تنتهي الحلقات الأخيرة من المسلسلات الدرامية في رمضان، وتنتهي معها النقاشات والتعليقات وحكايات المقاهي. حديث الشارع عن الشاشة الصغيرة قد يغنيك عن الكثير من الإعلانات ونتائج الإحصاءات. يكفي أن تتّجه نحو مقاهي بيروت بين الحمرا والأشرفية والجميزة أو المقاهي الشعبية كي تسمع عن "غداً نلتقي"، أو" قلبي دق"، أو تيمور تاج الدين، والأخير هو دور الممثل السوري تيم حسن في مسلسل "تشيللو".
لعلّ عوامل نجاح "غداً نلتقي" أصبحت واضحة جداً من خلال عشرات التعليقات التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي. أمّا العفوية والسرد اللبناني البسيط في "قلبي دق"، فقد أخرج المشاهدين قليلاً من دائرة حكايات الأحلام التي تدور حولها المسلسلات الباقية. أمّا الحديث عن تيم حسن، فيعود إلى قدرة هذا الممثل على تجسيد أي شخصية ممكنة، بعيداً عن قصة المسلسل المقتبسة وحيرة نادين نجيم بين عاشقين للموسم الثاني على التوالي.
وكان "حارة اليهود" المسلسل المصري الأكثر إثارة للجدل، إن كان من ناحية الوقائع التاريخية الصحيحة أو المغلوطة، أو مقارنة تلك الوقائع بالواقع المصري الحالي، خاصة العلاقة بين النظام المصري وجماعة الإخوان المسلمين، أو حتى الأداء المميّز لهالة صدقي وسيّد رجب ومنّة شلبي وأياد نصار وغيرهم. والأهمّ أنّ المسلسل طاول شريحة واسعة من المصريين بتكويناتهم الطائفية المختلفة.
يمضي رمضان مسدلاً ستاره على المشاهد الأخيرة لعدّة وجوه ألفناها على شاشاتنا خلال الشهر الفائت. طبعاً، شخصيات مثل "أبو عصام" و"معتز" في "باب الحارة" أصبحت "كاركتيرات" مملّة بعد نجاحات سابقة، وقعت في تكرار مخيّب. كما كان من الصعب تكرار تجربة "دنيا" لأمل عرفة من دون أي مقاربة أكثر تطوراً. ويبقى السؤال: أين ما قُدّم في هذا الشهر من الدراما سابقاً؟
حتى اليوم، يُلقّب محمود عبد العزيز بـ"رأفت الهجان". نور الشريف بعيون الناس هو "الحاج متولي". باسم ياخور والراحل نضال السيجري هما "جودة" و"أسعد". أما أجمل صراعات الدارما فهي بلا شك بين "سليم البدري" و"سليمان غانم" أو يحيى الفخراني وصلاح السعدني. والفخراني تحديداً تربّع على عرش الدراما الرمضانية لسنوات عديدة بأعمال مختلفة مثل "زيزينيا" و"عباس الأبيض" و"أوبرا عايدة" وغيرها. حتى جمال سليمان لم يلعب دوراً كالذي قدّمه في "حدائق الشيطان" حتى الآن.
لا يتحمّل الممثلون وزر المقارنة التي لا تصحّ بين جيلين من الدراما. الشاشة الصغيرة لم تنضب من الإبداع، ولا يمكن أن نقول إننا بعيدون عن كوكبة من النجوم. فخالد الصاوي وتيم حسن وأياد نصار وسيد رجب وكاريس بشار وتقلا شمعون ومنة شلبي قادرون وقادرات على ترسيخ أدوارهم/ أدوارهن في ذاكرة الدراما الرمضانية.
اقرأ أيضاً: لهذه الأسباب تَيْم حسن ليس وسيماً أيّتها السيّدات
إذاً، المشكلة تكمن في القصة والحبكة الدرامية، وتتجه الأنظار نحو شخص واحد، الكاتب. لعلّ المؤلف إياد أبو الشامات أصاب الواقع السوري، وهذا ما أعطى "غداً نلتقي" زخماً قوياً. أما "حارة اليهود" فهي تلاعب بين الماضي والحاضر، وهنا يكمن سر الجدل. لكن، المسلسلات اللبنانية المقتبسة بدت أشبه بإعلانات مطوّلة لمغنين ومغنيات وشركات مفروشات وأطباء تجميل. ذاك الفقر الكلّي في الكتابة، دُعّم بـ"شللية" تسطو على الكثير من جوانب المجتمع اللبناني. خلطة تجمع بين النفوذ المالي ونجوم مفروضين على المجتمع ليلاً نهاراً مع جوقة صحافيين لزوم التسويق. تلك المجموعة قادرة ليس على احتلال الشاشة فحسب، بل حتى على التجرؤ واقتباس ملحمة عالمية اسمها "العراب".
وربما على الراغبين بالاقتباس، الاستفادة من تجربة النجم الكبير الراحل أحمد زكي. قدّم زكي رائعته "زوجة رجل مهم"، وعُرض الفيلم في مهرجان سينمائي ضخم في موسكو. خرج الممثل الكبير آل باتشينو بعدها، ليقول لزكي "أنت ممثل رائع". بعد فترة، أسقط أحمد زكي الواقع المصري خلال فترة السادات على أحداث فيلم "سكار فايس" الشهير لآل باتشينو. كان فيلم "الأمبراطور" الذي عمّر في الصالات أكثر ممّا عمّرت المسلسلات اللبنانية مجتمعة طيلة سنتين. والسبب بسيط جداً، ليس هناك من أحمد زكي ولا كاتب مثل فايز غالي يجيد إسقاط الواقع اللبناني على القصص المقتبسة. وبالتالي، علينا أن نكفّ عن هذا الهراء، رحمة بالقصة الأصلية المقتبس عنها، ورحمة بالمشاهد الذي تُشوَّه ذاكرته.
أقرأ أيضاً: نقيب المهن التمثيلية المصري يتهم كتّاب الدراما بالإفلاس