تلقت الهيئات القضائية المصرية توجيهات حديثة من الدائرة الخاصة برئيس الجمهورية، عبد الفتاح السيسي، بعدم تحديد جلسات عاجلة لنظر الدعاوى المتبقية المرفوعة بشأن قضية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، حتى لا يعود الجدل بشأنها للساحة الإعلامية، خصوصاً بعد أن زار السيسي الأسبوع المنصرم مشروع "نيوم" الذي سيضم أراضي الجزيرتين. وذكرت مصادر قضائية مصرية أن "الدعاوى المتبقية من القضية في مجلس الدولة والمحكمة الدستورية ستتعرض للتجميد، ولن تنظر قريباً وبعضها أُحيل لهيئة المفوضين لتحضيره دون تحديد أجل لذلك".
في غضون ذلك، بدأ الدبلوماسي المصري السابق، إبراهيم يسري، جولة جديدة أمام القضاء المصري، وتحديداً أمام المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة، لإلغاء قرار التنازل عن الجزيرتين، وذلك بعد مرور نحو 3 أشهر على صدور حكم نهائي من المحكمة الدستورية العليا بإلغاء جميع الأحكام القضائية السابقة والمتناقضة الصادرة في القضية.
وأدى نشر حكم "الدستورية" في الجريدة الرسمية في 14 مارس/آذار الماضي إلى حيازته الحجية القانونية، ولم يعد جائزاً لأي محكمة أو جهة تنفيذية مخالفة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، علماً بأن الحكم كان قد صدر قبل ساعات من الزيارة الرسمية الأولى لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بعد توليه منصب ولي العهد، إلى القاهرة في 3 مارس الماضي.
وأقام يسري أخيراً دعوى "استمرار تنفيذ" أمام المحكمة الإدارية العليا وكيلاً عن بعض الحاصلين على حكم القضاء الإداري ببطلان التنازل عن الجزيرتين، وذلك للحصول على حكم جديد منها بالمضي قدما في تنفيذ حكم بطلان التنازل عن الجزيرتين الصادر العام الماضي، وعدم الالتفات إلى حكم "الدستورية" الصادر في مارس الماضي.
وطالبت الدعوى الجديدة بعدم الاعتداد بحكم المحكمة الدستورية، وأن تقضي مجدداً بالاعتداد فقط بالأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية العليا ومحكمة القضاء الإداري باعتبار الجزيرتين أرضاً مصرية خالصة لا يجوز التنازل عنها وفق المادتين 1 و151 من الدستور، وأن تلغى جميع الأحكام الصادرة عن محكمة الأمور المستعجلة باعتبارها محكمة غير مختصة بنظر المنازعة من الأصل.
وذكر يسري أن حكم "الدستورية خالف القانون المنظم لعمل المحكمة، التي تنصّ المادة 25 منه على أن المحكمة تختص بالفصل في التنازع بين حكمين نهائيين من محكمتين مختلفتين، ولم يخوّل المحكمة عدم الاعتداد بالحكمين المتناقضين معاً، مما يوضح التجاوز القانوني والدستوري الذي ارتكبته المحكمة لتلغي آثار الأحكام الإدارية الصادرة عن مجلس الدولة، بل إن المحكمة الدستورية بذلك نصبت نفسها كجهة للطعن الموضوعي على الأحكام الصادرة عن الإدارية العليا، وهو اختصاص لم يسنده الدستور لها".
وأضاف يسري أن "الحكم ارتكب خطأ جسيماً في توصيف المعاهدة، فأسبغ عليها وصف (اتفاقية دولية) متغاضياً عن أن مؤداها هو التنازل عن جزء من إقليم الدولة، ولا يمكن اعتبارها مجرد ترسيم للحدود البحرية، وفقاً لاتفاقية البحار وقانون البحار، لأن ترسيم الحدود البحرية لا يتعلق في الأوضاع العامة بالجزء التابع للدولة ولا يخصم من حدودها أو يضيف إلى إقليمها، بل هو تقسيم لحدود المياه وليس لحدود الإقليم".
وكشف يسري ثغرة في الحكم بأنه "التفت عن الطابع المؤقت للاتفاقية، لأن المادة الأولى منها أوجبت على كل من مصر والسعودية الاتفاق لاحقاً مع الأردن على نقطة الالتقاء المشتركة بين الحدود البحرية للدول الثلاث. وهو إجراء يتناقض مع المادة 74 من اتفاقية قانون البحار الصادرة عام 1982، بل ويمنع تطبيق قانون البحار عليها، لأنها بذلك أصبحت تتعدى كونها اتفاقية ثنائية بين دولتين متجاورتين، وبات الأمر يتعلق بترتيب إقليمي".
وأشار يسري إلى أن "ما يدعم أن التنازل عن الجزيرتين يتعلق بترتيب إقليمي، هو ثبوت استشراف الحكومة ممثلة في وزارة الخارجية برأي إسرائيل وإخطارها بتفاصيل الاتفاقية قبل دخولها حيز النفاذ وقبل اطلاع البرلمان عليها"، مؤكداً أن "هذا أمر غير مقبول يمس سيادة الدولة المصرية، ويومئ بصورة أو أخرى إلى أن مصر خاضعة لضغوط إسرائيلية إلى جانب الضغوط السعودية".
ورغم أن هذا الطعن يمثل جولة جديدة في الصراع القانوني بين الدولة والتيارات المعارضة لها حول الجزيرتين، إلّا أن السوابق القضائية تؤكد أنه لم يسبق للمحكمة الإدارية العليا أن التفتت عن تنفيذ حكم أصدرته المحكمة الدستورية، باعتبار أن تطبيق أحكام "الدستورية" جزء من النظام العام للقضاء المصري؛ مما يقلل حظوظ الدعوى الجديدة في القبول، تماما كالطعن الذي أقامه يسري أمام "الدستورية" ذاتها في مايو/أيار الماضي لتتراجع عن حكمها الأخير.
وكانت المحكمة الدستورية قد ذكرت في حيثيات حكمها المطعون عليه حالياً أن اتفاقية ترسيم الحدود تعتبر من "الأعمال السياسية" التي تترابط فيها صلاحيات السلطتين التنفيذية والتشريعية، فلا يجوز على السلطة القضائية التدخل بينهما، ولا يجوز لها الافتئات على اختصاص مجلس النواب في الرقابة على مدى التزام الحكومة بالمادة 151 من الدستور التي تحظر التنازل عن أي جزء من أراضي الدولة.
وأكدت المحكمة أن الاتفاقية بعدما تم إصدارها ونشرها ودخولها حيز التنفيذ رسمياً أصبحت الرقابة عليها اختصاصاً حصرياً محجوزاً للمحكمة الدستورية العليا وحدها، ولا يجوز للقضاء العادي أو مجلس الدولة نظر مدى مشروعيتها.
وعلمت "العربي الجديد" من مصادر إعلامية أنه بعد صدور حكم "الدستورية" بأسابيع عدة، صدرت تعليمات من الأجهزة الاستخباراتية لوسائل الإعلام بغلق ملف "تيران وصنافير" وعدم إثارته من جديد سواء عن طريق تغطيات الأحكام أو الدعاوى القضائية أو عن طريق مقالات الرأي، خصوصاً أن معلومات ترددت في الأوساط القريبة من السلطة عن إبعاد بعض الشخصيات الإعلامية عن مناصب مرموقة كانت مرشحة لشغلها بسبب مواقفها غير المتطابقة مع موقف الدولة في التعامل مع القضية، رغم أنها لم تجاهر بمعارضتها التنازل عن الجزيرتين.