15 نوفمبر 2022
في راهن العلاقات التركية الأميركية
لم تشهد العلاقات التركية الأميركية مثل المسار الذي تعرفه أنقرة وواشنطن الآن من مد وجزر، منذ الأزمة الكبرى بينهما بعد إغلاق جميع القواعد العسكرية الأميركية التي افتتحت هناك بين عامي 1975 و1978. كانت كل من الولايات المتحدة وتركيا قد شهدتا أجمل أيامهما بين 2003 و2013، على الرغم من أن حزب العدالة والتنمية نفسه كان في الحكم.
ومؤكّد أنه لا يمكن اختزال التأزم بشخصية الرئيس الأميركي، ترامب أو شخصية الرئيس التركي أردوغان، حتى لو كان لكل منهما أثرٌ معينٌ في تموّج العلاقات. يعرف الجميع أن العلاقات بين الطرفين تفاقمت تدريجيا، خصوصا بعد محاولة انقلاب عسكري عام 2016، وبتأثير عوامل اخرى. لا يمكن تنظيف (أو تصفير) الذاكرة التي تراكمت منذ تلك الفترة، في ما يتعلق بما يجري بين الطرفين: ملف استعادة فتح الله غولن الذي يعتقد الحكام في تركيا أنه يقف وراء الانقلاب العسكري الفاشل، وجود وحدات حماية الشعب الكردية في الشمال السوري، العقوبات الأميركية المفروضة على تركيا وتحقيق الكونغرس في الثروة الشخصية لأردوغان، واتهامات ضد تركيا بشأن خرق العقوبات ضد إيران، والدعوات بحق مدراء أحد البنوك التركية في محاكم أميركية، منظومة صواريخ إس - 400، بيع مقاتلات إف - 35، الانتهاكات في منطقة دخل فيها الجيش الوطني السوري، والرسالة المسيئة إلى أردوغان التي بعثها ترامب... ولكن يمكن القول إن كل هذا المسائل ليست غير قابلة للحل.
يبدو أن المشكلة الأساسية تكمن في شراء تركيا منظومة صواريخ إس – 400، وإصرارها
على تطوير علاقاتها الروسية وتعزيزها. ويرى المسؤولون الأميركيون أن المشكلات الأخرى يمكن حلها بشكل أو بآخر، ولا يعتبرون أن غير هذه المشكلات تضر بجوهر العلاقات بين الطرفين. ولكن مشكلة هذه الصواريخ والتحالف التركي الروسي الذي تخشى الولايات المتحدة أن تتطرق إليه صراحة، لا يمكن تبنّيها أو قبولها بهذه السهولة. وترى الولايات المتحدة أن العلاقات التركية الروسية تناقض عضوية تركيا في حلف شمال الاطلسي (الناتو) والصداقة التركية الأميركية، بينما يرى المسؤولون في الولايات المتحدة أنه يستحيل استخدام منظومة أس - 400 مع مقاتلات إف - 35 بشكل متزامن تقنيا.
وقد تسرب إلى الصحافة أن ترامب قدم لتركيا مقترحا لحل المسألة، أن تشتري تركيا مقاتلات إف - 35 التي دفعت تركيا مليار دولار سلفا من ثمنها، بشرط ألا تشتري صواريخ اس-400 إضافية، مع قبول تركيا مراقبة متخصصين وتقنيين أميركيين هذه الصواريخ وتفتيشها. وعلاوة على ذلك، سيتم ضم تركيا لمشروع إنتاج هذه المقاتلات المتطورة التي تحتاجها تركيا بشدة. وسوف يلعب القرار الذي سوف يتخذه أردوغان في هذا الشأن دورا كبيرا في مستقبل العلاقات التركية الأميركية.
على الرغم من كل ما يجري من توترات بين الطرفين، لا تركيا ولا الولايات المتحدة تريد قطيعة في العلاقات، فالواقع يجبرهما على مواصلتها. وجاء اجتماع ترامب وأردوغان، في
البيت الأبيض في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إشارة إلى أن هناك أملا في تعويض ما جرى بين الطرفين، على الرغم من توجيه الاتهامات المتبادلة. وينبغي القول إن هناك مشكلة كبيرة في العلاقات، بسبب تحولها من علاقة بين الدولتين إلى علاقة بين الشخصين. ويدفع هذا الوضع البلدين الى الضبابية في مستقبل العلاقات. كما ينبغي التسليم بأن الرئيس ترامب بذل جهدا كبيرا من أجل تحسين صورة تركيا في الولايات المتحدة، وترقية مستوى العلاقات إلى منزلةٍ أفضل. وقد دل اللقاء في البيت الأبيض على اهتمام ترامب بتركيا وأردوغان، لا سيما وأنه تمكن من الحيلولة دون العقوبات على تركيا، ولو مؤقتا، وتمت عرقلة مذكرة إدانة بشأن "الإبادة الجماعية" للأرمن. وهذه من إنجازات أردوغان في لقائه مع ترامب. ومع ذلك، تم إبلاغ الرئيس التركي بأن المسألة، عندما تتعلق مباشرة بالأمن القومي للولايات المتحدة، مثل مسألة صواريخ إس 400 الروسية، لا يستطيع ترامب، ولا أي أميركي آخر، التسامح مع أنقرة. وقد تمت إحالة هذا الملف إلى لجنة، مثل ملف سورية وفتح الله غولن، وهذا يعني أن تركيا ترى المسألة قابلة للتفاوض. وبالتالي، ما زال ملف "إس 400" قابلا للمفاوضات، وإن دفعت تركيا ثمن هذه الصواريخ التي تم تركيبها في منطقة ما في تركيا. ولسوء الحظ، لا يبدو ممكنا بالنسبة لتركيا الحصول على نتائج ملموسة في هذا الشأن في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة من دون مفاوضات أشد مع موسكو.
أعطت زيارة أردوغان البيت الأبيض نفسا لأنقرة، ولو كان مؤقتا. وقد لا يتمكن ترامب الذي يتعرّض لعملية مساءلة في الكونغرس من النواب الذين ينتظرون بشوق ضغط الزر لإطلاق العقوبات على تركيا، قد لا يتمكّن من الفرملة في المرة المقبلة.
وقد تسرب إلى الصحافة أن ترامب قدم لتركيا مقترحا لحل المسألة، أن تشتري تركيا مقاتلات إف - 35 التي دفعت تركيا مليار دولار سلفا من ثمنها، بشرط ألا تشتري صواريخ اس-400 إضافية، مع قبول تركيا مراقبة متخصصين وتقنيين أميركيين هذه الصواريخ وتفتيشها. وعلاوة على ذلك، سيتم ضم تركيا لمشروع إنتاج هذه المقاتلات المتطورة التي تحتاجها تركيا بشدة. وسوف يلعب القرار الذي سوف يتخذه أردوغان في هذا الشأن دورا كبيرا في مستقبل العلاقات التركية الأميركية.
على الرغم من كل ما يجري من توترات بين الطرفين، لا تركيا ولا الولايات المتحدة تريد قطيعة في العلاقات، فالواقع يجبرهما على مواصلتها. وجاء اجتماع ترامب وأردوغان، في
أعطت زيارة أردوغان البيت الأبيض نفسا لأنقرة، ولو كان مؤقتا. وقد لا يتمكن ترامب الذي يتعرّض لعملية مساءلة في الكونغرس من النواب الذين ينتظرون بشوق ضغط الزر لإطلاق العقوبات على تركيا، قد لا يتمكّن من الفرملة في المرة المقبلة.
مقالات أخرى
03 يناير 2021
23 ديسمبر 2020
14 يونيو 2020