قبل السباق الانتخابي في تونس

26 اغسطس 2014

تونسي يسجل اسمه في مركز لتسجيل الناخبين في مقرين(23يونيو/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -


بدأت الأحزاب والشخصيات المستقلة تقديم قوائم مرشحيها لخوض الانتخابات البرلمانية المقررة يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وبذلك، تكون تونس قد شرعت رسمياً في خوض هذا الاستحقاق المهم في مسارها الانتقالي. هذا المسار الذي - إن تم في ظروف عادية ولم يتعرض لمفاجآت أمنية قاسية - سيشكّل محطة حيوية نحو بناء نظام سياسي دائم، يقطع مع صفة المؤقت، ويوفر فرصة لضمان حالة من الاستقرار النسبي، الشعب التونسي في أشد الحاجة إليها.

مرت الأحزاب التونسية، في الأسابيع الماضية، باختبار صعب وقاس. فتأثيث القوائم الانتخابية لم يمر بسلام للكثير منها، وخلفت للعديد منها جراحاً عميقة، أدت إلى نزيف بشري مؤلم. فوضع شخص على رأس قائمة في جهة ما يعني وضعه في المكان الأقرب إلى دخول البرلمان، إذا ما تم التصويت لمصلحة قائمته. ولهذا السبب، اندلعت صراعات داخل أحزابٍ عديدة، مما أدى، أحياناً، إلى استقالات فرديةٍ أو جماعيةٍ، احتجاجاً على شخصٍ، تم تعيينه أو رغبة من شخص آخر، يعتقد بأنه أولى بهذا المنصب. كما تدخلت، بهذه المناسبة، عوامل متعددة، أفسدت المشهد السياسي قبل انطلاق المنافسة الانتخابية. حتى حزب نداء تونس، الذي يراهن عليه كثيرون لمنافسة حركة النهضة، واعتباره البديل عنها، عصفت به الخلافات الداخلية، وشوهت صورته لدى الرأي العام، على الرغم من احتفاظه بتماسكه العام.

من الأحزاب القليلة التي تمكنت من التحكم في خلافاتها الداخلية حركة النهضة، والتي أعلنت عن قوائمها من دون أن تخلف وراءها انقساماتٍ أو انسحابات بالجملة. لا يعني ذلك أنها حسمت تبايناتها الداخلية بشكل كامل، لكنها، على الأقل، في هذه المحطة الحساسة والمهمة، أبقت الحركة على بنائها الذاتي موحداً ولو ظاهرياً، وأجّلت لحظة الحسم في قضايا أساسية إلى مؤتمرها المقبل الذي تم ترحيله إلى السنة المقبلة. خشيت القيادة فتح ملفات الماضي، وعرض المسائل الخلافية قبل موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية والبلدية، ما قد يربك الصفوف، ويؤدي إلى نشر الغسيل الداخلي، في حين أن تونس تقدم على منعرج خطير وحاسم، سينعكس على الحاضر والمستقبل. وكان لافتاً أن أشخاصاً أثاروا جدلاً واسعاً في المجلس الوطني التأسيسي الحالي، مثل الصادق شور وحبيب اللوز، المعروفين بميلهما السلفي العلمي، قد أعلنا عدم رغبتهما في الترشح للبرلمان، ما يعني عدم رضاهما عن توجهات سياسية للحركة، ورغبتهما في إعطاء الأولوية، في المرحلة المقبلة، للجانب الدعوي على حساب السياسي. والمعلوم أن هذه تعتبر من القضايا التي يفترض أن ينظر فيها المؤتمر الاستثنائي المقبل للحركة، فقد استمرت حركة النهضة، بوعي منها أو بغير وعي، في الخلط بين السياسي والدعوي، بشكل انعكس سلبياً على أدائها، وورطها في اتخاذ مواقف أربكت الرأي العام الذي شعرت مكونات كثيرة فيه بالحيرة، هل هي أمام حزب سياسي قائم على برامج وبدائل عملية ومحددة لمختلف المشكلات التي تتخبط فيها البلاد منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف سنة، أم أن "النهضة" حركة دينية، تهتم بإصلاح العقائد وتنظيم الفتوى؟

الوجه الآخر من الاختبار الذي ستواجهه الأحزاب التونسية، في الأيام والأسابيع المقبلة، يتعلق بنوعية الخطاب الذي سيقدم إلى التونسيين. هل ستسقط هذه الأحزاب في الصراعات الأيديولوجية، مثلما فعلت في الانتخابات السابقة، ما سيؤدي إلى القفز، مرة أخرى، على الواقع الصعب والمعقد الذي يواجهه التونسيون صباح مساء، أم أن السياسيين سيراجعون حساباتهم، ويؤسسون لحملة انتخابيةٍ قائمةٍ على البرامج والرؤى البديلة. أي أن التجربة الحزبية التونسية ستتعرض، في الأشهر الأربعة المقبلة، إلى تحدٍّ كبير وصعب. فهل ستكون قادرة على كسب ثقة التونسيين، وإقناعهم بأن نظام تعدد الأحزاب هو الأصلح والأفضل، مقارنة بالحزب الواحد الذي أنهك البلاد، ودفع بها إلى التمرد والثورة؟ إن مسؤولية الأحزاب كبيرة، فهي لا تضع نفسها، اليوم، فقط في الميزان، وإنما قد تعرّض مضمون الثورة والانتقال الديمقراطي إلى التشكيك والمراجعة.

266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس