بعد أكثر من 20 عاماً من المفاوضات المتعثرة، ومع استفحال التلوّث البيئي وازدياد الوعي في أوساط الرأي العام العالمي، بحتمية التحرك لإنقاذ كوكب الأرض من كارثة بيئية وشيكة، تنعقد قمة المناخ الـ21، في العاصمة الفرنسية، بين 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي و11 ديسبمر/ كانون الأول المقبل. ويأتي انعقاد القمة وسط آمال قوية بالتوصل إلى اتفاق دولي ضد ارتفاع ظاهرة الاحتباس الحراري، وتخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة، وعلى رأسها ثاني أوكسيد الكربون، بنسبة 2 في المائة. وستحاول وفود 196 دولة خلال هذه القمّة، التوصل إلى مسوّدة معاهدة للسنوات الثلاثين المقبلة، تسمح باحتواء ارتفاع درجة حرارة الكوكب، المتوقعة بنسبة درجتين مئويتين في القرن الحالي، والمحافظة على مستواها.
وإذا كانت اعتداءات باريس الدموية الأخيرة (13 نوفمبر الحالي) قد خفّفت قليلاً من درجة الاهتمام العالمي بالقمة وقراراتها الحاسمة والمنتظرة، في ما يخصّ مستقبل الكرة الأرضية، وتوجّه الاهتمام أكثر نحو الإرهاب بوصفه "التهديد الدولي الأول"، فإن التهديد البيئي لا يقلّ ضرراً وخطراً عن التهديد الإرهابي، لأن الأمر يتعلق باستقرار العالم وأمنه. ويرى البعض في الاحتباس الحراري "عدواً غير مرئي"، لكن نتائجه الكارثية واضحة للعيان، وتهدّد توازن الكوكب ومستقبل الإنسانية، في ظلّ تصاعد الظواهر المناخية القصوى، كالأعاصير والفيضانات والتصحّر وذوبان الثلوج.
الرهان الجوهري للاتفاق المأمول في قمة باريس، هو التوافق حول الإطار القانوني للمعاهدة الدولية للمناخ. في قمة دوربان ـ جنوب أفريقيا، في عام 2011، اتفقت الدول المشاركة على ضرورة وضع آلية قانونية للحدّ من التلوّث البيئي، تكون لها قوة إلزامية وترسانة من العقوبات في حال عدم الالتزام بها. ما يعني التوصل إلى معاهدة واضحة المعالم، توقّع عليها كل الدول المشاركة وتُصادق عليها لاحقاً كل برلماناتها.
غير أن هذه الفكرة تصطدم بتحفّظات شديدة من طرف الإدارة الأميركية، التي تواجه معارضة داخلية شديدة لأي اتفاق من هذا النوع، من طرف مجلس الشيوخ ذي الغالبية الجمهورية. في هذا الصدد، كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري، واضحاً بقوله أخيراً لصحيفة "فاينانشال تايمز"، إن "قمة باريس ستتمخّض عن اتفاق، وليس بالتأكيد معاهدة للحدّ من الاحتباس الحراري مع إكراهات قانونية، مثلما كان الأمر في قمة كيوتو ـ اليابان (1997)".
غير أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، ردّ على كلام كيري، مؤكداً أن "اتفاق باريس المتوقع، إما أن يكون مُلزماً أو لا يكون". ما معناه أن فرنسا ترى بأنه إذا لم يتم التوافق حول البعد الإلزامي للاتفاق، فسيبقى هذا الأخير مجرد حبر على ورق من دون أي فعالية ملموسة.
اقرأ أيضاً: بابا الفاتيكان: أحياء أفريقيا الفقيرة جروح سببها عدم المساواة
والواضح أن الأمور ستسير في اتجاه وسطي، يضمن للاتفاق بعداً قانونياً ملزماً، والاحتفاظ في الوقت نفسه بنوع من المرونة، في حال عدم احترام الدول لتعهّداتها والتدابير المزمع اتخاذها للمساهمة في التخفيف من حدة الاحتباس الحراري. في هذا السياق، تعقد فرنسا آمالاً كبيرة على الصين، التي وافقت أخيراً على المشاركة في الجهود الدولية لاحتواء ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، والمحافظة على عدم تجاوز مستواها الدرجتين المئويتين. مع العلم أن الصين واحدة من أكبر الدول الملوّثة في العالم.
هناك رهان آخر لا يقلّ أهمية ويتعلق بالتمويل، ففي قمة كوبنهاغن ـ الدنمارك (2009)، اتفقت الدول الغنية على تخصيص "غلاف" مالي يبدأ من 30 مليار دولار سنوياً في عام 2015 ويصل إلى 100 مليار دولار في عام 2020، وذلك لمساعدة الدول الناشئة والفقيرة في مواجهة التحوّلات المناخية، وتعويضها عن الخسائر الاقتصادية التي ستترتّب على إجراءات الحدّ من انبعاثات الغازات الملوثة. غير أن الأمم المتحدة اعتبرت أن هذا الغلاف المالي يعتبر بمثابة "حدٍ أدنى فقط، لأن احتياجات الدول الناشئة وتلك التي في طور النمو أكبر بكثير". وهذه الدول عاجزة عن تخصيص ميزانية لخطط الحدّ من الاحتباس الحراري، ومراجعة سياساتها بخصوص بنيتها التحتية العامة والبنى التحتية الضرورية لسياستها التنموية.
ويرى بعض المراقبين بأن قمة باريس عليها، أقلّه، أن تؤمّن هذا الجانب في نص المعاهدة وتخصص ما يكفي من أموال لمساعدة الدول النامية على التكيّف مع إجراءات الحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري على المستوى الكوني. وتكمن العقبة الرئيسية في أن الصين لا تعتبر نفسها ملزمة بالمساهمة في هذه المساعدة، التي اتفقت عليها الدول الغنية. وستكون المهمة الرئيسية للبلدان الغربية هي إقناع الصين بدفع حصة في هذه المساعدة.
ويبقى الهاجس الأساسي لقمة باريس هو القدرة على التوصّل في المديين المتوسط والبعيد، إلى التخلي التدريجي عن البترول والغاز والفحم الحجري، كمصادر للطاقة، كونها المسؤولة الأولى عن التلوّث البيئي وارتفاع حرارة الأرض. كما أن تقارير الأمم المتحدة تؤكد بأن الموارد العالمية من البترول ستختفي في الـ52 عاماً المقبلة، والغاز في حدود الـ54 عاماً، والفحم الحجري في حدود الـ110 أعوام. ويُشكّل البترول والغاز والفحم الحجري 80 في المائة من مصادر الطاقة في العالم، وأيضاً 80 في المائة من انبعاثات الغازات الدفيئة. ويبقى الرهان على وضع خطة للتخفيف من الاعتماد على مصادر الطاقة الثلاثة، التي تتناقض كلياً مع هدف تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة إلى أقلّ من 2 في المائة، لكن مع الأخذ في الحسبان معطى آخر لأرقام الأمم المتحدة، يُسجّل بأن الحاجة العالمية لمصادر الطاقة الثلاثة، سترتفع إلى حدود 37 في المائة من الآن إلى عام 2040.
وتواكب هذه القمة آمال قوية تقضي بوضع خطة تحوّل استراتيجية وجذرية، تُخفّف من الاعتماد على مصادر الطاقة الملوّثة، والاتجاه التدريجي نحو تبنّي الطاقات البديلة، بما فيها الطاقة النووية. وأمام المجتمعين في قمة باريس، مهلة 12 يوماً للتوافق حول المدة الزمنية لتطبيق معاهدة الحدّ من الاحتباس الحراري على المدى الطويل. ويبدو أن التاريخ الأقرب الذي قد تتفق حوله الوفود المشاركة هو عام 2050.
وإذا كانت اعتداءات باريس الدموية الأخيرة (13 نوفمبر الحالي) قد خفّفت قليلاً من درجة الاهتمام العالمي بالقمة وقراراتها الحاسمة والمنتظرة، في ما يخصّ مستقبل الكرة الأرضية، وتوجّه الاهتمام أكثر نحو الإرهاب بوصفه "التهديد الدولي الأول"، فإن التهديد البيئي لا يقلّ ضرراً وخطراً عن التهديد الإرهابي، لأن الأمر يتعلق باستقرار العالم وأمنه. ويرى البعض في الاحتباس الحراري "عدواً غير مرئي"، لكن نتائجه الكارثية واضحة للعيان، وتهدّد توازن الكوكب ومستقبل الإنسانية، في ظلّ تصاعد الظواهر المناخية القصوى، كالأعاصير والفيضانات والتصحّر وذوبان الثلوج.
الرهان الجوهري للاتفاق المأمول في قمة باريس، هو التوافق حول الإطار القانوني للمعاهدة الدولية للمناخ. في قمة دوربان ـ جنوب أفريقيا، في عام 2011، اتفقت الدول المشاركة على ضرورة وضع آلية قانونية للحدّ من التلوّث البيئي، تكون لها قوة إلزامية وترسانة من العقوبات في حال عدم الالتزام بها. ما يعني التوصل إلى معاهدة واضحة المعالم، توقّع عليها كل الدول المشاركة وتُصادق عليها لاحقاً كل برلماناتها.
غير أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، ردّ على كلام كيري، مؤكداً أن "اتفاق باريس المتوقع، إما أن يكون مُلزماً أو لا يكون". ما معناه أن فرنسا ترى بأنه إذا لم يتم التوافق حول البعد الإلزامي للاتفاق، فسيبقى هذا الأخير مجرد حبر على ورق من دون أي فعالية ملموسة.
اقرأ أيضاً: بابا الفاتيكان: أحياء أفريقيا الفقيرة جروح سببها عدم المساواة
والواضح أن الأمور ستسير في اتجاه وسطي، يضمن للاتفاق بعداً قانونياً ملزماً، والاحتفاظ في الوقت نفسه بنوع من المرونة، في حال عدم احترام الدول لتعهّداتها والتدابير المزمع اتخاذها للمساهمة في التخفيف من حدة الاحتباس الحراري. في هذا السياق، تعقد فرنسا آمالاً كبيرة على الصين، التي وافقت أخيراً على المشاركة في الجهود الدولية لاحتواء ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، والمحافظة على عدم تجاوز مستواها الدرجتين المئويتين. مع العلم أن الصين واحدة من أكبر الدول الملوّثة في العالم.
هناك رهان آخر لا يقلّ أهمية ويتعلق بالتمويل، ففي قمة كوبنهاغن ـ الدنمارك (2009)، اتفقت الدول الغنية على تخصيص "غلاف" مالي يبدأ من 30 مليار دولار سنوياً في عام 2015 ويصل إلى 100 مليار دولار في عام 2020، وذلك لمساعدة الدول الناشئة والفقيرة في مواجهة التحوّلات المناخية، وتعويضها عن الخسائر الاقتصادية التي ستترتّب على إجراءات الحدّ من انبعاثات الغازات الملوثة. غير أن الأمم المتحدة اعتبرت أن هذا الغلاف المالي يعتبر بمثابة "حدٍ أدنى فقط، لأن احتياجات الدول الناشئة وتلك التي في طور النمو أكبر بكثير". وهذه الدول عاجزة عن تخصيص ميزانية لخطط الحدّ من الاحتباس الحراري، ومراجعة سياساتها بخصوص بنيتها التحتية العامة والبنى التحتية الضرورية لسياستها التنموية.
ويبقى الهاجس الأساسي لقمة باريس هو القدرة على التوصّل في المديين المتوسط والبعيد، إلى التخلي التدريجي عن البترول والغاز والفحم الحجري، كمصادر للطاقة، كونها المسؤولة الأولى عن التلوّث البيئي وارتفاع حرارة الأرض. كما أن تقارير الأمم المتحدة تؤكد بأن الموارد العالمية من البترول ستختفي في الـ52 عاماً المقبلة، والغاز في حدود الـ54 عاماً، والفحم الحجري في حدود الـ110 أعوام. ويُشكّل البترول والغاز والفحم الحجري 80 في المائة من مصادر الطاقة في العالم، وأيضاً 80 في المائة من انبعاثات الغازات الدفيئة. ويبقى الرهان على وضع خطة للتخفيف من الاعتماد على مصادر الطاقة الثلاثة، التي تتناقض كلياً مع هدف تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة إلى أقلّ من 2 في المائة، لكن مع الأخذ في الحسبان معطى آخر لأرقام الأمم المتحدة، يُسجّل بأن الحاجة العالمية لمصادر الطاقة الثلاثة، سترتفع إلى حدود 37 في المائة من الآن إلى عام 2040.
وتواكب هذه القمة آمال قوية تقضي بوضع خطة تحوّل استراتيجية وجذرية، تُخفّف من الاعتماد على مصادر الطاقة الملوّثة، والاتجاه التدريجي نحو تبنّي الطاقات البديلة، بما فيها الطاقة النووية. وأمام المجتمعين في قمة باريس، مهلة 12 يوماً للتوافق حول المدة الزمنية لتطبيق معاهدة الحدّ من الاحتباس الحراري على المدى الطويل. ويبدو أن التاريخ الأقرب الذي قد تتفق حوله الوفود المشاركة هو عام 2050.
اقرأ أيضاً: الأمم المتحدة: الكوارث المناخية تحدث بشكل يومي تقريباً