استمع إلى الملخص
- يشكل تمويل الحرب مصدر قلق كبير، خاصة مع احتمال تقليص الدعم الأمريكي تحت إدارة ترامب، مما قد يؤثر على تمويل الناتو وانتشاره في أوروبا.
- أثار التعاون الروسي مع كوريا الشمالية قلقًا كبيرًا، حيث يعكس تصعيدًا خطيرًا في الحرب ويشير إلى تنسيق محتمل مع الصين، مما يعقد الوضع بشكل أكبر.
حرب روسيا على أوكرانيا هي من أبرز القضايا التي تشكل قلقاً في أوروبا، بعد فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالسباق الرئاسي الأميركي. وعكست القمة الأوروبية التي ضمت 47 دولة، وانعقدت في بودابست يوم التاسع من الشهر الحالي، قدراً مهماً من المخاوف إزاء احتمال حصول تحوّل جذري في الموقف الأميركي، بعد دخول ترامب البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني المقبل، خصوصاً أنه تعهّد عدة مرات، خلال محطات حملته الانتخابية، بإنهاء حرب أوكرانيا خلال أقل من 24 ساعة. يحتفظ ترامب بعلاقات جيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، انعكست بأشكال مختلفة على سلسلة من الملفات الدولية والثنائية، ولم يسبق للعلاقات بين واشنطن وموسكو أن وصلت خلال ولاية ترامب السابقة (2017-2021) إلى تأزم، يشبه ما هي عليه مع إدارة الرئيس جو بايدن، بل على العكس، استطاع البلدان أن يتوصلا إلى حلول وتفاهمات، ساهم فيها أسلوب ترامب الشخصي.
تخوّفات أوروبية من انقلاب في المعادلة الحالية للحرب الروسية على أوكرانيا مع عودة ترامب
هناك أكثر من سبب للتخوّفات الأوروبية من احتمال حصول انقلاب في المعادلة الحالية للحرب الروسية على أوكرانيا، منها العلاقة الجيدة التي تربط ترامب مع بوتين، بالإضافة إلى الحسابات الشخصية للرئيس الأميركي المنتخب، التي عكستها تصريحاته العديدة عن الحرب خلال عام 2022، بعد أشهر على اندلاعها في 24 فبراير/شباط من ذلك العام، إذ اعتبر أن إدارة الرئيس جو بايدن ساهمت في إشعال حرب أوكرانيا. وكرّر ترامب قوله إن "خطاب إدارة بايدن في الأشهر التي سبقت غزو أوكرانيا ساهم في قرار بوتين. وإذا نظرنا إلى قيادتنا المزعومة لقد سخِروا من بوتين. أجبروه تقريباً على الغزو بما يقولونه. الخطاب كان غبياً جداً". وأضاف أن "غزو أوكرانيا ما كان ليحدث لو كنت رئيساً"، لافتاً إلى "أننا نتجه إلى حرب عالمية ثالثة".
موقف ترامب من حرب أوكرانيا
تعقّد الموقف أكثر منذ ذلك الحين وحتى اليوم. ومهما يكن من أمر، تتحكّم بموقف ترامب من حرب أوكرانيا اليوم عوامل عدة. الأول هو استمرار العلاقات الجيدة مع بوتين، الذي عبّر عن ارتياحه لإعادة انتخاب ترامب واستعداده للحوار معه، مبدياً رغبة في استعادة العلاقات بين موسكو وواشنطن. وأضاف أن أي أفكار بشأن تسهيل إنهاء حرب أوكرانيا تستحق الاهتمام، وكان بذلك يرد على التصريحات التي أطلقها ترامب خلال حملته الانتخابية التي قال فيها إنه سيتوصل إلى اتفاق مع الرئيس الروسي ويتمكن من إنهاء الحرب "خلال أربع وعشرين ساعة"، كما تحدث عن "صفقة عادلة للجميع"، من دون تقديم مزيد من التفاصيل.
وكشفت صحيفة واشنطن بوست، الأحد الماضي، أن مكالمة بين ترامب وبوتين جرت يوم السابع من الشهر الحالي، لافتة إلى أن ترامب حضّ بوتين على عدم تصعيد الحرب في أوكرانيا، مذكراً إياه بالوجود العسكري الأميركي الكبير في أوروبا. وقالت إن ترامب أعرب أيضاً عن اهتمامه بإجراء مزيد من المحادثات للبحث في إيجاد "حل للحرب في أوكرانيا قريباً". علماً أن الرئاسة الروسية (الكرملين)، نفت ما أوردته الصحيفة وقال المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف، الاثنين الماضي، إنه "لا يمت للواقع بأي صلة على الإطلاق، هذا مجرد اختلاق. هذا ببساطة نبأ كاذب".". وأضاف أنه "حتى الآن، ليس هناك من خطط ملموسة" لإجراء مثل هذه المحادثات. وبينما واصل ترامب انتقاد سياسة بايدن الداعمة لأوكرانيا، فإنه لم يستثن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، متهماً إياه بالافتقار إلى الإرادة لإيجاد حل للصراع، كما قدّمه على أنه "أفضل بائع على هذا الكوكب". وقد قصد من ذلك أنه بارع في التجارة، أي أنه يجني الأرباح من استمرار حرب أوكرانيا.
تسعى إدارة بايدن لتقديم أقصى قدر ممكن من المساعدات لأوكرانيا قبل تسلم ترامب مهامه
العامل الثاني الذي يشكّل مصدر قلق للأوروبيين وأوكرانيا، يتعلق بمسألة تمويل الحرب التي تحملت الولايات المتحدة القسط الأكبر منها حتى الآن. وقد برز الانقسام حول هذه المسألة في التصويت الذي جرى في إبريل/نيسان الماضي داخل الكونغرس الأميركي على المساعدات المالية المقدمة لأوكرانيا. وقفت حينها كتلة تتجاوز المائة عضو من الحزب الجمهوري ضد إقرارها، لكنها فازت بأصوات الحزب الديمقراطي وجزء من الجمهوريين. ومع وصول ترامب للبيت الأبيض لن تسير الأمور على النحو الذي سارت عليه خلال إدارة بايدن، لا سيما أنه لن تتوافر أكثرية في الكونغرس داعمة لتمويل الحرب. لذلك تسعى إدارة بايدن لتقديم أقصى قدر ممكن من المساعدات لأوكرانيا قبل تسلم ترامب مهامه، ومن ذلك ستة مليارات دولار.
العامل الثالث هو مساهمة الأوروبيين في تمويل حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وانتشاره في عدد من بلدان أوروبا المحيطة بأوكرانيا، والتي عبّرت عن مخاوف من احتمال حصول اجتياح روسي لها، منها بالخصوص دول البلطيق وبولندا، التي تتحمّل مسؤولية خاصة تجاه حرب روسيا على أوكرانيا، كونها تشكل قاعدة "الأطلسي" الأكثر أهمية في هذه الحرب، بسبب جوارها مع أوكرانيا. وقد تحولت بفضل ذلك إلى ممر أطلسي للسلاح والذخيرة إلى أوكرانيا، والمركز الرئيسي لتدريب القوات الأوكرانية على السلاح. وسبق لترامب خلال رئاسته الأولى أن اتهم الشركاء الأوروبيين بأنهم مقصرون حيال تقاسم الأعباء مادياً وعسكرياً، بينما تتحمّل الولايات المتحدة تكاليف حمايتهم. وقال في عدة مناسبات، إن الحلف مثال لكل ما يمقته من حلفاء أميركا، والذي يستفيد من قوتها من دون تقديم أي شيء في المقابل: الولاء الذي تحصل فيه على نقاط (قوة) من دون إنفاق متناسب.
تخوّفات بشأن "ناتو"
وقبل نهاية ولايته الأولى صدرت عدة دعوات من ترامب إلى حل الحلف، إذ بدأ في حينه اتخاذ خطوات من أجل تقليص الوجود العسكري الأميركي في أوروبا. وقال إذا كانت أوروبا تريد من الولايات المتحدة أن تحميها، عليها أن تدفع مقابل ذلك. وخلال حملته الانتخابية للولاية الرئاسية الثانية عاد ترامب وكرر هذه المواقف خلال خطاب انتخابي ألقاه في العاشر من فبراير/ شباط الماضي. وقال حينها إنه سيسمح لروسيا أن تفعل "ما تشاء" بأي عضو في حلف شمال الأطلسي لا يلتزم بالمبادئ التوجيهية للإنفاق. وقد أثارت تصريحات ترامب حالة من الارتباك داخل صفوف الدول الأوروبية الكبرى الأعضاء في الحلف، والتي تتمتع بمسؤولية حيال حرب أوكرانيا. فقد تطرق حينها إلى حديث مع حليف "كبير" في الحلف، لم يعلن عن اسمه أو متى جرت المحادثة، والذي، وفقاً لروايته، رفض إنفاق ما يعادل اثنين في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لبلاده المُوصى به على الدفاع، ومع ذلك أراد ضمانات من الولايات المتحدة بأنها ستحمي بلاده، إذا هاجمتها روسيا. وقال ترامب، إنه لن يقدم مثل هذا التأكيد، لأن الحليف كان "مذنباً"، وينبغي للرئيس الروسي، أن يشعر بالحرية في تنفيذ ما يريده.
تتعاظم المخاوف الأوروبية من احتمال عودة ترامب لسحب جزء من القوات الأميركية المتمركزة في أوروبا ضمن نطاق الأطلسي، مع أن المساهمة المالية للولايات المتحدة في موازنة الحلف لا تتجاوز كثيراً نظيراتها الأوروبية، وهي قرابة نسبة 16%، تماثلها ألمانيا بنفس القدر. وتأتي مساهمة بريطانيا بنسبة 11% وفرنسا 10% لتكمل ما يتجاوز نصف الموازنة العامة للحلف، والتي بلغت العام الماضي 3.5 مليارات دولار.
لجوء روسيا إلى الاستعانة بقوات كورية شمالية أثار قلقاً لدى حلفاء كييف
هناك قضية أخرى أثارت قدراً مهماً من القلق، وهي لجوء روسيا إلى الاستعانة بقوات عسكرية من كوريا الشمالية، تم نشر بعضها على جبهات القتال الساخنة، ومنها منطقة كورسك الروسية التي حققت فيها القوات الأوكرانية خرقاً مهماً، الصيف الماضي، وباتت تحتل أجزاء منها. ويعد ذلك خطوة نوعية لرفع مستوى التعاون مع بيونغ يانغ التي تزود موسكو بالأسلحة والذخائر، لكن الجانب غير المعلن من المسألة هو أن قرار نشر القوات تم بالتنسيق مع الصين، وهنا تكمن الخطورة التي أربكت حلفاء أوكرانيا الأوروبيين، الذين تأخر رد فعلهم عدة أسابيع، إلى الثامن من الشهر الحالي. ودان مجلس الأطلسي، حينها، وهو هيئة صنع القرار السياسي داخل "ناتو"، "بشدة" اشتباك الجنود الكوريين الشماليين إلى جانب روسيا، والذي تم إثباته الآن في منطقة كورسك الروسية.
ويرى الأطلسي أن "نشر آلاف المقاتلين من كوريا الشمالية يشكل تكثيفاً خطيراً للدعم الكبير بالفعل، الذي تقدمه هذه الدولة للحرب العدوانية التي تشنها روسيا، بشكل غير قانوني تماماً، ضد أوكرانيا". وفي مقال نشره موقع صحيفة بوليتيكو الأميركية، في السادس من الشهر الحالي، اعتبر الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي مارك روته أن "وجود القوات الكورية الشمالية في أوروبا يمثل نقطة تحول. فهل نحن على حافة شيء أكثر قتامة من الدمار الذي لحق بالشعب الأوكراني بالفعل؟". وعلى الرغم من التصعيد غير المسبوق في حرب أوكرانيا والمتمثل في نشر جنود كوريين شماليين، لم يتم اتخاذ أي إجراءات انتقامية علناً، في هذه المرحلة، من قبل حلفاء كييف، لدرجة أن الرئيس الأوكراني صعّد من انتقاداته للحلفاء في عدة مناسبات، وقال في نهاية الشهر الماضي إن "رد الفعل اليوم لا شيء، صفر". ومن الواضح أن الأوروبيين كانوا ينتظرون نتائج الانتخابات الأميركية كي يحددوا موقفاً من دخول الصين على خط النزاع داخل أوروبا، فهم ليسوا في وارد أن يقرروا لوحدهم في مسألة ليس في وسعهم تحمل تبعاتها من دون مشاركة الولايات المتحدة.