15 سبتمبر 2023
في مخرجات كورونا أردنياً
أفرزت أزمة كورونا في الأردن حقائق كثيرة طفت على سطح المشهد الوطني المحلي، في مقدمها أن إدارة الأزمات إن أعطيت للمتخصصين وأهل الخبرة تكون أفضل، وهذا لا يعني أن إدارة الأزمة الراهنة لم تكن بدون أخطاء، ولكن بالعودة إلى أزمات سابقة، اتضح أن الحكومة تدير اليوم "حالة أزمة " أفضل من سابقاتها من الحالات، إذا ما قورنت مع أزمة إضراب المعلمين (أكتوبر/ تشرين الأول 2019)، أو أزمة فيضانات البحر الميت (أكتوبر/ تشرين الأول 2018).
ما الجديد في إدارة أزمة فيروس كورونا؟ في الإجابة على السؤال، يذكر أن معظم القرارات في الموضوع الصحي لهذه الأزمة ناتجة عن توصيات لجنة الأوبئة الوطنية التي تضمّ نخبة من أساتذه الجامعات، وتحديداً الأردنية و"العلوم والتكنولوجيا"، وهي لجنة تجتمع يومياً مع وزير الصحة سعد جابر وتقرّر، وهو يستمع لها ويتصرّف وفقا لتوصياتها. والمشهد الإعلامي يديره وزير ذو خلفية إعلامية، وله من الخبرة الوظيفية العليا ما جعله قادرا على إدارة الشأن الإعلامي باقتدار. ويقدم المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات توصياتٍ للمعنيين كل يوم، وقد كشف هذا الدور للمركز عن قدرات أفضل للتعامل مع الوضع العام.
وفي الحالتين اللتين جرى فيهما إخفاق، وهما مهمة توزيع الخبز على المواطنين والتي أسندت
لوزير العمل، وحالة تصاريح وزارة الزراعة التي استقال إثرها وزير الزراعة، وفي الإخفاق الاجتماعي من الجمهور المستهتر، فإن عامل خبرتي الوزيرين المعنيين والعاملين في الثقافة الصحية، أظهر العيوب، ولاحقا تمّ الاستدراك ومعالجة الموقف.
وفي مجمل ما يدور أردنياً، هناك نوع من النجاح الجدّي قياساً لقدرات البلد، في مسألة استقدام الرعايا وعزل العائدين من الخارج عند وصولهم، وفي حالة التعامل مع مدينة إربد، حيث أعطي الأمر للجيش بالتصرّف، وجرت متابعة كل من اشتبه بإصابته بمرض كورونا، أو مخالطته مصابا، وبدأت السياسة التي اعتمدت على عزل المدينة تؤتي نتائجها بشكل سريع بتقليل الإصابات. ولا ينفي هذا الجهد والنجاح وجود استهتار عند بعضهم، وتقويض الجهود الوطنية بدون قصد، ولكن ذلك لا يراكم على النجاح، بل يقلل منه، كما ينفي هذا وجود أخطاء وأحياناً حدوث تأخر في حسم بعض الروايات الرائجة، ويحدث هذا كله في ظل دفق إعلامي اجتماعي هائل.
لقد أعطت إدارة الأزمة الراهنة حكومة عمر الرزاز بعداً جديدا في اكتشاف متانة قوة مؤسسات الدولة الراسخة، وفي مقدمتها الجيش والأمن، ودلت على نجاعة الخبرات الصحية والقطاع الصحي الأردني والحاجة لدعمه، وفاعلية الخبرات الأردنية في قطاع تكنولوجيا المعلومات التي رفدت وزارة التربية والتعليم، ووفرت منصةً للتعليم عن بعد، سمحت باستمرار العام الدراسي بشكل مرن، من دون اللجوء إلى خيارات صعبة، رافقت علمية تعطيل المدارس والجامعات.
وفي جملة المشهد الأردني، وبسبب كورونا، هناك إدراك لأهمية قطاع الزراعة والاستثمار فيه، لما يملكه الأردن من مناخاتٍ متعدّدة للزراعة، وهذا يحدث في ظل اكتشاف أهمية تطوير عناصر الإمداد الغذائي الأردني، ويدعم ذلك وجود صناعاتٍ دوائية أردنيةـ وصناعة معقمّات جعلت البلد في مناى عن العوز، لا بل اكتشف الأردن أنهم من أكثر الدول العربية تصديرا للأدوية والمعقّمات في ظلال كورونا.
وقد دخل المجلس الاقتصادي الاجتماعي الذي يمكن وصفه بأنه من أهم روافد بيوت التحليل
والقياس للمشهد الأردني، على خط تقييم الاستجابة الأردنية لأزمة كورونا الراهنة، وأصدر تقريراً ضمّ معاينةً لإدارة الأزمة، وتوصياتٍ مهمة في القطاعات الحيوية للدولة، وكما جاء في التقرير الذي شارك فيه خبراء مختصون على مدار ستة أيام، وأجري بتقنية الفيديو، فإن الدولة معنيةٌ بتحفيز الاقتصاد ودعم الشركات ذات المبادرات، وتسهيل العودة التدريجية للاقتصاد ومؤسساته، بالإضافة إلى ضرورة الدعوة إلى الدفع المسبق للضرائب، ووقف صرف مكافآت العمل الإضافي وكل أشكال الهدر وإرجاء صرف الزيادات على الرواتب، وكذلك الحال بالنسبة لفوائد الديون وتأخير دفعها واعتماد الحظر الجزئي وتسهيل عودة بعض الوزارات إلى العمل.
وفي القطاع الصحي، أوصى التقرير (230 صفحة) بضرروة دعم القدرات الصحية الخدمية، ورفع الوعي المجتمعي، وتعميم تجربة البروتوكولات الصحية في شركتي الفوسفات والبوتاس وأدوية الحكمة، وضمان السيطرة على المرض، ودعم الكوادر الصحية. وفي قطاع الصناعة، أوصى التقرير بإعفاء صغار ومتوسطي المقترضين من فوائد القروض ثلاثة أشهر، وتخفيض كُلف الإيجارات وتأسيس صندوق طوارئ لدعم رواتب العمالة، واعتماد مبدأ التحفيز الضريبي، وإعادة النظر في أسعار الكهرباء، وإيجاد آلية لتعزيز الترابطات والعناقيد الإنتاجية. وفي قطاع
الاستثمار، أوصى التقرير بتأجيل الالتزامات المستحقة على الشركات حسب الرغبة، وخفض 30% من قيمة الإيجار وتشجيع التبرّعات، وحسم جزئي من المكافآت وتشجيع منح المستثمرين الإعفاءات وتشريع الحصول على الاعتمادات البنكية وتوسيع نطاق الخدمات الإلكترونية .. إلخ.
وشمل التقرير توصيات خاصة بقطاع الطاقة، تدعو إلى تثبيت فرق أسعار الوقود، وتخفيض التعرفة الكهربائية على قطاعي الصناعة والسياحة، وإعادة النظر في هيكلة قطاع الطاقة بشكل عام. أما سوق العمل فقد شرح التقرير هيكلية السوق وبنيته، والذي يُشكل العاملون بأجر فيه ما نسبته 82%، ومنهم نحو 1.25 مليون يعملون من دون أيٍّ من أشكال الحماية، فقد أوصى التقرير بتوفير معونة نقدية طارئة وعاجلة لهم. كما أوصى التقرير بضرروة دعم للمنشآت الخاصة، وتخفيض اشتراكات الضمان، وعدم التسرّع بفتح قطاعات غير حيوية. وتوقع التقرير عودة أردنيين عاملين في دول الخليج؛ بسبب الأزمة الاقتصادية التي تضرب اقتصاديات تلك الدول، ودعا إلى النظر إلى تجارب الدول التي واجهت أزمة كورونا بإعلان خطط تحفيزية لاقتصادياتها.
يُعد هذا التقرير الذي أنجزه المجلس الاقتصادي الاجتماعي الأشمل في معاينة أزمة كورونا وتداعياتها أردنياً، وهو وثيقة وطنية إزاء التعامل مع أزمة راهنة، ويؤكد نجاح العمل عن بعد، كما يدعو رئيس المجلس مصطفى حمارنة، في إطار المسؤولية المُلقاة على عاتق مراكز البحث والدراسات. ولعل من المفيد التذكير بأن تقرير حالة البلاد الذي صدر قبيل أزمة كورونا أكد على مراجعة سريعة للإدارة الأردنية، وأشار إلى فجوة معرفية بين حلقات الإدارة العامة، وهذا ما يعزّز فجوة الثقة بين الموطن والحكومات. ولعل الفجوة المعرفية هي التي أضعفت بعض الوزراء والمسؤولين اليوم، وهي فجوةٌ معرفيةٌ ليست علمية وحسب، بل ربما تطاول الخبرة والمعرفة بالشأن العام مع عامل الحكمة الذي يغيب عن بعضهم.
وفي الحالتين اللتين جرى فيهما إخفاق، وهما مهمة توزيع الخبز على المواطنين والتي أسندت
وفي مجمل ما يدور أردنياً، هناك نوع من النجاح الجدّي قياساً لقدرات البلد، في مسألة استقدام الرعايا وعزل العائدين من الخارج عند وصولهم، وفي حالة التعامل مع مدينة إربد، حيث أعطي الأمر للجيش بالتصرّف، وجرت متابعة كل من اشتبه بإصابته بمرض كورونا، أو مخالطته مصابا، وبدأت السياسة التي اعتمدت على عزل المدينة تؤتي نتائجها بشكل سريع بتقليل الإصابات. ولا ينفي هذا الجهد والنجاح وجود استهتار عند بعضهم، وتقويض الجهود الوطنية بدون قصد، ولكن ذلك لا يراكم على النجاح، بل يقلل منه، كما ينفي هذا وجود أخطاء وأحياناً حدوث تأخر في حسم بعض الروايات الرائجة، ويحدث هذا كله في ظل دفق إعلامي اجتماعي هائل.
لقد أعطت إدارة الأزمة الراهنة حكومة عمر الرزاز بعداً جديدا في اكتشاف متانة قوة مؤسسات الدولة الراسخة، وفي مقدمتها الجيش والأمن، ودلت على نجاعة الخبرات الصحية والقطاع الصحي الأردني والحاجة لدعمه، وفاعلية الخبرات الأردنية في قطاع تكنولوجيا المعلومات التي رفدت وزارة التربية والتعليم، ووفرت منصةً للتعليم عن بعد، سمحت باستمرار العام الدراسي بشكل مرن، من دون اللجوء إلى خيارات صعبة، رافقت علمية تعطيل المدارس والجامعات.
وفي جملة المشهد الأردني، وبسبب كورونا، هناك إدراك لأهمية قطاع الزراعة والاستثمار فيه، لما يملكه الأردن من مناخاتٍ متعدّدة للزراعة، وهذا يحدث في ظل اكتشاف أهمية تطوير عناصر الإمداد الغذائي الأردني، ويدعم ذلك وجود صناعاتٍ دوائية أردنيةـ وصناعة معقمّات جعلت البلد في مناى عن العوز، لا بل اكتشف الأردن أنهم من أكثر الدول العربية تصديرا للأدوية والمعقّمات في ظلال كورونا.
وقد دخل المجلس الاقتصادي الاجتماعي الذي يمكن وصفه بأنه من أهم روافد بيوت التحليل
وفي القطاع الصحي، أوصى التقرير (230 صفحة) بضرروة دعم القدرات الصحية الخدمية، ورفع الوعي المجتمعي، وتعميم تجربة البروتوكولات الصحية في شركتي الفوسفات والبوتاس وأدوية الحكمة، وضمان السيطرة على المرض، ودعم الكوادر الصحية. وفي قطاع الصناعة، أوصى التقرير بإعفاء صغار ومتوسطي المقترضين من فوائد القروض ثلاثة أشهر، وتخفيض كُلف الإيجارات وتأسيس صندوق طوارئ لدعم رواتب العمالة، واعتماد مبدأ التحفيز الضريبي، وإعادة النظر في أسعار الكهرباء، وإيجاد آلية لتعزيز الترابطات والعناقيد الإنتاجية. وفي قطاع
وشمل التقرير توصيات خاصة بقطاع الطاقة، تدعو إلى تثبيت فرق أسعار الوقود، وتخفيض التعرفة الكهربائية على قطاعي الصناعة والسياحة، وإعادة النظر في هيكلة قطاع الطاقة بشكل عام. أما سوق العمل فقد شرح التقرير هيكلية السوق وبنيته، والذي يُشكل العاملون بأجر فيه ما نسبته 82%، ومنهم نحو 1.25 مليون يعملون من دون أيٍّ من أشكال الحماية، فقد أوصى التقرير بتوفير معونة نقدية طارئة وعاجلة لهم. كما أوصى التقرير بضرروة دعم للمنشآت الخاصة، وتخفيض اشتراكات الضمان، وعدم التسرّع بفتح قطاعات غير حيوية. وتوقع التقرير عودة أردنيين عاملين في دول الخليج؛ بسبب الأزمة الاقتصادية التي تضرب اقتصاديات تلك الدول، ودعا إلى النظر إلى تجارب الدول التي واجهت أزمة كورونا بإعلان خطط تحفيزية لاقتصادياتها.
يُعد هذا التقرير الذي أنجزه المجلس الاقتصادي الاجتماعي الأشمل في معاينة أزمة كورونا وتداعياتها أردنياً، وهو وثيقة وطنية إزاء التعامل مع أزمة راهنة، ويؤكد نجاح العمل عن بعد، كما يدعو رئيس المجلس مصطفى حمارنة، في إطار المسؤولية المُلقاة على عاتق مراكز البحث والدراسات. ولعل من المفيد التذكير بأن تقرير حالة البلاد الذي صدر قبيل أزمة كورونا أكد على مراجعة سريعة للإدارة الأردنية، وأشار إلى فجوة معرفية بين حلقات الإدارة العامة، وهذا ما يعزّز فجوة الثقة بين الموطن والحكومات. ولعل الفجوة المعرفية هي التي أضعفت بعض الوزراء والمسؤولين اليوم، وهي فجوةٌ معرفيةٌ ليست علمية وحسب، بل ربما تطاول الخبرة والمعرفة بالشأن العام مع عامل الحكمة الذي يغيب عن بعضهم.