30 مارس 2020
في راهن العراقيين الأكراد
رافد جبوري
كاتب وصحفي عراقي، مراسل تلفزيون العربي في واشنطن، له مقالات وبحوث منشورة باللغتين العربية والانكليزية، ماجستير في التاريخ المعاصر والسياسة من جامعة لندن.
على بوابة السفارة الإيرانية في بغداد، وقف رئيس وفد الحزب الديمقراطي الكردستاني الزائر بغداد، فاضل ميراني، جنباً الى جنب مع السفير الايراني، الجنرال السابق في الحرس الثوري، إيراج مسجدي ليتحدثا للصحافيين. كانت درجة التوافق مثيرة للاهتمام، فقد صدرت منهما رسالة واحدة، أن الوقت مبكر للحديث عن تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وأنه ينبغي عدم التسرع في ذلك. جرى اللقاء الإيراني – الكردستاني، وصدرت التصريحات في اليوم نفسه الذي كان فيه زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الذي فازت كتلته السياسة بالعدد الأكبر من المقاعد، يغرد على موقع "تويتر"، إنه أكمل اللمسات الأخيرة لتشكيل الحكومة. وقد رأت تحليلات بعد ظهور نتائج الانتخابات، بل حتى قبلها، أن الكرد خسروا، على الأرجح، تأثيرهم السياسي الذي كان في العادة مهماً في السنوات السابقة، لكن زيارة وفد الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي تتزعمه عائلة الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق، مسعود بارزاني، بغداد، والتي تزامنت أيضاً مع زيارة شخصيات من الحزب الكردي الكبير الآخر، الاتحاد الوطني الكردستاني الذي تتزعمه عائلة الرئيس العراقي السابق، جلال طالباني، أثبتت أن العراقيين الكرد في موقف سياسي ليس ضعيفاً أبداً.
وكان الحديث عن ضعف الكرد قد استند إلى الضربة السياسية والميدانية التي تلقوها عقب فشل استفتائهم على الانفصال عن العراق الذي أصرّوا على إجرائه العام الماضي، مخالفين داعميهم الأميركيين والإيرانيين والأتراك. على الرغم من أن غالبية كردية ساحقة صوّتت لصالح
الانفصال، إلا أن النتائج لم تحظ بأي اعتراف، بل أدت إلى إجراءات عقابية قامت بها الحكومة العراقية المركزية، انتهت بالكرد إلى مزيد من المصاعب الاقتصادية، وإلى خسارتهم إدارة محافظة كركوك الغنية بالنفط، ومناطق أخرى متنازعاً عليها، سيطرت عليها القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي التي تهيمن عليها الفصائل المسلحة الشيعية المدعومة من إيران. لكن الانتخابات النيابية جاءت أخيراً بنتائج أعادت للحزبين الكرديين الرئيسين مكانتهما المؤثرة في السياسة العراقية.
كان حزب بارزاني، والذي يتخذ من مدينة أربيل معقلاً له، يأمل في أن تدعمه أميركا في قضية الاستفتاء وما بعدها، خصوصاً بعد الدعم الإسرائيلي الكبير لذلك المسعى، وكان ذلك خطأ كبيراً في الحسابات. استوعب الحزب الصدمة، لكن نقاشات عديدة بعد الاستفتاء انصبت على كيفية إدارة المرحلة المقبلة، وإذا كان الحزب قد استند إلى علاقاته الوثيقة مع الأميركيين والأتراك، لينتهج خطاً منتقداً لإيران، ومختلفاً معها في السنوات القليلة الماضية، فإن صدمة الاستفتاء أعادته إلى موقع قريب من إيران التي تربطه بها علاقة وثيقة تمتد عقوداً، وتعود إلى زمن الشاه ليتوج ذلك بزيارة وفده إلى السفارة الإيرانية.
أما حزب طالباني، الاتحاد الوطني الكردستاني، ومعقله مدينة السليمانية القريبة من الحدود الإيرانية، وعلى الرغم من الانقسامات والانشقاقات، وعلى الرغم من أنه اتهم بالتخاذل وعدم الدفاع عن كركوك بوجه القوات العراقية التي تقدمت للسيطرة عليها بعد الاستفتاء، فقد حقق نتائج لا بأس بها، وضعته مرة أخرى في موقع مفاوض قوي في بغداد. يتمتع الاتحاد بعلاقةٍ وثيقةٍ مع إيران، تكاد تفوق علاقة بعض الأطراف العراقية الشيعية معها. كما أنه استعاد علاقة التنسيق مع الحزب الديمقراطي في بغداد. ومن هنا، كان من الدال تزامن زيارة وفد من "الاتحاد الوطني"، تزعمه القيادي وعضو مكتبه السياسي، ملا بختيار، مع زيارة وفد الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة ميراني، بغداد.
هزيمة الكرد في الاستفتاء، وخذلان الأميركيين لهم، لا يعنيان أن علاقة الكرد بأميركا انتهت. فهناك وجود عسكري أميركي وتنسيق متواصل في مجال العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش مع الحزبين الكرديين. وكان أول زائر أجنبي لإقليم كردستان بعد الانتخابات هو المبعوث
الخاص للرئيس الأميركي لشؤون محاربة تنظيم داعش، بريت مكغورك. وسيبقى الكرد يعولون دائماً على الدعم الأميركي، لكنهم وبعد أن تيقنوا أن لذلك الدعم حدوداً عادوا إلى التنسيق مع الإيرانيين وللعبة المفضلة التي يجيدها الكرد، كما تجيدها أحزاب عراقية أخرى، وهي اللعب على الحبلين، الأميركي والإيراني، من أجل تحقيق المكاسب.
يفهم الكرد المعارضة الإيرانية والتركية لأي تحرك يهدف إلى إنشاء دولة كردية شمال العراق، وسببها الأساس عدم إحياء الحلم التاريخي الكردي لدى أكراد إيران وتركيا، لكنهم كانوا يغالطون المنطق، ويأملون بدعم أميركي يضع القوى الإقليمية أمام الأمر الواقع. وقد أظهرت هزيمة الاستفتاء ضعف الكرد، لأنهم وضعوا هدفاً أكبر من حجمهم. أما عودتهم إلى المواقع السياسية القديمة، فقد أعادت إليهم قوتهم. هم يتفاوضون اليوم على حصتهم من المناصب في الحكومة المركزية، وأبرزها منصب رئيس الجمهورية، وتلك معادلة أسسها الأميركيون بعد 2003، وباركها الإيرانيون.
عملياً، ترجم تقارب كرد العراق مع الإيرانيين إلى لقاء رباعي مهم جداً، ضم الوفدين الكرديين معاً مع رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، الذي دخل في السنوات السابقة في خصومة مع الكرد، بدا أنها بلا عودة، لكن أجواء مفاوضات تشكيل الحكومة جمعت وصالحت. وكان مكان اللقاء في مقر هادي العامري، زعيم قائمة الفتح التي تمثل الحشد الشعبي. لم يعلن تحالف رسمي نتيجة اللقاء، لكن الرسائل التي خرجت منه كانت واضحة، هناك جبهة كردية موحدة، تنسق مع حلفاء إيران في بغداد، بدعم من طهران، وأن خلافات الماضي تم تجاوزها من أجل مصالح المستقبل.
وكان الحديث عن ضعف الكرد قد استند إلى الضربة السياسية والميدانية التي تلقوها عقب فشل استفتائهم على الانفصال عن العراق الذي أصرّوا على إجرائه العام الماضي، مخالفين داعميهم الأميركيين والإيرانيين والأتراك. على الرغم من أن غالبية كردية ساحقة صوّتت لصالح
كان حزب بارزاني، والذي يتخذ من مدينة أربيل معقلاً له، يأمل في أن تدعمه أميركا في قضية الاستفتاء وما بعدها، خصوصاً بعد الدعم الإسرائيلي الكبير لذلك المسعى، وكان ذلك خطأ كبيراً في الحسابات. استوعب الحزب الصدمة، لكن نقاشات عديدة بعد الاستفتاء انصبت على كيفية إدارة المرحلة المقبلة، وإذا كان الحزب قد استند إلى علاقاته الوثيقة مع الأميركيين والأتراك، لينتهج خطاً منتقداً لإيران، ومختلفاً معها في السنوات القليلة الماضية، فإن صدمة الاستفتاء أعادته إلى موقع قريب من إيران التي تربطه بها علاقة وثيقة تمتد عقوداً، وتعود إلى زمن الشاه ليتوج ذلك بزيارة وفده إلى السفارة الإيرانية.
أما حزب طالباني، الاتحاد الوطني الكردستاني، ومعقله مدينة السليمانية القريبة من الحدود الإيرانية، وعلى الرغم من الانقسامات والانشقاقات، وعلى الرغم من أنه اتهم بالتخاذل وعدم الدفاع عن كركوك بوجه القوات العراقية التي تقدمت للسيطرة عليها بعد الاستفتاء، فقد حقق نتائج لا بأس بها، وضعته مرة أخرى في موقع مفاوض قوي في بغداد. يتمتع الاتحاد بعلاقةٍ وثيقةٍ مع إيران، تكاد تفوق علاقة بعض الأطراف العراقية الشيعية معها. كما أنه استعاد علاقة التنسيق مع الحزب الديمقراطي في بغداد. ومن هنا، كان من الدال تزامن زيارة وفد من "الاتحاد الوطني"، تزعمه القيادي وعضو مكتبه السياسي، ملا بختيار، مع زيارة وفد الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة ميراني، بغداد.
هزيمة الكرد في الاستفتاء، وخذلان الأميركيين لهم، لا يعنيان أن علاقة الكرد بأميركا انتهت. فهناك وجود عسكري أميركي وتنسيق متواصل في مجال العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش مع الحزبين الكرديين. وكان أول زائر أجنبي لإقليم كردستان بعد الانتخابات هو المبعوث
يفهم الكرد المعارضة الإيرانية والتركية لأي تحرك يهدف إلى إنشاء دولة كردية شمال العراق، وسببها الأساس عدم إحياء الحلم التاريخي الكردي لدى أكراد إيران وتركيا، لكنهم كانوا يغالطون المنطق، ويأملون بدعم أميركي يضع القوى الإقليمية أمام الأمر الواقع. وقد أظهرت هزيمة الاستفتاء ضعف الكرد، لأنهم وضعوا هدفاً أكبر من حجمهم. أما عودتهم إلى المواقع السياسية القديمة، فقد أعادت إليهم قوتهم. هم يتفاوضون اليوم على حصتهم من المناصب في الحكومة المركزية، وأبرزها منصب رئيس الجمهورية، وتلك معادلة أسسها الأميركيون بعد 2003، وباركها الإيرانيون.
عملياً، ترجم تقارب كرد العراق مع الإيرانيين إلى لقاء رباعي مهم جداً، ضم الوفدين الكرديين معاً مع رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، الذي دخل في السنوات السابقة في خصومة مع الكرد، بدا أنها بلا عودة، لكن أجواء مفاوضات تشكيل الحكومة جمعت وصالحت. وكان مكان اللقاء في مقر هادي العامري، زعيم قائمة الفتح التي تمثل الحشد الشعبي. لم يعلن تحالف رسمي نتيجة اللقاء، لكن الرسائل التي خرجت منه كانت واضحة، هناك جبهة كردية موحدة، تنسق مع حلفاء إيران في بغداد، بدعم من طهران، وأن خلافات الماضي تم تجاوزها من أجل مصالح المستقبل.
رافد جبوري
كاتب وصحفي عراقي، مراسل تلفزيون العربي في واشنطن، له مقالات وبحوث منشورة باللغتين العربية والانكليزية، ماجستير في التاريخ المعاصر والسياسة من جامعة لندن.
رافد جبوري
مقالات أخرى
20 مارس 2020
12 مارس 2020
05 مارس 2020