استمع إلى الملخص
- النظام السوري يسعى للحفاظ على توازن دقيق بين علاقاته مع إيران والدول العربية، مستفيدًا من الانفتاح العربي مع الحفاظ على علاقته الاستراتيجية مع طهران، ويظهر ذلك في موقفه الحيادي من العدوان الإسرائيلي على غزة وتقييد حركة حزب الله.
- رغم الدعم الإيراني القوي منذ 2011، يحاول النظام السوري البحث عن شركاء جدد مثل روسيا والصين في ظل ضعف إيران في حماية مصالحها، مع الحفاظ على علاقته مع إيران كضامن لاستمراره في السلطة.
في ظل حديث عن تراجع وفتور في العلاقات التي تربط النظام السوري بإيران، ومع اشتداد الضربات الإسرائيلية على أهداف إيرانية وأخرى لحزب الله في مناطق سيطرة النظام الذي يبدو أنه حريص على عدم الدخول في نزاع إقليمي، جاءت زيارة كبير مستشاري المرشد الإيراني، عضو مجمع تشخيص المصلحة علي لاريجاني، إلى دمشق، أمس الخميس، على رأس وفد رسمي لبحث "الأوضاع الراهنة في المنطقة والعلاقات الإيرانية السورية". زيارة علي لاريجاني تزامنت مع قصف جوي مكثف على أهداف يُعتقد أنها تابعة للحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني على الأراضي السورية، والتي وصلت لأول مرة قبل أيام إلى الشمال الغربي من سورية. وآخر عمليات القصف حدثت أمس الخميس في دمشق، حيث استهدف قصف إسرائيلي منطقة المزة في العاصمة السورية، وهي منطقة تضمّ مقرات أمنية ومكاتب الأمم المتحدة طاولتها عدّة غارات في الآونة الأخيرة نسبت إلى إسرائيل. وأفادت وزارة الدفاع التابعة للنظام السوري عن سقوط 15 قتيلاً في الغارة، فيما ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن الهجوم استهدف أصولاً ومقار قيادية تابعة لـ"الجهاد الإسلامي" في دمشق وهو ليس عملية اغتيال.
علي لاريجاني في دمشق
ويبدو أن إسرائيل ماضية في سياستها التي تقول إنها تستهدف قطع طرق الإمداد عن حزب الله من سورية، وقصفت، يوم الأربعاء الماضي، جسوراً وطرقات وأخرجتها عن الخدمة في ريف حمص المتاخم للحدود اللبنانية. وتزامنت زيارة علي لاريجاني مع مؤشرات إلى تراجع العلاقة بين الرئيس السوري بشار الأسد والجانب الإيراني في تساوق كما يبدو مع مطالب عربية بالحد من النفوذ الإيراني في سورية مقابل المزيد من الانفتاح السياسي والاقتصادي، وتخفيف الأعباء عن الأسد. بيد أن كبير مستشاري وزير الخارجية الإيراني علي أصغر حاجي أكد لوسائل إعلام روسية، الأربعاء الماضي، أن وجود من سمّاهم بـ"المستشارين" الإيرانيين في سورية "مستمر"، مشيراً إلى أنه "لا توجد قرارات بشأن تغييرات في عدد قواتنا وأفرادنا (في سورية) حتى الآن. كل شيء لا يزال على حاله في هذا المجال". وكان مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي قد نفى في 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وجود توتر في العلاقة مع النظام السوري، معتبراً تقارير إعلامية تحدثت عن هذا الشأن "ملفقة"، واصفاً بشار الأسد بـ"شخصية مؤثرة تؤمن بالمقاومة وتدعمها خصوصاً ضد الكيان الصهيوني".
تزامنت زيارة علي لاريجاني مع مؤشرات إلى تراجع العلاقة بين بشار الأسد والجانب الإيراني
ودعمت إيران بقوة النظام السوري لوأد الثورة التي قامت ضده في عام 2011، ما سمح لها بالتغلغل في البلاد على المستويات كافة، خصوصاً العسكرية، وتنشر اليوم عشرات المليشيات الموالية لإيران في عموم مناطق سيطرة النظام. وبحسب مراكز بحثية، وقّع النظام مع إيران منذ عام 2011، ما لا يقل عن 126 اتفاقية في مختلف القطاعات، مثل الطاقة والتجارة والصحة والتعليم والزراعة والصناعة والاتصالات والتمويل، بعضها بمثابة مكافأة من النظام لإيران على الدعم الذي قدّمته له عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، وبعضها الآخر بمثابة ضمان من إيران لتحصيل الثمن الذي قدّمته للنظام خلال سنوات الحرب.
مناورة النظام مع إيران
ولكن النظام السوري ومع بدايات الانفتاح العربي عليه في العام الماضي، بدا وكأنه يحاول المناورة في العلاقة مع إيران استجابة للضغوط العربية عليه، في محاولة للإبقاء على علاقته التي تُوصف بـ"استراتيجية" مع طهران من جهة، والاستفادة من تقارب الدول العربية معه من جهة أخرى. وتجلّت مناورات النظام أكثر بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 مع بدء العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، حيث فضّل البقاء على الحياد والاكتفاء بالتنديد الإعلامي. وحافظ النظام على الهدوء في جبهة الجولان التي لم تشهد أي تصعيد من قبل قواته المنتشرة في المنطقة، ما خلا بضعة صواريخ كانت تُطلق من ريف درعا من قبل مليشيات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني إلى الجولان المحتل ليست ذات قيمة عسكرية، إذ لم تفض إلى أي خسائر. وفي خطوة بدا أن الهدف منها تقييد حركة حزب الله في الأراضي السورية، صادرت قوات النظام الشهر الماضي مستودعي ذخيرة له في ريف دمشق.
رضوان زيادة: نأي الأسد بنفسه عما يجري في قطاع غزة ولبنان يندرج ضمن استراتيجيته بعدم الدخول في أي نزاع إقليمي يخسر فيه
ولكن المحلل السياسي رضوان زيادة، الذي وصف في حديث مع "العربي الجديد" زيارة لاريجاني بـ"التشاورية"، لم يرَ أي مؤشر إلى تراجع العلاقة بين الأسد وطهران، مضيفاً: الأسد اعتمد ولا يزال على طهران اعتماداً كلياً، فهي ولي نعمته. وأشار إلى أن نأي الأسد بنفسه عما يجري في قطاع غزة ولبنان "يندرج ضمن استراتيجيته بعدم الدخول في أي نزاع إقليمي يخسر فيه، والمهم عنده إبقاء يده طليقة في قتل وتعذيب السوريين، فهذا الأمر يمثل الأولوية الأولى والأخيرة لديه".
من جهته، رأى الباحث السياسي ياسين جمول، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "النظام ومنذ أيام حافظ الأسد أعطى لإيران الضوء الأخضر لنشر وترسيخ نفوذها في سورية لحمايته من السقوط، ثم استعان بالجانب الروسي في سياق اللعب على كل الحبال السياسية، وهو يغضّ النظر عن التجاوزات الإسرائيلية ليبقى حاكماً، ويبيع سورية للروس ليبقى، ويبيع سورية لإيران ليبقى، فمن يدفع أكثر يتعاون معه أكثر". وتابع: "يبدو أن بشار الأسد يقرأ الموقف الحالي باعتباره إضعافاً لإيران ومليشياتها، فهو يستفيد من هذا للبحث عن مشترٍ جديد، فيذهب تارة نحو الجامعة العربية ودول الخليج، وتارة نحو الروس والصين". ورأى جمول أنه "لا يوجد تراجع حقيقي ولا زيادة حقيقية في العلاقات بين الأسد والجانب الإيراني"، مضيفاً: "لكن الأسد يبحث عمّن يحميه ويثبّت نظامه، فإن كانت إيران اليوم عاجزة عن حماية أهم مليشياتها وعاجزة عن حماية رموزها ومنشآتها، فما له ولإيران؟".