قلعة قايتباي... من صالة أفراح إلى مطعم سياحي

29 يوليو 2018
مهندس القلعة يدعى "قاغماس العشقي" وهو من المماليك(Getty)
+ الخط -
مرة أخرى تعود قلعة قايتباي بالإسكندرية إلى واجهة الجدل، بعد أن قرر المحافظ طرح لسان القلعة للتأجير عبر مزاد علني من أجل تحويل المكان إلى مطعم سياحي، وذلك دون إخطار وزارة الآثار. ولسان القلعة المستهدف هو الممر الذي يمتد داخل البحر ويعد من الحرم المحيط بالقلعة.

وفور إعلان المحافظة عن إجراء مزاد مطلع الشهر القادم؛ تعالت الأصوات المعارضة لهذا القرار، أبرزها أصوات من وزارة الآثار التي يقع المكان ضمن مسؤولياتها، دعمتها أصوات تتحدث عن قيمة المكان كونه متنزهاً مجانياً تاريخياً لأهالي الإسكندرية. وقد أسفر هذا الجدل عن تراجع محافظة الإسكندرية عن القرار، وإرسال الملف إلى وزارة الآثار للبت فيه، مع إغراء للآثار بالشراكة في ربحية المشروع إذا هي وافقت عليه. وتعد هذه المرة الثانية التي تتجه فيها الأنظار نحو القلعة الأثرية منذ سنة 2016 بعدما صدر قرار بتحويل ساحة القلعة الأثرية إلى قاعة أفراح!
وتعود قلعة قايتباي إلى القرن الخامس عشر، إذ كانت واحدة من أهم المعاقل الدفاعية عن السواحل المصرية في العصرين المملوكي والعثماني. وهي من أبرز معالم الإسكندرية، حيث تقع على الجانب الشرقي لجزيرة فاروس عند مصب الميناء الشرقي.

أقيمت القلعة في موقع الفنارة الشهيرة القديمة "منارة الإسكندرية" التي كانت إحدى عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، واستمرت بالعمل حتى وقت الفتح العربي لمصر. وقد أصابتها كوارث عديدة، حتى تغير شكلها، لكن المنارة استمرت في العمل إلى أن جرى ترميمها في عهد أحمد بن طولون. ولكن في عهد السلطان محمد بن قلاوون ضربها زلزال كبير قضى عليها.

في حوالي عام 1480م حصَّن السلطان المملوكي قايتباي المكانَ، وشيّد القلعة لمواجهة جيش الدولة العثمانية التي كانت تتهدد مصر في ذلك الوقت. واستمرت القلعة في العمل بقية العهد المملوكي ثم العثماني. وفي أيّام الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابوليون بونابرت، استولى الفرنسيون على القلعة ثم على مدينة الإسكندرية بكاملها، ثم استعادت القلعة مكانتها بعد رحيل الفرنسيين، إلى أن جاء القصف البريطاني للإسكندرية عام 1882، ويومها جرى تخريب القلعة وتشققت جدرانها نتيجة القصف المدفعي. وانسحبت القلعة من تحت الأضواء وأصبحت مهملة حتى القرن العشرين عندما أجريت عدة محاولات لترميمها.

تبلغ مساحة القلعة 150 متر طولاً و130م عرضاً، ويحيط بها البحر المتوسط من ثلاث جهات، وتحيط بها الأسوار الخارجية التي تضم الأبراج الدفاعية التي توجد في الزوايا الأربع للجدار الخارجي، ويوجد في الداخل جدارٌ آخر كان مُخصصاً لثكنات الجنود ومخازن الطعام والعتاد الحربي. وفي الساحة الرئيسية بداخل القلعة يقع برج على شكل قلعة مربعة الأضلاع ترتفع عن الأرض مسافة 17 متراً، ويبلغ طول ضلع قاعدتها 30 متراً.
الأبراج الرئيسية الموجودة على الجدار الخارجي مجهزة بفتحات محصنة يمكن للجنود من خلالها إطلاق السهام والنيران على المهاجمين للقلعة. وفي عهد محمد علي باشا جرى تزويد القلعة بالمدافع الساحلية وتقوية تحصيناتها في القرن التاسع عشر، وظلت كذلك حتى الاحتلال البريطاني.

وتتكون القلعة من طابقين؛ الأول به المسجد والممرات التي يتحرك بها الجند عند أعمال الدفاع عن القلعة، أما الطابق الثاني ففيه حجرات وقاعات لاستخدام القادة والسلطان عند حضوره للقلعة. حيث كان قايتباي يحرص على الحضور لمتابعة شؤون القلعة بنفسه. وبالطابق الثاني أيضا طاحونة للغلال ومخبز لخدمة الجنود والمقيمين بالقلعة بصورة مستقلة عن الخارج المحيط بها.

كان مهندس القلعة يدعى "قاغماس العشقي" وهو من المماليك المجلوبين من سورية، وخلال حكم قايتباي ذاع صيته وقرّبه السلطان منه وعينه نائب الملك في الإسكندرية، ثم بعد ذلك عيّنه حاكما لسورية. وكان قاغماس ذكيّاً متواضعاً، وأشْرف على العديد من الإنشاءات في عهد قايتباي، واستمر في العمل لبناء القلعة عامين، وأنفق عليها الميزانية التي خصصها السلطان للبناء وهي أكثر من مائة ألف دينار.
المساهمون