر وجانيت ستيمرز إلى الارتباط الوثيق بين صناعة الكارتون في العالم العربي وبين رضا الأنظمة الحاكمة عن المحتوى الذي غالباً ما كان يخدم أجنداتها أو خططها الاجتماعية.
نعود إلى مسلسل "فريج" الإماراتي، الذي شغل حيزاً واسعاً من اهتمام باحثين غربيين. بين هؤلاء الدكتور عمر آدم، المحاضر في جامعة أوترخت الهولندية، والذي أشار في ورقة بحثية بعنوان "الرسوم المتحركة العربية كأدوات للحنين الوطني والديني" إلى أن أهمية مسلسل "فريج" هو أنه يثبت العلاقة بين الحكومات العربية ونجاح الإنتاجات الموجّهة للأطفال. بدأ عرض "فريج" عام 2007 بتمويل من حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم، ثم تحوّل إلى BRAND وطنية. يروي "فريج" قصة أربع جدّات إماراتيات يحاولن التأقلم مع حياتهن في دبي التي تشهد تغييرات كثيرة وانفصالاً عن الماضي الذي عشن فيه. يقول آدم إن حلقات هذه السلسلة المتحركة تتماهى حرفياً مع الخطاب الرسمي الإماراتي حول "إحياء التراث"، وخلق صورة ذهنية للإماراتيين عن تاريخ بلدهم.