قضيّة فرخندة لم تُغلق بعد

23 ابريل 2016
تظاهرة تطالب بتحقيق العدالة (هارون ساباوون/الأناضول)
+ الخط -
في 19 مارس/آذار عام 2015، ادّعى أحد المشعوذين ويدعى زين الدين، وبعد مشادة كلامية مع الأفغانية، فرخندة مالك زاد، أن الأخيرة أحرقت مصحفاً. حدث ذلك وسط سوق شاه دوشمشيرة القريب من القصر الرئاسي وعدد من المقرات الحكومية في أفغانستان، وعلى مرأى من رجال أمن. في ذلك اليوم، لم تسمع الحشود الغاضبة استغاثات الفتاة، وسحلتها وأحرقتها حتى الموت. بعدها، داستها سيارة وأُحرق جثمانها في وضح النهار.

بعد ساعات على وقوع هذه الجريمة، وصف الكثير من شيوخ القبائل وعلماء الدين ما حدث بالعمل البطولي، لأن فرخندة أحرقت مصحفاً كما اعتقدوا. لكن بعد كشف القناع عن تفاصيل القصّة، تبيّن أن الفتاة بريئة، وذنبها أنها تصدّت للرجل الذي يكذب على الناس ويبيع الأحجبة من أجل التقريب والتفريق وجلب الحظ والرزق. وكان يفترض برجال الأمن المتواجدين في موقع الحادث الأليم المساهمة في حماية الفتاة من قبضة المشعوذين والمواطنين الغاضبين، إلا أنهم ساهموا في سحل الفتاة وقتلها.

الصور والفيديوهات، التي سجّلها بعض المواطنين، بالإضافة إلى أقوال شهود عيان آخرين، أثبتت أن المشعوذين هم المسؤولون عن الجريمة، وقد اعترف الجناة الذين اعتقلوا بالأمر. القضيّة أثارت استياء الأفغان، وشهدت البلاد تظاهرات حاشدة تطالب بمحاكمة المتورّطين ومعاقبتهم، من دون أن ينسوا أولئك (رجال دين وشيوخ قبائل) الذين وصفوا هذه الجريمة المروّعة بالعمل البطولي. من جهتهم، اعترف عدد من هؤلاء بخطئهم، معلنين أن الفتاة بريئة. وزار بعضهم أهل الضحية من أجل طلب العفو.

وتجدر الإشارة إلى أن سحل وقتل فتاة على مرأى من الناس يعد سابقة في أفغانستان، علماً بأن الناس يتقيّدون بالأعراف والتقاليد. ويعد رفع الرجل يده على امرأة عاراً. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الجريمة المروّعة دفعت مجموعة من النساء في ذلك الوقت إلى المشاركة في تشييع فرخندة. أيضاً، شارك رجال ونساء في تظاهرات منددة بالجريمة ومطالبة بتحقيق العدالة.
هذا الحراك الشعبي، بالإضافة إلى المجتمع الدولي، شكل ضغوطاً على الحكومة الأفغانية وسلطات الأمن تحديداً، فسارعت إلى اعتقال أولئك الذين ثبت تورطهم في الجريمة بعد الاستماع إلى التسجيلات والفيديوهات.



في مايو/أيار الماضي، أصدرت المحكمة الأفغانيّة حكماً بإعدام أربعة أشخاص، من بينهم المشعوذون الذين تسبّبوا في قتل الفتاة، بعدما ادعوا أنها أحرقت نسخة من القرآن. أيضاً، حكمت على ثمانية رجال بالسجن 16عاماً، في حين برأت 18 آخرين. كذلك، حكمت المحكمة على 11 من رجال الأمن بالسجن لمدة عام، بتهمة التباطؤ في حماية الفتاة وإنقاذها من الحشود الغاضبة. في ذلك الوقت، أعلنت أسرة الضحية عدم ارتياحها للحكم، وطالبت بمراجعة القضية من جديد بنزاهة وشفافية.

وفي يوليو/تموز الماضي، وعلى عكس ما كانت تتوقع أسرة فرخندة، ألغت محكمة الاستئناف الأفغانية حكم الإعدام بحق أربعة أشخاص أدينوا بقتل وحرق وسحق الفتاة، الأمر الذي أثار استياء كثيرين وخصوصاً عائلة فرخندة. كذلك، حكمت على ثلاثة مدانين من أصل أربعة بالسجن 20 عاماً. أما الرابع، وهو حارس ضريح شاه دوشمشيرة، حيث ارتكبت الجريمة، ويدعى عمران، فقد حكم عليه بالسجن لمدة عشرة أعوام فقط. وقال شقيق الضحية نجيب الله إن ما حدث عبارة عن مسرحية.

الحكم لم يثر استغراب أسرة الضحية وحدها، بل إن الأوساط السياسية والإعلامية، وحتى بعض العاملين في الجسم القضائي، أعربوا عن استغرابهم حيال سير أعمال المحكمة، في ظل التعتيم الذي اعتمدته. وقال نجيب الله: إن القضاء لا يرحم أحداً، وقد كان مستبداً بحق أسرتنا التي عاشت الخوف وما زالت تعاني منه. ولم يكن منها إلا أن انتقدت القضاء الأفغاني، وخصوصاً بعد إلغاء حكم الإعدام بحق أربع مدانين.
وأخيراً، أعلنت الرئاسة الأفغانية فتح قضیة فرخندة مجدداً، وطلبت من المحكمة العليا النظر في القضية بنزاهة كاملة. وعلى الرغم من هذه الخطوة، لا تأمل أسرة فرخندة، بالإضافة إلى عدد من الناشطين في المجتمع المدني، خيراً من القضاء، في ظل الفساد المستشري في البلاد.
وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس الأفغاني، محمد أشرف غني، كان قد شكل لجنة ضمت قضاة ومسؤولين في وزارتي الداخلية والشؤون الدينية، للتحقيق في القضية. ولفتت اللجنة إلى أن الفتاة بريئة، وقد لفق المشعوذون هذه التهمة لها لأنها كانت تطالب المواطنين بعدم التوجه إليهم.

دلالات
المساهمون