قلق في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من تداعيات سياسات ترامب

12 نوفمبر 2016
تتخوف إسرائيل من تفجر انتفاضة فلسطينية(أحمد جرابلي/فرانس برس)
+ الخط -
في الوقت الذي تبدي فيه المحافل السياسية الإسرائيلية ارتياحاً لفوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية، بفعل مواقفه الأولية المعلنة، التي تبشر بالعزوف عن دور فاعل وضاغط على إسرائيل في الملف الفلسطيني ككل، دخلت الأوساط العسكرية والأمنية في إسرائيل، في حالة استنفار شديد سعياً لمحاولة استشراف سياسات ترامب الإقليمية والدولية، خصوصاً في بؤر النزاعات الساخنة، وتداعيات ذلك على الأمن الإسرائيلي والتحديات العسكرية، بدءاً من سورية ومصر وانتهاءً باشتعال الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وفي هذا السياق، تبيّن أنه إلى جانب التقرير وتقدير الموقف الذي أعده قسم الأبحاث والاستخبارات في وزارة الخارجية، وخلص إلى الاعتقاد بأن ترامب سيقلص من الدور الأميركي في الملفات العالمية وفي مقدمتها الشرق الأوسط، فإن أجهزة الاستخبارات العسكرية، والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، خصوصاً قسم التخطيط في وزارة الأمن الإسرائيلي، بدأ يتابع بشكل مكثف كل صغيرة وكبيرة تتعلق بتغيير موازين القوى في المنطقة، ونقل وتغيير قطع عسكرية في بؤر الصراع الإقليمية، وذلك خوفاً من مفاجآت أو تطورات دراماتيكية خلال فترة السبعين يوماً المتبقية بين نهاية عهد الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ودخول رئيس أميركي جديد البيت الأبيض، ما قد يغري أطرافاً فاعلة في المنطقة باستغلال هذه الفرصة لفرض وقائع وحقائق جديدة، مثل اشتعال الغضب في القدس المحتلة والضفة الغربية، أو تنفيذ عمليات كبيرة على الحدود الإسرائيلية المصرية، ودخول قوات من "ولاية سيناء"، التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، أو حتى تصعيد عسكري في قطاع غزة، وهذا كله يعتبر في العرف الإسرائيلي في الدائرة الأولى. وعليه تولي الأجهزة الإسرائيلية أهمية لكل تغيير، مهما كان صغيراً، في نشاط التنظيمات الفاعلة في سورية، خلافاً لما كان عليه الوضع في الفترة السابقة.

وتنطلق المؤسسة الأمنية والعسكرية في إسرائيل في تخطيطها للمرحلة الجديدة من حقيقة أن أوباما دخل البيت الأبيض في ميزان دولي يقوم على وجود دولة عظمى واحدة، لكنه يغادر الآن مع ظهور وعودة نشاط عدة دولة عظمى في المنظومة العالمية، ستحاول كل منها في الفترة المتبقية من ولاية أوباما فرض تحديات جديدة أمام الرئيس المقبل. فمن شأن الصين مثلاً، تحدي ترامب عبر تصعيد الخلاف مع الولايات المتحدة حول مسألة الجزر في جنوبي بحر الصين وإزاحة أنظار العالم عن المسألة السورية والشرق الأوسط إلى بحر الصين. وفي حال خفف الأميركيون من مستوى نشاطهم في سورية، فسيعني ذلك أخباراً سارة لكل من إيران و"حزب الله"، وليس فقط للمنظمات المتشددة، وسيؤثر هذا بشكل مباشر على الوضع على الحدود الإسرائيلية مع سورية ولبنان.

وفي ظل التحليل الإسرائيلي حول وضع المنظومة الدولية والقوى الدولية الصاعدة، فإنه من شأن "الوقاحة الروسية"، بحسب ما ينشر أليكس فيشمان في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، مثلاً، أن تشعل حرائق في عدة بؤر ساخنة، بما فيها في الشرق الأوسط، في الوقت الذي تحاول فيه إسرائيل سبر غور عمق "شهر العسل" المتوقع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وترامب، من دون إسقاط خيار وقوع تناقض في المصالح بين الطرفين، يقودهما إلى مسار تصادمي واضح، بما في ذلك في سورية. ويشير التقرير إلى أن أوباما يترك خلفه سلسلة من الملفات المفتوحة، وفي مقدمتها معركة الموصل ومصير "داعش"، علماً بأن المقصود من الموعد الذي اختير لمعركة الموصل كان أن يؤتي ثماره قبل نهاية ولاية أوباما، بما يحقق له قطف ثمار المعركة كجزء من ميراثه، إلا أن التطورات الميدانية توحي بأن المعركة ستستمر إلى ما بعد دخول ترامب إلى البيت الأبيض. كما يترك أوباما خلفه فوضى عارمة في الشرق الأوسط ككل: الأزمة السورية، مشاكل في استقرار النظام المصري، علاقات إشكالية مع تركيا، وملف وراثة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، مع كل ما يتصل به من حرب داخلية على وراثة السلطة الفلسطينية، وهي ملفات يمكن لكل منها أن يأخذ منحى مفاجئاً وغير متوقع في الأيام السبعين المتبقية لإدارة أوباما. وفوق هذا كله، فإن من شأن القرار السعودي بوقف ضخ النفط إلى مصر أن يدفع بالأخيرة للتوجه إلى روسيا بطلب السلاح، وإلى إيران بطلب النفط، مع كل التداعيات المحتملة لمثل هذا التطور على صعيد العلاقات المصرية الإسرائيلية.

ومن بين كل هذه الملفات، فإن أحد أكثر الملفات خطورة بنظر المؤسسة الإسرائيلية، هو الملف الفلسطيني وتفجر انتفاضة شعبية، سواء كانت بتوجيه من حركة "حماس" أم من السلطة الفلسطينية نفسها، رداً على سياسات ترامب وسعيه للابتعاد عن أي انشغال بالمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وترك ذلك لما يتفق عليه الطرفان في مفاوضات مباشرة من دون أي نية لفرض أي إملاءات على إسرائيل، بحسب التصريح الخاص الذي نشره ترامب عبر صحيفة "يسرائيل هيوم". وبحسب فيشمان، فإن سيناريو اشتعال الأراضي المحتلة، في حال تحقق، لن يكون مفاجئاً لقيادة المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال المسؤولة عن الضفة الغربية، إذ لا تستبعد الأوساط العسكرية أن تجد إسرائيل نفسها، في هذه الفترة الانتقالية للحكم في الولايات المتحدة، وأيضاً بفعل التوتر الشديد الداخلي في الضفة الغربية المحتلة، أمام مواجهة عنيفة مع الفلسطينيين.

ومع أن حكومة الاحتلال، والمستوى السياسي الحاكم في إسرائيل، ترى أن هذا الموقف أفضل ما يمكن أن تحصل عليه حكومة إسرائيل من الولايات المتحدة، أي القبول بالموقف الإسرائيلي الحالي مائة في المائة، فإن المؤسسة العسكرية وأجهزة الأمن، تنظر بقلق إلى التداعيات الخطيرة لهذا الأمر من حيث رد فعل الجانب الفلسطيني، سواء جاء الرد شعبياً وعفوياً، أم موجهاً من القيادات في السلطة الفلسطينية. فمن شأن اشتعال الملف الفلسطيني أن يفرض في نهاية المطاف على المجتمع الدولي إعادة إدراج القضية الفلسطينية على جدول أعماله، فيما يحاول رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، إزاحتها جانباً قدر الإمكان والتقليل من شأن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني واعتباره نزاعاً محلياً (إقليمياً) يمكن للمنظومة العالمية التعايش معه.

وفيما يحاول نتنياهو، منذ أشهر، الترويج لمخاوف من إقدام أوباما في ما تبقى له من وقت في البيت الأبيض، إطلاق مبادرة أو ترك خطاب يقيد الإدارة الأميركية المقبلة في الشأن الفلسطيني، كجزء من ميراثه، على غرار الخطوة التي أقدم عليها رونالد ريغان في العام 1988 قبل مغادرته البيت الأبيض عند اعترافه بمنظمة التحرير الفلسطينية، ومن ثم بيل كلينتون في خطابه الرئاسي الأخير في العام 2000، فإن التقديرات في وزارة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية، بحسب ما ينقله فيشمان، لا ترجح إقدام أوباما على مثل هذا الأمر. مع ذلك ينقل فيشمان أن توجهاً آخر في الأجهزة الإسرائيلية يشير إلى أن أوباما، خصوصاً بفعل انتخاب ترامب، من شأنه أن يقدم على واحدة من ثلاث خطوات: تحديد مسار لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي عبر خطاب رئاسي، وتحريك وإطلاق مبادرة أميركية لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي، يقيّد الرئيس الجديد. والخطوة الثالثة، وهي عملياً أشد ما يخشاه نتنياهو، أن تعطي إدارة أوباما ضوءاً أخضر لتمرير المبادرة الفرنسية في مجلس الأمن الدولي وعدم استخدام حق النقض (الفيتو).

المساهمون