15 نوفمبر 2024
قضية الغاز المصري .. عار وأدلة خيانة
يبدو لنا أن قضايا بعينها ترتبط برموز وطنية وعمل وطني. وما ارتبطت قضايا الغاز في وجدان كل مصري إلا بشخص ورمز عظيم، درة على جبين الوطنية المصرية والدبلوماسية المصرية المكافحة؛ إنه السفير إبراهيم يسري الذي ظل يحمل هم هذه القضايا الوطنية، يتصدر لها، ويناجز من أجلها في ميادين الصحافة والإعلام، وفي ساحات القضاء والأحكام، فقدم، المرة تلو المرة، بيانا للناس كيف أن النظم تتعامل مع ثروات مصر بسياسات المهانة والإهانة والاستهانة بكل ما يتعلق بموارد مصر وإمكاناتها؛ إذ يعتبر أن الدفاع عن حق مصر، بأجيالها الممتدة في مواردها، إنما يشكل حقاً أصيلاً لهذا الشعب، وأن الفساد الذي يحيط بهذه الموارد من إهدار متعمّد، وتبديد مقصود؛ إنما يشكل أحد مستويات الخيانة للأمانة، وتبديداً لقدرات الأوطان وحقوق الشعوب.
يأتي في السياق نفسه حكم جديد في سلسلة أحكام البراءة لجميع رموز حسني مبارك، أسدل الستار على أخطر قضية فساد في عصر مبارك، هي تصدير الغاز المصري إلى العدو الصهيوني؛ حيث تمت تبرئة باقي أطراف القضية، سامح فهمي وزير البترول والثروة المعدنية في عهد مبارك، وخمسة متهمين آخرين من القيادات في الوزارة، بعد أن تمت تبرئة مبارك وحسين سالم في حكم سابق. وفيما يلي دلالات مهمة لهذه القضية:
أولها: أن منظومة القضاء أصابها داء التسييس، إلى درجةٍ صار معها العصف بأحكام قضائية سابقة أمراً متكرراً في قضايا عديدة، منها هذه القضية التي حكم فيها مرتين، مرة في عام 2008، عندما أصدرت محكمة القضاء الإداري حكماً تاريخياً ببطلان اتفاقية تصدير الغاز إلى إسرائيل ووجوب إيقافه، وهو ما ضرب به نظام مبارك عرض الحائط، إلى أن قامت الثورة. وأعيد النظر في القضية مرة أخرى، وبالفعل، صدر حكم بعقاب سامح فهمي عام
2012 بالسجن المشدد 15 عاماً، وحسين سالم بالسجن غيابياً 15 عاماً، وأحد المتهمين بالسجن ثلاث سنوات، وآخر بالسجن عشر سنوات، وثلاثة آخرين بالسجن سبع سنوات، فضلاً عن غرامة كبيرة، تمثل فارق سعر البيع الأصلي آنذاك.
ويشير الحكم، أخيراً، بتبرئة الجميع من هذه القضية، إلى أن مرفق القضاء صار ملاذاً لحماية الفاسدين والمفسدين، ولم يعد مرفقاً لحماية الحقوق وصيانة الحرمات. وما نحن بصدده لا يتعلق بقضية حقوق شخصية، بل قضية حقوق وطنية وأجيال قادمة. وأخطر ما في الحكم الأخير ما ينطوي عليه من إعلان عام لجميع الفاسدين بأنْ مارسوا فسادكم بشتى صوره وألوانه، من دون أن تخشوا يوماً من مسألة حساب أو طائلة عقاب.
ثاني هذه الدلالات: أن هذه أحكام تنطوي على تأشيرات خطيرة، فيما يتعلق بالعلاقات المصرية الإسرائيلية، إذ تفتح الباب واسعاً أمام تطبيع العلاقات مع العدو، في إشارة إلى أن العدو لم يعد عدواً، ويمكن التعامل معه بطريقة اعتيادية للغاية، حتى لو كان ذلك ببيع ثروات مصر بأسعار مخفضة، وبشكل سري أيضا. وهي أمور بالغة الخطورة، تمس صميم الأمن القومي المصري الحقيقي. فحينما يتعلق الأمر بعدو استراتيجي، يقبع خلف حدودنا ويحتل أراضي أشقائنا، يصبح التعامل في ثروات مصر ينطوي على خيانة مركبة، ندعمه بالغاز وبأسعار مخفضة أقل من الأسعار العالمية بعشرة أضعاف. فهل يمكن، بعد ذلك، أن يُوصف نظام حكمٍ فعل هذه الأفعال والموبقات بأنه وطني، فما بالنا بنظام أكد هذه الخيانة الصريحة، وذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، ذهب إلى ما لا يمكن أن يخطر على قلب أي وطني حر محب لبلاده، ذهب، في النهاية، ليستورد الغاز من الكيان الصهيوني ذاته.
نعم "يستورد" وليس "يصدر". للأسف، هذا ما آلت إليه الأمور في ملف العلاقة مع العدو، فقد أعلنت وزارة البترول، أخيراً، أنها بصدد الانتهاء من إجراءات استيراد الغاز من العدو، في إشارة إلى الانتقال بملف التطبيع من السر إلى العلن، ومن البيع إلى الشراء، ما يعنى أن ثمة تغييرات جذرية حدثت في مفهوم الأمن القومي المصري بعد الانقلاب. تؤكد ذلك أيضاً مؤشرات عديدة، متعلقة بالتنسيق الأمني عالي المستوى في سيناء، إلى درجة السماح لطائرات إسرائيلية بدون طيار بدخول المجال الجوي المصري لتنفيذ عمليات مشتركة، بالتنسيق مع الجانب المصري في عام 2014. ويؤكد ذلك، أيضاً، تعهدات متكررة لقائد الانقلاب بالحفاظ على أمن إسرائيل "جيراناً"، وفقا لما ورد في معجم المصطلحات الجديدة في العلاقات مع العدو، حيث يوصف العدو بالجار، وتوصف المقاومة بالإرهاب.
بيد أن هناك أمراً يفوق في خطورته قضية الاستيراد والتصدير، ويتعلق بسرقة إسرائيل مواردنا الطبيعية في البحر المتوسط وتواطؤ النظام الحالي في قضية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، بحيث تم استبعاد حقول بعينها تنقب فيها إسرائيل منذ سنوات، وتدخل ضمن حدودنا البحرية، ما يعنى أن مصر تتنازل مجدداً للعدو عن ثرواتنا. ولكن، هذه المرة بشكل رسمي- مجاني، وليس سراً، وبأسعار مخفضة، كما فعل مبارك، عن ثروة هائلة تقدر بمليارات الدولارات.
ما هذا الاستخفاف والإهدار لقضايا وطن، وموارد أمة، تخص هذا الجيل والأجيال المقبلة؟ ما هذا التساهل مع العدو؟ ولماذا يُقدم النظام الحالي على هذه التنازلات بالجملة عن ثروات مصر وأبنائها. الإجابة بسيطة للغاية، وتتلخص في حكم التبرئة السابق في قضية تصدير الغاز إلى إسرائيل، إذ لو عوقب المفرطون في ثروات مصر، سابقاً، لما أقدم أحد على التفريط في موارد مصر وإمكاناتها مستقبلاً. هؤلاء لا يؤتمنون، ليس فقط على حكم مصر، بغصبهم وانقلابهم، لكنهم كذلك لا يؤتمنون على مواردها التي تعد حقاً أصيلاً لشعب مصر الذي وجب عليه، وهو يرى ذلك الفساد المقيم والتبديد المتعمد، أن يُراقب ويُحاسب ويُعاقب. نقول لكل هؤلاء: قد تفلتون اليوم من العقاب، لكن هذا الشعب لا يمكنه أن ينسى الحساب.
يأتي في السياق نفسه حكم جديد في سلسلة أحكام البراءة لجميع رموز حسني مبارك، أسدل الستار على أخطر قضية فساد في عصر مبارك، هي تصدير الغاز المصري إلى العدو الصهيوني؛ حيث تمت تبرئة باقي أطراف القضية، سامح فهمي وزير البترول والثروة المعدنية في عهد مبارك، وخمسة متهمين آخرين من القيادات في الوزارة، بعد أن تمت تبرئة مبارك وحسين سالم في حكم سابق. وفيما يلي دلالات مهمة لهذه القضية:
أولها: أن منظومة القضاء أصابها داء التسييس، إلى درجةٍ صار معها العصف بأحكام قضائية سابقة أمراً متكرراً في قضايا عديدة، منها هذه القضية التي حكم فيها مرتين، مرة في عام 2008، عندما أصدرت محكمة القضاء الإداري حكماً تاريخياً ببطلان اتفاقية تصدير الغاز إلى إسرائيل ووجوب إيقافه، وهو ما ضرب به نظام مبارك عرض الحائط، إلى أن قامت الثورة. وأعيد النظر في القضية مرة أخرى، وبالفعل، صدر حكم بعقاب سامح فهمي عام
ويشير الحكم، أخيراً، بتبرئة الجميع من هذه القضية، إلى أن مرفق القضاء صار ملاذاً لحماية الفاسدين والمفسدين، ولم يعد مرفقاً لحماية الحقوق وصيانة الحرمات. وما نحن بصدده لا يتعلق بقضية حقوق شخصية، بل قضية حقوق وطنية وأجيال قادمة. وأخطر ما في الحكم الأخير ما ينطوي عليه من إعلان عام لجميع الفاسدين بأنْ مارسوا فسادكم بشتى صوره وألوانه، من دون أن تخشوا يوماً من مسألة حساب أو طائلة عقاب.
ثاني هذه الدلالات: أن هذه أحكام تنطوي على تأشيرات خطيرة، فيما يتعلق بالعلاقات المصرية الإسرائيلية، إذ تفتح الباب واسعاً أمام تطبيع العلاقات مع العدو، في إشارة إلى أن العدو لم يعد عدواً، ويمكن التعامل معه بطريقة اعتيادية للغاية، حتى لو كان ذلك ببيع ثروات مصر بأسعار مخفضة، وبشكل سري أيضا. وهي أمور بالغة الخطورة، تمس صميم الأمن القومي المصري الحقيقي. فحينما يتعلق الأمر بعدو استراتيجي، يقبع خلف حدودنا ويحتل أراضي أشقائنا، يصبح التعامل في ثروات مصر ينطوي على خيانة مركبة، ندعمه بالغاز وبأسعار مخفضة أقل من الأسعار العالمية بعشرة أضعاف. فهل يمكن، بعد ذلك، أن يُوصف نظام حكمٍ فعل هذه الأفعال والموبقات بأنه وطني، فما بالنا بنظام أكد هذه الخيانة الصريحة، وذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، ذهب إلى ما لا يمكن أن يخطر على قلب أي وطني حر محب لبلاده، ذهب، في النهاية، ليستورد الغاز من الكيان الصهيوني ذاته.
نعم "يستورد" وليس "يصدر". للأسف، هذا ما آلت إليه الأمور في ملف العلاقة مع العدو، فقد أعلنت وزارة البترول، أخيراً، أنها بصدد الانتهاء من إجراءات استيراد الغاز من العدو، في إشارة إلى الانتقال بملف التطبيع من السر إلى العلن، ومن البيع إلى الشراء، ما يعنى أن ثمة تغييرات جذرية حدثت في مفهوم الأمن القومي المصري بعد الانقلاب. تؤكد ذلك أيضاً مؤشرات عديدة، متعلقة بالتنسيق الأمني عالي المستوى في سيناء، إلى درجة السماح لطائرات إسرائيلية بدون طيار بدخول المجال الجوي المصري لتنفيذ عمليات مشتركة، بالتنسيق مع الجانب المصري في عام 2014. ويؤكد ذلك، أيضاً، تعهدات متكررة لقائد الانقلاب بالحفاظ على أمن إسرائيل "جيراناً"، وفقا لما ورد في معجم المصطلحات الجديدة في العلاقات مع العدو، حيث يوصف العدو بالجار، وتوصف المقاومة بالإرهاب.
بيد أن هناك أمراً يفوق في خطورته قضية الاستيراد والتصدير، ويتعلق بسرقة إسرائيل مواردنا الطبيعية في البحر المتوسط وتواطؤ النظام الحالي في قضية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، بحيث تم استبعاد حقول بعينها تنقب فيها إسرائيل منذ سنوات، وتدخل ضمن حدودنا البحرية، ما يعنى أن مصر تتنازل مجدداً للعدو عن ثرواتنا. ولكن، هذه المرة بشكل رسمي- مجاني، وليس سراً، وبأسعار مخفضة، كما فعل مبارك، عن ثروة هائلة تقدر بمليارات الدولارات.
ما هذا الاستخفاف والإهدار لقضايا وطن، وموارد أمة، تخص هذا الجيل والأجيال المقبلة؟ ما هذا التساهل مع العدو؟ ولماذا يُقدم النظام الحالي على هذه التنازلات بالجملة عن ثروات مصر وأبنائها. الإجابة بسيطة للغاية، وتتلخص في حكم التبرئة السابق في قضية تصدير الغاز إلى إسرائيل، إذ لو عوقب المفرطون في ثروات مصر، سابقاً، لما أقدم أحد على التفريط في موارد مصر وإمكاناتها مستقبلاً. هؤلاء لا يؤتمنون، ليس فقط على حكم مصر، بغصبهم وانقلابهم، لكنهم كذلك لا يؤتمنون على مواردها التي تعد حقاً أصيلاً لشعب مصر الذي وجب عليه، وهو يرى ذلك الفساد المقيم والتبديد المتعمد، أن يُراقب ويُحاسب ويُعاقب. نقول لكل هؤلاء: قد تفلتون اليوم من العقاب، لكن هذا الشعب لا يمكنه أن ينسى الحساب.