كانت بريطانيا الغائب الحاضر في قمة قادة الاتحاد الأوروبي التي انعقدت، أمس الجمعة، في العاصمة السلوفاكية براتيسلافا، لوضع رؤية جديدة بعد قرار المملكة المتحدة الخروج من الاتحاد. وعلى الرغم من أن مسألة استفتاء بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد ليست مطروحة على جدول الأعمال، ورئيسة الحكومة البريطانية، تيريزا ماي، لم تكن بين الحاضرين، خيّم "بريكست" بريطانيا وعواقبه على أعمال القمة. "تجاهل العبرة من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكون خطأ قاتلاً بالنسبة للاتحاد"، كما قال، الثلاثاء الماضي، رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك.
ومع تظاهر القمة الأولى للدول الـ27 بأن "خروج بريطانيا من الاتحاد ليس نهاية العالم، ولا يهدد وجود الاتحاد"، على حد تعبير رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، انكب زعماء دول الاتحاد على "وضع خارطة طريق للحياة السياسية بعد خروج بريطانيا"، وفقاً للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند. "في مرحلة زمنية حرجة للغاية، تحتاج فيها أوروبا إلى أجندة واضحة"، على حد تعبير المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في باريس قبيل قمة براتيسلافا. إذاً، هي قمة ليست بروتوكولية أو للمجاملات أو "لنواسي بعضنا البعض أو أن ننكر التحديات الحقيقية التي نواجهها، بل هي قمة تقييم واقعي وصادق بدرجة قاسية للوضع بعد التصويت في المملكة المتحدة"، كما قال تاسك.
وتنقسم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشكل حاد حول السبل الكفيلة لتعزيز اقتصادها ومنطقة اليورو، وحول كيفية تعزيز أمن القارة الأوروبية، وكيفية التعامل مع أزمة تدفق المهاجرين. فبينما تطالب الدول الغربية المؤسِسة للاتحاد بضرورة العمل بالحصص الإجبارية في توزيع اللاجئين، ترفض دول وسط أوروبا، التي انضمت للاتحاد عام 2004، مثل تشيكيا، وسلوفاكيا، وهنغاريا، وبولونيا هذا المبدأ، وتصر على خيار القبول الطوعي. وتطور الخلاف بين المعسكرين إلى درجة أن وزير خارجية لوكسمبورغ جان أسيلبورن ، دعا، قبل أيام عدة، إلى طرد هنغاريا من الاتحاد. وسبق لرئيس الحكومة السلوفاكية روبرت فيكو، الذي يستضيف القمة، أن هدد برفع دعوى قضائية ضد مشروع الحصص الأوروبي، مؤكداً أن سلوفاكيا "لن تقبل مهاجراً مسلماً واحداً".
ويشكك الكثيرون في قدرة الاتحاد الأوروبي على مواجهة ما وصفه هولاند بـ"أزمة وجود"، لا سيما أن الاتحاد "قد تفكك اليوم إلى تكتّلات متنافسة، الدول الستّ المؤسسة للاتحاد، ودول وسط أوروبا، ذات وجهات نظر متباينة"، كما يقول الدبلوماسي النمساوي، المسؤول السابق في الاتحاد الأوروبي، ستيفان ليهنا. وأشار في ورقة نشرها "مركز كارنيغي أوروبا" إلى أن "تلك الدول علاقتها سطحية بالاتحاد الأوروبي، فلم يكونوا جزءاً أصيلاً من العائلة الأوروبية. فالفكرة الأوروبية التي تراها في بروكسل، أو باريس، أو برلين ليست موجودة في براتيسلافا أو بودابست".
ويرى المراقبون أن فشل قمة براتيسلافا في تحقيق توافق حول "خارطة طريق لمستقبل الاتحاد بعد الخروج البريطاني" قد يُحفز الأعضاء الناقمين على التفكير في تبني النهج البريطاني ومغادرة الاتحاد. كما أن فشل القمة في تحقيق توافق حول ملف اللاجئين قد يُشجع على تنامي الحركات الشعبوية اليمينية، وهو ما حذر منه رئيس المفوضية الأوروبية بالقول: "هناك انقسامات في كل مكان، وهذا يتيح المجال لنزعة شعبوية متسارعة، وعلى الاتحاد الأوروبي الحفاظ على وحدته وتنوعه".