ولم يخل الرد الإسرائيلي من تصعيد كلامي من قبل نتنياهو الذي كرر تحذيراته من أنه إذا لم توقف "حماس" نشاطها وعملياتها "فسنقوم نحن بذلك". وجاءت تصريحات نتنياهو على الرغم من نفي غرفة العمليات المشتركة للأذرع العسكرية لفصائل المقاومة في قطاع غزة، مسؤوليتها عن إطلاق الصاروخين. وقالت الفصائل في بيان أصدرته: "نحيي الجهد المصري المبذول لتحقيق مطالب شعبنا، ونرفض كل المحاولات غير المسؤولة التي تحاول حرف البوصلة، ومنها إطلاق الصواريخ الليلة الماضية"، مشيرة إلى أنها تتصدى لكل محاولات الاحتلال لحرف المسار الجماهيري لمسيرات العودة عبر تثبيت قواعد اشتباكٍ رادعةٍ معه. وأكدت أنها "حين تقوم بذلك (إطلاق أي صواريخ) لا تختبئ خلف أي ستار"، مشددة على وقوفها الكامل مع أبناء الشعب الفلسطيني في حراكهم الجماهيري.
يبقى أن لهجة نتنياهو أتت مخففة بالمقارنة مع تصريحات وزير أمنه أفيغدور ليبرمان، بما يشي بعدم وجود إجماع في المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية حول الخطوات ورد الفعل تجاه استمرار فعاليات ومسيرات العودة على الحدود الشرقية لقطاع غزة.
وفيما واصل ليبرمان، أمس، التهديد والتلويح بضربة عسكرية موجعة حتى لو كلف ذلك أو أدى إلى مواجهة سياسية شاملة، كان واضحاً أن وزراء الكابينيت (المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر للشؤون الأمنية والسياسية) من الليكود، ولا سيما تساحي هنغبي ويوفال شطاينتس، وهما مقربان من نتنياهو على نحو خاص، أبرزا الحذر الإسرائيلي من التورط في عملية عسكرية واسعة النطاق قد تجرّ إلى عملية عسكرية، وإن كان الاثنان لم يترددا أيضاً بتوعد حركة حماس.
وكان الوزير الإسرائيلي تساحي هنغبي واضحاً عندما قال للإذاعة الإسرائيلية، ظهر أمس، إنه "ليس لنا ما نربحه من مواجهة في قطاع غزة، لأن ذلك سيعيدنا في نهاية المطاف إلى النقطة نفسها". ومع إقرار هنغبي بصحة البيان الصادر عن الفصائل الفلسطينية في القطاع بشأن عدم مسؤوليتها عن إطلاق الصاروخين باتجاه إسرائيل، وكون ذلك محاولة للتخريب على الجهود المصرية، أشار إلى أن "نتنياهو وضع حدوداً واضحة، وأن يوم الجمعة (غداً) سيكون الامتحان لحركة حماس واستفزازاتها"، على حد وصفه.
كما كشف هنغبي أن غالبية أعضاء الكابينيت الإسرائيلي للشؤون السياسية والأمنية يؤيدون الرأي القائل بأنه "ليس لنا مصلحة في الانجرار لمعركة في قطاع غزة، ولكن إذا وقع ذلك، فسيكون لعدم توفر خيار آخر كما في حالة العمليات السابقة".
وبالرغم من نفي هنغبي أي علاقة بين الانتخابات الإسرائيلية واحتمالات تبكير موعدها وبين التوتر الأمني في القطاع، إلا أن ذلك لا ينفي حقيقة أن جزءاً من التصعيد اللفظي الإسرائيلي في القطاع موجه أساساً للجمهور الإسرائيلي في سياق التنافس الحزبي الداخلي، خصوصاً داخل معسكر اليمين نفسه. وظهر ذلك جلياً مع إعلان وزير الأمن ليبرمان أنه سيعرض على الكابينيت مخططاً للرد على ما يحدث في القطاع، وذلك بعدما كان وزراء من الليكود ومن داخل الكابينيت قد كشفوا أنه بالرغم من تصعيد ليبرمان لجهته تجاه غزة منذ، يوم الأحد الماضي، إلا أنه لم يقدم خلال اجتماع الكابينيت أي خطط عسكرية أو استراتيجية لمواجهة "حماس"، ما يجعل من تصريحاته مجرد محاولات لتسجيل المواقف في سياق الجدل بينه وبين زعيم البيت اليهودي، نفتالي بينت.
تأجيل جلسة الكابينيت إلى ساعات المساء من يوم أمس، ربما بانتظار وصول رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي آيزنكوت عائداً من الولايات المتحدة التي كان يزورها للمشاركة في مؤتمر لقادة جيوش الدول الغربية والحليفة للولايات المتحدة، تبرز حجم التردد الإسرائيلي في كل ما يتصل بسبل مواجهة حماس ومسيرات العودة، لا سيما أن جيش الاحتلال، وبحسب مصادر مختلفة، يعارض أي حملة عسكرية ضد قطاع غزة من شأنها أن "تتدهور" إلى حرب شاملة على غرار عدوان الجرف الصامد في يوليو/ تموز 2014.
إلى ذلك، يبدو أن حكومة الاحتلال تحاذر من المسّ بالاتصالات المصرية الجارية في القطاع مع مختلف الفصائل الفلسطينية، حتى لا يضرّ ذلك بالمصالح المصرية المتأثرة بالعلاقات مع حركتي حماس والجهاد، وما قد يترتب على ذلك سلباً في سياق حرب النظام المصري ضد تنظيمات داعش في سيناء.
ولعل هذه النقطة بالذات من شأنها أن تفسر، ليس فقط اللقاء الذي جمع في واشنطن بين أيزنكوط ونظيره المصري محمد فريد، بل أيضاً الحذر الإسرائيلي من التورط في حرب ضد غزة في الوقت الذي تنبه فيه تقارير دولية مختلفة من أن غزة على حافة انهيار الأوضاع الإنسانية فيها. ويدفع هذا الحذر الاحتلال، رغم تصريحات ليبرمان، إلى إبراز ما قاله وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شطاينتس، أمس، بوجوب استنفاد كل محاولات وخيارات التوصل إلى تهدئة في القطاع.