لا أعرف ما الذي دفعني لاختيار تلك الرواية والشروع في قراءتها بينما لم أكن حينها أتجاوز الثالثة عشرة من عمري، كنت في ذلك السن أسمع عن يوسف إدريس لكن لم أقرأ له مسبقاً، وقع اختياري على رواية من أكثر الروايات وجعاً، أبقتني مستيقظة سبعة أيام، أنام فيها غفلة، قرأت "الحرام" في يوم واحد، كانت اللغة والحكي والمفردات والقصة كفيلة بسلبي ذهني وإرادتي ووقتي حتى أكملها إلى النهاية، وما زال هذا يحدث حتى الآن مع أديبي المفضل يوسف إدريس.
أحببت يوسف إدريس، على الفور، ولم أكن أملك صورة له حينها، فرسمتها في ذاكرتي، واخترت ملامحه بعناية فائقة، ونبرة صوته، وحركاته، وإيماءاته، لم يكن يشبه "الجان" كما هو متعارف عليه الآن، لكنه، وإذ استدعيت صورته التي كونتها من كلماته وأحرفه، قد فاق "الجان" بكثير، وأصبحت، منذ ذلك الحين، هوايتي المفضلة.. أقرأ وأرسم الصورة.
كان يوسف قد فتح لي الباب، أحببت القراءة، لا سيما الأدبية منها، وانهلت أبحث عن الروايات والقصص العربية والأجنبية، ومع كل نَص أقرؤه، أرسم في خيالي شخص كاتبه، ويصبح بطلي بوسامته وعذوبة كلماته لأيام وأيام، حتى يظهر كتاب جديد، وبطل آخر.
وفي أحد أيام الجامعة، أرسلتني الكلية لإحدى الصحف المستقلة، كي أتدرب على الكتابة الصحافية بتكليف منها، كنت فرحة إلى حد الجنون، ليس من أجل الكتابة أو الصحافة فقط، لكن لأني سأرى أحد أبطالي الذين تخيلتهم من وحي السطور والكلمات، كنت أعرف مسبقاً أنه مسؤول في تلك الجريدة، وكنت أتوق شوقاً لرؤياه حتى أحقق صورته التي كونتها من كتاباته الأدبية ومقالاته.
استعددت في ذلك اليوم على غير العادة، وقلبي يقفز بين ضلوعي فرحاً، لعلي أحظى برؤياه، ولأول مرة أطالع كاتباً مفضلاً لدي، ذهبت إلى باب حجرته في الجريدة، وكأن القدر تواطأ معي فجعله مسؤولاً عن المتدربين الجدد وأنا من بينهم، كان قد سبقني إليه بعض الطلاب، وفتحت الباب.. ويا ليتني لم أفتحه.
صفعتني الحقيقة فور رؤيته، وحين تحدث بصوته الغليظ وألفاظه السوقيه، توسلت إلى السماء أن تنشق الأرض وتبلعني، كان يتحدث بملامحه الكبيرة وشعره "الأكرت" وجسده المترهل بالشحوم والدهون، وبين كل كلمة وأخرى يقحم سباباً وألفاظاً كانت حديثة العهد على مسامعنا، وأنا أنظر إليه مشدوهة، عيناي مفتوحتان على اتساعهما، وعقلي يأبى التصديق، كيف يكتب هذا الجالس الأمامي تلك الكلمات العذبة التي أبهرتني؟، كيف يكتب عن الحب بعذوبة، ويحلل السياسة برقي، ويتملكني بسحر كلماته؟، كيف يكون ذلك الشخص هو ذاته من أقرأ له وكنت أتمنى لقاءه؟
خرجت من مكتبه مسرعة بعد دقائق، ومنذ ذلك الحين، ألزمت نفسي بالقراءة فقط، من دون أن أرسم صورة للكاتب، بل إني في كل مرة أقرأ وأذوب شغفاً بما أقرؤه وأضبط نفسي وأنا أحاول ممارسة هوايتي القديمة، أرجعها فوراً إلى صوابها، وأذكرها بأن الكتابة حرفة والمحترفون كثير.
أقرأ أيضًا:الطربوش... ارتداه المصريون ثمّ سخروا منه
أحببت يوسف إدريس، على الفور، ولم أكن أملك صورة له حينها، فرسمتها في ذاكرتي، واخترت ملامحه بعناية فائقة، ونبرة صوته، وحركاته، وإيماءاته، لم يكن يشبه "الجان" كما هو متعارف عليه الآن، لكنه، وإذ استدعيت صورته التي كونتها من كلماته وأحرفه، قد فاق "الجان" بكثير، وأصبحت، منذ ذلك الحين، هوايتي المفضلة.. أقرأ وأرسم الصورة.
كان يوسف قد فتح لي الباب، أحببت القراءة، لا سيما الأدبية منها، وانهلت أبحث عن الروايات والقصص العربية والأجنبية، ومع كل نَص أقرؤه، أرسم في خيالي شخص كاتبه، ويصبح بطلي بوسامته وعذوبة كلماته لأيام وأيام، حتى يظهر كتاب جديد، وبطل آخر.
وفي أحد أيام الجامعة، أرسلتني الكلية لإحدى الصحف المستقلة، كي أتدرب على الكتابة الصحافية بتكليف منها، كنت فرحة إلى حد الجنون، ليس من أجل الكتابة أو الصحافة فقط، لكن لأني سأرى أحد أبطالي الذين تخيلتهم من وحي السطور والكلمات، كنت أعرف مسبقاً أنه مسؤول في تلك الجريدة، وكنت أتوق شوقاً لرؤياه حتى أحقق صورته التي كونتها من كتاباته الأدبية ومقالاته.
استعددت في ذلك اليوم على غير العادة، وقلبي يقفز بين ضلوعي فرحاً، لعلي أحظى برؤياه، ولأول مرة أطالع كاتباً مفضلاً لدي، ذهبت إلى باب حجرته في الجريدة، وكأن القدر تواطأ معي فجعله مسؤولاً عن المتدربين الجدد وأنا من بينهم، كان قد سبقني إليه بعض الطلاب، وفتحت الباب.. ويا ليتني لم أفتحه.
صفعتني الحقيقة فور رؤيته، وحين تحدث بصوته الغليظ وألفاظه السوقيه، توسلت إلى السماء أن تنشق الأرض وتبلعني، كان يتحدث بملامحه الكبيرة وشعره "الأكرت" وجسده المترهل بالشحوم والدهون، وبين كل كلمة وأخرى يقحم سباباً وألفاظاً كانت حديثة العهد على مسامعنا، وأنا أنظر إليه مشدوهة، عيناي مفتوحتان على اتساعهما، وعقلي يأبى التصديق، كيف يكتب هذا الجالس الأمامي تلك الكلمات العذبة التي أبهرتني؟، كيف يكتب عن الحب بعذوبة، ويحلل السياسة برقي، ويتملكني بسحر كلماته؟، كيف يكون ذلك الشخص هو ذاته من أقرأ له وكنت أتمنى لقاءه؟
خرجت من مكتبه مسرعة بعد دقائق، ومنذ ذلك الحين، ألزمت نفسي بالقراءة فقط، من دون أن أرسم صورة للكاتب، بل إني في كل مرة أقرأ وأذوب شغفاً بما أقرؤه وأضبط نفسي وأنا أحاول ممارسة هوايتي القديمة، أرجعها فوراً إلى صوابها، وأذكرها بأن الكتابة حرفة والمحترفون كثير.
أقرأ أيضًا:الطربوش... ارتداه المصريون ثمّ سخروا منه