كأنني مشعوذة العزلة

21 يوليو 2015
لوحة للفنان الفرنسي أندريه ديموناز André Deymonaz
+ الخط -

-1-

ماذا سيحدث بعد؟
حين يدٌ تحاول أن تسدّ الثقب في القلب
ويدٌ أخرى تحاول أن تمنع أوراق الجسد من التساقط
وحين ثمة ضمور بين الحاجبين كما لو كان أثر طلقة لم تدخل مكانها بما يكفي للموت
وأعلى الرأس تظهر ألواح الصبار بفاكهتها اليابسة
وأنا أجلس هكذا كمتسوّلة على الناصية، بثوب واسع مغبّر وحولي حصى صغيرة أدّعي أنها كاشفة للحظ بينما العابرون يمرّون من أمامي دونما اكتراث
ماذا سيحدث بعد؟
سأذهب إلى الحمام وأضع منشفة كبيرة تحت الحنفية، كي لا أسمع مجددًا صوت قطرات الماء وهي تتساقط في الحوض، كما لو كانت تنبهني أنني على هذا القدر من الوحدة، وأن الثقب الذي في القلب ليس سوى ممرّ للكلام،
الكلام الذي أكرره كلّ يوم دون أن أجد حولي من يسمعه.


-2-

لا أفكر كثيرًا بما يحدث
أضع يدي في ماء مغلي
وأراقب الفقاعات التي تظهر على أصابعي
ثم أموت من الألم وأتركها كما هي
لا ينتبه أحد إلى ما فعلت
مع أن ضيوفي كثر هذه الليلة
وأنا أجلس في المنتصف
كمشعوذة تستعين بالماء المغلي كي تظهر أعاجيبها
أخرج أصابعي من الماء المغلي
وأضعها على البلاط
ثم أحاول اكتشاف مركز الألم دون جدوى
أصابعي المحروقة ممدّدة على البلاط
وضيوفي الكثر يتحلّقون حولي
يمسحون ما تساقط من حنينهم على البلاط
ولا ينتبهون أنهم يمسحون أيضًا تلك البرودة التي تعينني على التحمُّل
أنا التي تجلس في المنتصف تمامًا
تفرد ثوبها العريض
ثم بيديها المحروقتين تخرج حزنها من الماء المغلي أسفل الثوب
وتجلسه مكانها
في المنتصف تمامًا
ثم تذهب لتبحث عن مركز الألم
في سريرها الفارغ

-3-

أريد أن أعرف
من هي تلك المرأة التي تتواجد حيث أتواجد
التي تستعير الفراغ المؤلم في أسناني
والتعب الدائم في عيني اليسرى
من هي تلك المرأة التي تفضّل اللون الأسود مثلي
ومثلي ترتدي ثيابها دون أن تهتم بلمسة الأناقة الأخيرة
من هي تلك المرأة التي لها نفس جسمي
جسمي الذي يصبح بخفّة الفراشة حينما أذهب للرقص
وفي البيت يتكوّر ويثقل كقوقعة تحجّرت بفعل الزمن
من هي تلك المرأة التي تغازل الرجال الفتيين الذين أغازلهم في البارات
الرجال الذين لا يلحظون السنين المتراكمة حول خصري
ولا خطوط النهايات القريبة في باطن كفي
المشغولون بألق النبيذ في عيني
وبالحمرة التي يعكسها الضوء الخافت على أرنبة أنفي
أريد أن أعرف
من هي تلك المرأة التي لا تتورّع عن تقديم نفسها باسمي
ولا تخجل من تكرار أخطائي مرّة إثر مرّة
أريد أن أعرف من هي
تلك التي كلما تهشّم قلبها
لملمته بهدوء وأعادته إلى صدري



-4-
أنا هي التي كلّ صباح تطوي البيت الذي تسكنه كما تطوي المنشفة المنزوعة عن حبل الغسيل للتو، ثم تضعه في حقيبة متوسطة، وتجلس بانتظار من يقرع بابها منذرًا بالرحيل، ثم في الليل تفتح الحقيبة وتخرج البيت وتفرده لتنام بانتظار الصباح.
أنا هي التي كلّ يوم تُخرج مفاتيح البيوت التي سكنتها وتفردها على الطاولة، وتشكل منها ملامح رجل بأكتاف عريضة، ثم تلقي برأسها على كتفه وتلسعها برودة المعدن.
أنا هي التي تبحث في أطراف أصابعها عن الخطوط العميقة لبصماتها قبل أن تتذكّر أنها وزّعتها على جدران بيوت كثيرة لا تخصّها، ثم تتأمّل كفيها المصقولتين تمامًا كبلاط قديم يمسح كلّ يوم.
أنا هي التي كلّما رحلت تعود لتجمع آثار خطواتها ثم تخبئها في منديل قديم، تخرجه من ناحيتها اليسرى فتقتلها برودة الفراغ ثم تعيده فتؤلمها ذراعها من الثقل.
أنا هي التي كلّما وضعت بيتها في الحقيبة، غلّفته بجسدها بينما من طرف الحقيبة يتدلّى رأسها كما لو كان الطرف الأعلى لعلّاقة مفاتيح قديمة ثقيلة.


-5-

لكنني أنا لست تلك المرأة
ليس لي شعرها الذهبي
ولا ساقاها النحيلتان
ولا أرتدي تنورتها القصيرة
وليست لي أظافرها الطويلة المرتبة
والرجل الذي يحبّها
لا تربطني به أية صلة
أنا لست تلك المرأة
شرفتي ضيقة
لا ورود تزيّن زواياها كما شرفتها
ولا خريطة وطن ما تتوسّط غرفة جلوسي كي أحلم بالعودة إليه
أنا لست تلك المرأة الهادئة
ولا أشبهها بشيء
لهذا
قصصت أصابعي القصيرة
قبل أن أصافح حبيبها
وخبأت عينيّ أسفل الكنبة
ورميت قلبي على البلاط
ثم بدأت الرقص كغجرية عمياء
تركل قلبها كما لو كان كرة صغيرة
بينما المرأة التي لم أعرفها أبدًا
كانت تنام بكامل جسدها في غرفة الجلوس
تحضن حبيبها
وتحلم بالعودة إلى مدينتها البعيدة
المساهمون