قصص أفغانيات نجون من الموت

10 سبتمبر 2018
تعاني ضغوطاً اجتماعية (جوناس غراتزر/ Getty)
+ الخط -
تشير الإحصائيات الأخيرة إلى ارتفاع نسب الانتحار بين النساء والفتيات في أفغانستان، وينجو بعضهن من الموت بسبب حصولهن على العلاج في الوقت المناسب. وقد لا يجد بعض الراغبات في الموت الأدوات اللازمة لإنهاء حياتهن. صحيح أن وسائل الإعلام تنشر بعض حوادث الانتحار، إلا أن حوادث كثيرة أخرى تبقى طيّ الكتمان بسبب وقوعها في مناطق نائية بعيدة عن أنظار الإعلام. وغالباً ما يختار أهل الضحية الصمت خوفاً من العار، خصوصاً أن المجتمع الأفغاني محافظ.

لحسن حظّها، نجت إحدى الفتيات الراغبات في الانتحار من الموت. ولم تتناقل وسائل الاعلام ما حدث بسبب قرار العائلة الاكتفاء بالقول إن الحادث قضاء وقدر وقد نجم عن انزلاق قدمها. يقول أحد جيران الفتاة، ويُدعى أحمد غني براويش، إن وزمه عزيزي كانت تعيش في منطقة ميكرويان سي. وفي هذه المنطقة بيوت صغيرة صُممت في سبعينيات القرن الماضي. قبل عامين، تعرفت الصبية (16 عاماً) على شاب هو جارها في طريقها إلى المدرسة. وبعدما تبادلا الأحاديث مرات عدة، أحبا بعضهما بعضاً. المشكلة أن للفتاة شقيقتين تكبرانها سناً. وفي المجتمع الأفغاني، زواج الصغيرة قبل الكبيرة عيب، ولا يحدث إلا لأسباب معينة.




في أحد الأيام، تشاجرت الفتاة مع الشاب بعدما طلبت منه أن ينتظرها حتى تتزوج شقيقتاها لكنه رفض، ما جعلها في حالة صدمة. حاولت إقناعه من دون جدوى. رمت نفسها من شباك منزلها في الطابق الخامس عند صلاة المغرب.

على الفور، أخذها الناس إلى المستشفى. في البداية حاولت الأسرة القول إن الفتاة تشاجرت مع والدتها، ثم قالت إن قدمها انزلقت بينما كانت تنظف الشباك. نجت من الموت إلا أن قدمها اليمنى باتت أقصر من اليسرى بسبب العمليات التي أجريت لها. وفي وقت لاحق، تزوج الشاب وترك المنطقة.

أما هنغامة (17 عاماً)، فأقدمت على الانتحار بعدما تشاجرت مع خطيبها، من خلال تناول كمية من الدواء، علماً أنها كانت تدرس علم النفس في جامعة كابول. تقول إحدى قريباتها لـ "العربي الجديد" وقد طلبت عدم الكشف عن اسمها: "اتصلت بخطيبها في أحد الأيام وقد بدا أنه يجري مكالمة أخرى. بعد قليل، هاتفها فأخبرته أنها تشعر بالضيق لأنه كان يجري مكالمة أخرى، وأنها تخشى أن يكون على علاقة بفتاة أخرى، خصوصاً أنه يعيش في لندن. أجابها بأنه يواجه المشكلة نفسها معها وقد تكون هي أيضاً على علاقة بشاب آخر".



وخلال الحديث، تشاجرا وأخبرها أنه لا يعنيها أن يكون على علاقة بأخرى، كما أنه يعيش في أوروبا ولديه صديقات. بعدها أقفلت الخط وذهبت إلى غرفة أخرى وتناولت كل الأدوية الموجودة ثم بدأت تتقيّأ. عرفت عائلتها ما حدث ونقلتها إلى مستشفى جمهوريت في كابول على الفور، وأنقذ الأطباء حياتها. قبل عام، تزوجت وانتقلت إلى لندن، لكن ما زالت قصتها محفوظة في أذهان عائلتها وأقاربها وجيرانها.

والعلاقات العاطفية ليست الدافع الوحيد لإقدام الفتيات على الانتحار، بل هناك أسباب اجتماعية، لا سيما أن البلاد تعاني ويلات الحرب منذ أربعة عقود. أسماء الطفلة الصغيرة التي لم تتجاوز 12 عاماً أقدمت على الانتحار بسبب الظلم الذي تمارسه عليها زوجة أبيها، من ضرب وحرمان من الطعام وغيره. أسماء فقدت أمها قبل سنوات أثناء وضعها شقيقها، فتزوج والدها بأخرى وهي مدرّسة.

في صباح أحد الأيام، خرج الوالد والزوجة من البيت، وأقدمت الطفلة على الانتحار من خلال شنق نفسها. لكن لحسن حظها أن زوجة عمها دخلت إلى الغرفة وصرخت، فدخل الجيران إلى المنزل ونقلت الطفلة إلى المستشفى. نجت من الموت، وتركت أسرتها المنطقة التي كانت تعيش فيها، وهي منطقة بي بي مهرو القريبة من مطار حامد كرزاي الدولي، بسبب كثرة تداول الناس لما حدث. ويقول الجار عباد الله لـ "العربي الجديد": "ما كان يمر يوم إلا ونسمع صراخ الطفلة الصغيرة. والمشكلة أن والدها كان يقضي يومه في العيادة كونه طبيباً، وكانت تخشى أن تخبره بما يحدث".

هؤلاء وكثيرات أمثالهن نجون من الموت، لكن أخريات أنهين حياتهن من دون أن يتمكن أحد من إنقاذهن. هوسي وهي تلميذة في إحدى المدارس الحكومية كانت تسكن في منطقة قلعه وزير وتدرس في الصف السابع. عرفت أن والدها سيزوجها من رجل كبير في السن في مقابل أن يتزوج شقيقها شقيقته، ما يسمى بزواج الشغار. الفتاة عرفت ذلك وتحدثت مع أمها التي بدت عاجزة عن فعل أي شيء لأن القرار بيد والدها وشقيقها. حتى أنها بدت راضية لأن العريس ثري.




خرجت الفتاة إلى المدرسة ورمت بنفسها أمام سيارة، ونقلت إلى المستشفى وتوفيت. يقول وسيع الله، أحد سكان قلعه وزير لـ "العربي الجديد"، "الجميع زعموا أن السيارة قد صدمتها لكن أمها وأقاربها عرفوا أنها انتحرت لأنها لم تكن تريد الزواج".

أسباب كثيرة تدفع الفتيات والنساء إلى إنهاء حياتهن كما يقول المعالج النفسي حبيب الرحمن. ويوضح لـ "العربي الجديد" أنه من بين الأسباب "الظلم الاجتماعي وتصرفات الآباء والأمهات غير السليمة". يضيف أن "لوسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الأجنبية تأثيراً كبيراً. ولأن مستوى الوعي لديهن هش، يتأثرن بما يشاهدنه في الأفلام وعلى الفضائيات".

عنف جسدي أو جنسي أو نفسي
تفيد لجنة حقوق الإنسان الأفغانية المستقلة بأن نحو 3 آلاف أفغانية يقدمن على الانتحار سنوياً، وترتفع المعدلات في إقليم هيرات إلى أكثر من نصف الحالات في البلاد. كما أن أكثر من 80% من المنتحرين هن فتيات ونساء. وتحذّر اللجنة من أن الرقم قد يكون أكبر إذ لا يُبلّغ كثيرون عن حالات الانتحار لأسباب دينية في المناطق الريفية. وبحسب صندوق السكان التابع للأمم المتحدة، فإن 87% من الأفغانيات ضحية لنمط واحد على الأقل من العنف الجسدي أو الجنسي أو النفسي.
المساهمون