لا يخفي الأكراد، مواطنون ومسؤولون، قلقهم من المرحلة المقبلة من العملية السياسية في ظل حكومة حيدر العبادي الجديدة، إذ دعا أحد السياسيين البارزين الى الانتباه لخطورة المرحلة المقبلة.
وللمرة الأولى منذ اطاحة نظام حكم، صدام حسين، في 2003 يتفق الأكراد على حدث كبير وهو تمرير الحكومة الجديدة، هذا التطور غير المسبوق يدفع بالكثير من الأكراد إلى القلق من تراجع الدور الكردي ببغداد، بعدما كانوا يوصفون بأنهم بيضة القبان في العملية السياسية في العراق.
وقال نائب رئيس الوزراء العراقي السابق، برهم صالح، في ورقة كتبها على موقعه الشخصي "قبل أربع سنوات، توافد الشيعة، والسنة، والأكراد، وممثلو الولايات المتحدة الأميركية، وإيران، والأمم المتحدة على مدينة أربيل وذلك انتظاراً لمبادرات من الأكراد لحل عقدة تشكيل حكومة جديدة، لكن أمس (الاثنين الماضي) انعقد البرلمان العراقي ومنح الثقة لحكومة حيدر العبادي، من دون حضور ممثلي الأكراد أو انتظار لقرار القيادة الكردية حول قرار المشاركة بالحكومة من عدمه".
وأضاف أن "الفرق بين مشهد 2010 وأمس بالبرلمان العراقي خطير، ويثير أسئلة هامة حول وجهة وآلية سياساتنا، سواء المتعلقة بالعمل من أجل الحفاظ على موقعنا ودورنا في الصراعات الداخلية في العراق والمنطقة، أو الذهاب في مشروع الاستقلال، نحن بحاجة إلى وقفة صادقة إزاء آليات القرار السياسي والاداري لدينا".
وتابع: "هذا التغيير في موقع وتأثير الأكراد يتعلق باهمال تراكم المشاكل في بيتنا، وخاصة ضعف الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطنين ولاقليم كردستان، والتهديدات الأمنية، والمشاكل الجذرية لتركيبة قوات البيشمركة التي لم تتحول إلى مؤسسة وطنية مسلحة جيداً وموحدة، كذلك اهمال توازنات المنطقة وعلاقاتنا مع الجوار والقوى الكبرى".
ودعا صالح إلى "إعادة تنظيم البيت الكردي باتجاه تقوية المؤسسات الشرعية في اقليم كردستان وتوفير فرص متساوية للمواطنين بعيداً عن المحسوبية والاحتكار واعادة النظر في عملية اصدار القرارات".
ومع الأنباء التي أشارت إلى وجود ضغوط أميركية على الأكراد للمشاركة بحكومة العبادي، أصدرت رئاسة اقليم كردستان بياناً نفت فيه وجود أية ضغوط، إلا أن البيانات والتصريحات التي صدرت عن المسؤولين الأكراد توضح القلق والاستياء إزاء مواقف التحالف الشيعي.
وقال مسؤولون أكراد إن المفاوضين الشيعة لم يعطوا التزامات واضحة إزاء المطالب الكردية، وقاموا باجراء تعديلات من طرف واحد على ورقة اتفاق بين الجانبين، بحيث غيروا نقطة صرف مستحقات اقليم كردستان المالية المترتبة بذمة الحكومة إلى منح سلفة للاقليم وأزالوا التوقيتات الزمنية التي تجبر بغداد على تنفيذ أي من نقاط الاتفاق.
وأظهر ممثلون عن القيادة الكردية تشدداً واضحاً إزاء نوايا التحالف الوطني الشيعي، عندما أعلنوا انهم يمكن أن يتراجعوا وينسحبوا من بغداد بعد ثلاثة أشهر إذا لم ينفذ العبادي مطالبهم.
وحرص رئيس الاقليم، مسعود بارزاني، على توجيه تحذير إلى العبادي، عندما وجه برقية تهنئة له بمناسبة المصادقة على حكومته أمس الثلاثاء، داعياً إياه إلى "عدم تكرار أخطاء سلفه"، وقال بارزاني في رسالته انها "فرصة جيدة أُتيحت للعمل معاً على عدم تكرار أخطاء الحكومة السابقة، ومراعاة شروط ومطالب الكرد، والعمل على حفظ استقرار البلاد والقضاء على الارهابيين".
ووجد كبير المفاوضين الأكراد، هوشيار زيباري، نفسه في موقف محرج وهو يجيب عن أسئلة الصحافيين يوم الاثنين الماضي عن الضمانات التي حصلوا عليها بالتزام حكومة العبادي بمطالب الأكراد، وقال بنبرة غلب عليها التشنج "وجود الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة وأصدقائنا في البرلمان العراقي هو الضمان".
لكن تراكم المشاكل بين الأكراد وبغداد على مدى 11 عاماً، ووجود قضايا خلافية معقدة بينهما مثل إدارة قطاع النفط وحسم مصير مناطق متنازع عليها بينها كركوك الغنية بالنفط، يجعل من الصعب على أية حكومة عراقية اعطاء ضمانات حقيقية لتنفيذها.
وقال البرلماني الكردي، شورش حاجي، إن "مشاركة الأكراد بالحكومة من دون التزام العبادي بالمطالب الكردية لا فائدة من وراءها".
وكل ما كان ممكناً من الأكراد الاشارة إليه بالنسبة لمواقف مؤيدة لهم في مفاوضات تشكيل الحكومة مع الشيعة هي العبارة التي سمعوها من مساعد نائب وزير الخارجية الأمركية، عندما قال للمفاوضين الأكراد: "أزحنا نوري المالكي ومن كان يعاديكم من السلطة، وأبعدنا الشهرستاني عن ملف الطاقة وجئنا بصديقكم عادل عبد المهدي وزيراً للنفط"، وكان يعني بذلك أن على الأكراد أن يذهبوا إلى بغداد للمشاركة في الحكم.
أما الكاتب السياسي الكردي، ريبوار كريم، فقد أكد أن هناك فتوراً واضحاً في الموقف الكردي من المشاركة في العملية السياسية في العراق.
وأضاف في مقال نشره بصحيفة "روداو" الكردية، التي تصدر في اربيل، "بخلاف المرات السابقة، حيث كان الأكراد يتابعون بحرارة مفاوضات تأليف الحكومة ببغداد، الناس غير مهتمين هذه المرة. اهتمامهم هو برواتبهم والميزانية التي حجبها المالكي".
وعزا ضعف الوضع الكردي إلى "الانقسام بين قطبي السياسة الكردية، حزب رئيس الاقليم، مسعود بارزاني، والرئيس العراقي السابق، جلال طالباني، إذ يدفع حزب الطالباني بقوة إلى ربط اقليم كردستان كما بغداد بإيران والحكم الشيعي، فيما يدفع بارزاني بعكس ذلك الاتجاه". ويعد موقف بارزاني قريباً من تركيا والغرب، فيما موقف طالباني وحزبه مقرب من ايران والشيعة.