في مركز المياه

03 سبتمبر 2020
يورغوس شولياريس (العربي الجديد)
+ الخط -

في مَركَزه كلُّ شيء مِياه
هكذا كنتِ تقولين ليلتذاكَ، لو تذكُرين
بينما - بفعل النار - يَخفُتُ الضوء على أظافرَ رَطْبةٍ 
ببطءٍ تنزَع القِشرةَ الجافّةَ عن البرتقالة
قبل الغوْصِ في غضاضتها الصفراء

أيّ امْرأةٍ أو هذا الوَلَد، الفاكِهة - كلُّ شَيء
في هذا العالم مَصنوعٌ من مياه
تَغلي بلا اكتراث أو في صمتٍ داخلَه
وأحياناً بتراخٍ تَطفَح عَرَقَاً 
لتَروي عَطَش مخلوقاتِها
قبلَ أن تتبخّر إلى أَعْلى من جَديد

اسمُ سَطحِ المياه هو الأَرض
وَطَنُها سحابُ المِنطَقَة الداخليّة 
التي لا يُمكِنُ اختراقُها من الهواء
النيرانُ تنطَفِئُ على كَتِفِها
وهي تَرمِش، هكذا أظُنّكِ كنتِ تقولينَ
مع تحديقةٍ مُشتَعِلة هي النهاية 

أنا خائِفٌ، هكذا كنتُ قلتُ قَبْلَ أن تتكلّمي،
مِن أنْ يطولَكِ شرُّ ما أحمِلُه
بأيدٍ لا تقاوِم البَرْدَ
حين تَتجمّد أفكاري 
والريحُ تَحرُق الوَجْه السارِحَ وراءَها
وقد هَجَرَتِ الحَفْر البارِز للغُبار

نهضتِ إذّاك لا لتشعلي النار
ولكنْ لتُحضِري لي بعضَ المياه
دونَما أن أطلب منكِ ذلك
تَدَعينَها تَسري لبَعضِ الوقت
قُربَ قَلبِ التَرَسُّباتِ السائِلة
حيثُ القَطَراتُ الثمينة تَبرُقُ على الزجاج

لقد حاولتُ مرّاتٍ أن أتذكّر
ما قلتِه بالضَبْط ليلتذاك
ولماذا، وأنا لم أنسَها ولكنْ لا أذْكُرُها،
أراحتْني كلماتُكِ بشفافيّتِها المتَكَسّرة
وكانت تَسري ناعِمةً عليَّ
أينما سالتْ 

أعرِف أنّني حين أعودُ إلى البيت مُثقَلاً 
أنزَعُ الثيابَ الجافّة عني الآن
وأدعُ المياهَ تسري عاريةً على جسدي
فأصير كأنّي أتحمّم بالضوْء
في حمّام مُظلم لو وَلَجَه ضوءٌ
أغمِضُ عينيّ

لا تخفْ، قلتِ. لو لم يكن هذا الحب
كما تعتقد شيئاً صُلباً من الأرض
بل قلعةَ رِمالٍ تَغرَق
بينما تُبرد سفينة تمخُر الأعماقَ
بأمواجٍ إلى الشاطئ
ترُشّ الأطفال بالمِلح

سيولةُ المَخلوق
من أجل أن ينسابَ على مُنحدراتِ الجَسَد
وتسعُه آنية الروح
قبل أن تَرتدَ المياهُ مياهاً
قبل أن تكْتشفَ نهايتها في المركز
قبل أن تَتمَرْكَز

لا شيء يستطيع الاختباء في المياه

فعليها يَهبِط النَقشُ الذي يَطبَع
الكوْنَ وقبل أن يذوبَ
تَهزّ سطحَه الجامد
لتُعيد تكوينَ الظِلال 
في ذاكرة المياه - هل تذكرين؟ - 
لكلِّ لحْظةٍ ينساها أحدنا

طهّري كلماتك وإن لم تفعلي مع كلماتي
على صوت الصُنبور أو الشَّلّال
ما يَجلِب المياه من مركز المياه
وهي في أصْلِنا إلى أبعَدَ عُمق
حتى تأتي لحظة
تكون حوّطتنا جميعاً

لا حاجةَ لتَذَكُّر كلماتي بِدِقّة
أَطلقيها ولكن
لا تُطلِقيني.


* Yiorgos Chouliaras شاعر يوناني من مواليد ثيسالونيكي عام 1951 ويعتبر من أبرز الأسماء الشعرية في بلده اليوم

** ترجمة: يوسف رخا

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون