14 نوفمبر 2024
قمة اللعب في الوقت الضائع
مسمار آخر دقّته القمة العربية في تونس في نعش النظام الرسمي العربي، وكشفت، بما لا يدع مجالا للشك، إفلاسه وعجزَهُ المريع عن التفاعل مع ما تشهده المنطقة من فوضى وعنف وعدم استقرار. بدا واضحا في القمة أن هذا النظام ماضٍ في تجاهله الإشارات التي ما فتئت ترسلها الشعوب العربية، بشأن تطلعاتها المشروعة إلى الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية والسلم الأهلي. وإذا كان عدمُ الالتحام بالواقع، والقفزُ على حقائقه، سمةً أساسيةً طبعت معظم القمم السابقة، فاللافت أن ذلك بات، الآن، أكثر دلالةً بعد الزلزال الذي أحدثته ثورات الربيع العربي في السياسة العربية.
الاستمرار في معاداة الديمقراطية، وإجهاض مشاريعها الفتية، لا يمكن تفسيرهما إلا باستمرار تحكم محور الثورة المضادة في مساحاتٍ لا يستهان بها في هذه السياسة، والإصرارِ على ترك الأبواب المتداعية لجامعة الدول العربية مغلقةً أمام رياح التغيير التي تهبّ على المنطقة، والتي تعكس رغبة شعوب المنطقة في الانتقال بأوطانها إلى طور سياسي واجتماعي جديد، ينحاز فيه الحكام إلى خيار الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون ومكافحة الفساد.
عدمُ تَضمين البيان الختامي لقمة تونس هذه التطلعات لا يعكس فقط انفصام النظام الرسمي العربي عن الواقع، وعجزه عن مجاراة سرعته في إفراز الأحداث والديناميات، بل يعكس، أيضا، ازدراءً للحراك الشعبي، بما أصبح يحيل عليه من قدرةٍ لافتةٍ على إنتاج السياسة بعيدا عن مواقعها التقليدية. وبطبيعة الحال، يُترجم هذا الوضع ميزانَ قوى معينا داخل هذا النظام، تحتل فيه القوى السياسية العربية المحافظةُ مواقع تسمح لها، بحكم نفوذها المالي والسياسي، بمناهضة التغيير والتصدّي لمختلف دينامياته وتطويقها، مع ما يعنيه ذلك من إبقاء المنطقة في الاستبداد والتخلف والفساد.
لا يمكن لهذا النظام، بحكم طبيعته التقليدية المحافظة، أن يسمح بفتح دروبٍ أمام ثقافة سياسية حديثة، تسهم في تشكيل ملامح مشروع ديمقراطي حداثي، يرتكز على الحكم المدني واحترام الحقوق والحريات وسيادة القانون، ويقطع مع السياسة، باعتبارها مغنما شخصيا وعائليا وحزبيا.
مؤشّر آخر دل على ازدراء هذا النظام الشارعَ العربي واستغبائه، فماذا يعني تأكيد البيان الختامي للقمة على مركزية فلسطين والقدس في العمل العربي المشترك، بينما تبذل دول عربية معلومة جهودا جبارة داخل كواليس السياسة الدولية لتسويق "صفقة القرن"، والالتفاف على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، في أفق التصفية النهائية للقضية، هذا من دون أن نغفل التعاون الأمني والاستخباراتي والسياسي الذي يربط إسرائيل بهذه الدول، والذي يبدو أنه قطع أشواطا بعيدة. وماذا تعني الإحالة، كذلك، على مبادرة السلام العربية 2002 التي تجاوزتها الأحداث، أمام تجاهل إسرائيل لها، واستمرارها في سياساتها العدوانية والعنصرية إزاء الفلسطينيين، واعترافِ الولايات المتحدة بسيادتها على القدس والجولان السوري.
تضمين الثوابت العربية ذات الصلة بفلسطين والجولان في البيان الختامي، فضلا عن طابعه الشكلي والدعائي، يُراد منه التغطية على نزوع محور الثورة المضادة إلى تعليق مشكلات المنطقة على المشجبين، الإيراني والتركي، بمعنى أن الإتيان على فلسطين والجولان ليس إلا ذريعةً لبناء عقيدة استراتيجية إقليمية، تنبني على تعبئة الموارد العربية، وتوجيهها نحو إيران، وبدرجة أقل نحو تركيا، وهي الاستراتيجية التي تتغذّى على تحالف هذا المحور مع إسرائيل والولايات المتحدة، وتطلعه للانفراد بتدبير قضايا المنطقة الملتهبة.
مؤكّدٌ أن جامعة الدول العربية وصلت إلى سقفها السياسي والتنظيمي، لا سيما بعد الأحداث الكبرى التي أعقبت الربيع العربي، وأصبحت عبئا ثقيلا على كاهل شعوب المنطقة، في ظل غياب حدٍّ أدنى من الاعتماد المتبادل بين أعضائها في التعاطي مع المتغيرات الإقليمية والدولية، وتزايدِ حدة الاستقطابات العربية بشأن عدد من القضايا، ورفضها استيعاب مطالب التغيير السياسي والاجتماعي التي تجتاح أكثر من بلد عربي.
تعكس مخرجات قمة تونس إصرار النظام العربي على اللعب في الوقت الضائع، وتجاهلِ الأسباب العميقة التي تقف خلف الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت موجتها الأولى قبل ثمانية أعوام، وتتواصل الآن، في السودان والجزائر، في موجةٍ ثانيةٍ تبدو أكثر نضجا، وقدرة على استخلاص العبر والدروس من سابقتها.
الاستمرار في معاداة الديمقراطية، وإجهاض مشاريعها الفتية، لا يمكن تفسيرهما إلا باستمرار تحكم محور الثورة المضادة في مساحاتٍ لا يستهان بها في هذه السياسة، والإصرارِ على ترك الأبواب المتداعية لجامعة الدول العربية مغلقةً أمام رياح التغيير التي تهبّ على المنطقة، والتي تعكس رغبة شعوب المنطقة في الانتقال بأوطانها إلى طور سياسي واجتماعي جديد، ينحاز فيه الحكام إلى خيار الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون ومكافحة الفساد.
عدمُ تَضمين البيان الختامي لقمة تونس هذه التطلعات لا يعكس فقط انفصام النظام الرسمي العربي عن الواقع، وعجزه عن مجاراة سرعته في إفراز الأحداث والديناميات، بل يعكس، أيضا، ازدراءً للحراك الشعبي، بما أصبح يحيل عليه من قدرةٍ لافتةٍ على إنتاج السياسة بعيدا عن مواقعها التقليدية. وبطبيعة الحال، يُترجم هذا الوضع ميزانَ قوى معينا داخل هذا النظام، تحتل فيه القوى السياسية العربية المحافظةُ مواقع تسمح لها، بحكم نفوذها المالي والسياسي، بمناهضة التغيير والتصدّي لمختلف دينامياته وتطويقها، مع ما يعنيه ذلك من إبقاء المنطقة في الاستبداد والتخلف والفساد.
لا يمكن لهذا النظام، بحكم طبيعته التقليدية المحافظة، أن يسمح بفتح دروبٍ أمام ثقافة سياسية حديثة، تسهم في تشكيل ملامح مشروع ديمقراطي حداثي، يرتكز على الحكم المدني واحترام الحقوق والحريات وسيادة القانون، ويقطع مع السياسة، باعتبارها مغنما شخصيا وعائليا وحزبيا.
مؤشّر آخر دل على ازدراء هذا النظام الشارعَ العربي واستغبائه، فماذا يعني تأكيد البيان الختامي للقمة على مركزية فلسطين والقدس في العمل العربي المشترك، بينما تبذل دول عربية معلومة جهودا جبارة داخل كواليس السياسة الدولية لتسويق "صفقة القرن"، والالتفاف على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، في أفق التصفية النهائية للقضية، هذا من دون أن نغفل التعاون الأمني والاستخباراتي والسياسي الذي يربط إسرائيل بهذه الدول، والذي يبدو أنه قطع أشواطا بعيدة. وماذا تعني الإحالة، كذلك، على مبادرة السلام العربية 2002 التي تجاوزتها الأحداث، أمام تجاهل إسرائيل لها، واستمرارها في سياساتها العدوانية والعنصرية إزاء الفلسطينيين، واعترافِ الولايات المتحدة بسيادتها على القدس والجولان السوري.
تضمين الثوابت العربية ذات الصلة بفلسطين والجولان في البيان الختامي، فضلا عن طابعه الشكلي والدعائي، يُراد منه التغطية على نزوع محور الثورة المضادة إلى تعليق مشكلات المنطقة على المشجبين، الإيراني والتركي، بمعنى أن الإتيان على فلسطين والجولان ليس إلا ذريعةً لبناء عقيدة استراتيجية إقليمية، تنبني على تعبئة الموارد العربية، وتوجيهها نحو إيران، وبدرجة أقل نحو تركيا، وهي الاستراتيجية التي تتغذّى على تحالف هذا المحور مع إسرائيل والولايات المتحدة، وتطلعه للانفراد بتدبير قضايا المنطقة الملتهبة.
مؤكّدٌ أن جامعة الدول العربية وصلت إلى سقفها السياسي والتنظيمي، لا سيما بعد الأحداث الكبرى التي أعقبت الربيع العربي، وأصبحت عبئا ثقيلا على كاهل شعوب المنطقة، في ظل غياب حدٍّ أدنى من الاعتماد المتبادل بين أعضائها في التعاطي مع المتغيرات الإقليمية والدولية، وتزايدِ حدة الاستقطابات العربية بشأن عدد من القضايا، ورفضها استيعاب مطالب التغيير السياسي والاجتماعي التي تجتاح أكثر من بلد عربي.
تعكس مخرجات قمة تونس إصرار النظام العربي على اللعب في الوقت الضائع، وتجاهلِ الأسباب العميقة التي تقف خلف الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت موجتها الأولى قبل ثمانية أعوام، وتتواصل الآن، في السودان والجزائر، في موجةٍ ثانيةٍ تبدو أكثر نضجا، وقدرة على استخلاص العبر والدروس من سابقتها.