في تسليع المرأة العربية
هو مفتاح سحري لأبواب كثيرة موصدة، يلتقي فيها "سحر الشرق" وغرابته وتفرده مع مخيال أوروبي استشراقي، ورغبات دفينة كثيرة في استنهاض ماضوية قروسطية عن هذا العربي.
ولسنوات قليلة ماضية ظل عنصر "ختان البنات" مشمولاً في خانة "توحش المسلمين"، وللعرب نصيب فيه، أكبر مما ظن حتى وثنيو الممارسة الأفريقية في تقاليدهم المحمولة إلى مدن الغرب.
حتى إن بحثت في تاريخ قريب، لنقل في القرن الماضي، عن هَبات نساء الغرب [مع آباء مؤسسين] لنيل أبسط الحقوق، في التصويت والمشاركة السياسية واقتسام المناصب، فإن التمكين، مؤسسياً ودستورياً، لم يكن بمسار منفصل عن مسارات التغيير الأشمل، والإصلاحات الثورية الطارئة. بمعنى أن السياق الحقوقي، في الاختيار الطبيعي، حتى لارتداء بنطال في مدن غربية، لم يأت بعيداً عن مجموعة متغيرات طاولت بقية الحقوق الأساسية لكل المواطنين.
لكن، مقابل مأسسة الغرب لحقوق الإنسان، ثمة من ظن في العالم العربي أن لعاب الغرب يصير سيلاً كلما قُدمت له وصفات عن اقتحام معاقل ذكورية الشرق الغامض.
خلال العقدين الماضيين، قرأ البعض بوصلة أحفاد قبائل القروسطيين، حارقي النساء بتهم الشعوذة والسحر، تحت سلطة محاكم التفتيش الكنسية، أنه لإثارة مزيد من إعجاب الغرب لا بد من رفع يافطة المرأة. والحديث هنا ليس عن المشاريع الحقيقية للدفع فعلاً بحقوقهن، ضمن حقوق بقية المجتمع، بل عن تلك التي وجدت في الفكرة ما يستدعي التحول إلى ما يشبه صالونات متأهبة لإسماع هذا وتلك لمندوبي الخارجيات الغربية ما يدر الرضا، مشفوعا بأشياء أخرى.
القضية إذا، هي تلك التي لهث أصحابها في السياق، غير آبهين ببقية الأسئلة الحقوقية لملايين وملايين في مجتمعات القهر، ومنها بالمناسبة غير عربية في آسيا وغيرها، أي اقتصار كل القصة في ما تصنعه بروباغندا ديكورات "المجالس" بالنساء في هذه وتلك من العواصم.
مناسبة التطرق لموضوع، قد يظن البعض أنه "لا يستحق"، أن ندقق في صور المرحلة الأخيرة:
- يتوعد ديكتاتور عربي، أزاح عن طريقه كل الحقوق، وكل الشعب، بأنه ربما تكون "النساء أغلبية" في وزارته القادمة بعد الاستفتاء عليه.
- سفير بمرتبة أمير، في عاصمة "كعبة الحكام"، يذكر، بكل استخفاف، بأنه لديهم في المجالس البلدية والشورى نساء أكثر مما في الكونغرس الأميركي، أو بهذا المعنى. وعظمة الحقوق أن تقود المرأة السيارة... أو تستمع لموسيقى ياني "بلا تمايل".
- ديكتاتور عربي مشرقي يقتل النساء بالجملة؛ التقت زوجته، الوجه البريطاني لتجميل قبح الاستبداد، كمشة من نساء أخريات يرتدين اللباس العسكري في عيد الأم، بتفاخر تحولهن إلى أدوات قتل، ظل يحتفظ بما ورثه عن أبيه بـ"نائبة" و"مستشارة"، لزوم عدة النصب.
- في هايد بارك بلندن ينشط "الإخوة السلفيون" في مسك مسواك صغير للدلالة على أن "اضربوهن" لا تعني الضرب، في عملية أخرى من عمليات دفع تهمة "التوحش"، بينما أفرعهم في العواصم الأم، بما فيها عاصمة أم الدنيا، تردد شعار الطاعة والخنوع "حتى لو جلد ظهرك"، وولاة الأمر، ولو كانوا متعاطي ترامادول، وجب الخنوع لهم ولو قصفوك وشردوك.
- وفي الغرب، عدا عن نزيف المال والجهد الذاهب، في سياق النفاق العام، والمتبادل في ازدواجية خانقة، تستحقر بقية الحقوق الغائبة عن الجميع، ثمة من يصر على الاستهزاء من العقل باستدعاء مظلوميات المرأة العربية فيما هو وهي ساكتان، أو لا يعنيهما أن يقنبل الشعب، ومن بينه ملايين النساء، ليُشرّد ويُرحّل، سواء في سورية أو سيناء، المهم في الأمر أن عجرفة واستعلائية غربية تُسوق مؤنسنة في صلف الغرور... ولا تنسى بكائيات الغرب على حقوق أطفال العرب في مدنه، فيما الاحتلال يتخذ من عهد التميمي مثلا في احتقار تجاوزه للأنظمة العربية، أو السير بذات السوية، كما في قصة "أولاد الشوارع".
ما هو مقلق، في مشهد تسليع الأنثى العربية، أمام العدسات والميكروفونات، وفي صالات تبادل أنخاب النفاق، في ورش عمل يصرف عليها بسخاء، من مال عربي دوار، أن الصورة المهمة ليست ما خلف بروباغندا نساء المجالس التجميلية في عواصم العرب، بما فيها تشاطر في الدفع بسلعة مقيتة المنطوق والتصرف، صحافة وسياسة وفنا، أقله استعبادا للمرأة أساسا، بكثير من أقنعة التصنع والتجميل المستورد، والأخيرة نقطة تستحق أن ينبش في مليارات الاستيراد العربي لأدواتها.
خذوا "الديمقراطية اللبنانية"، أو مدنية وعلمانية "المطران" جبران باسيل عن مدى اهتمامه، المتشبه باسكندنافيا، بحق الأم اللبنانية منح جنسيتها لأبنائها، وستعرفون كم هي مريضة هذه الديمقراطية العنصرية، فالأخ الأرمني والكردي، وكامل الاحترام الشخصي للفئتين، لم ينظر لهما، رغم أن وزيرا يقولها بصراحة "أرمينيا أولا"، بـ"غرباء"، فيما تتوافق عقلية الولي الفقيه ومطرانية باسيل، في أن لبنان لا يتسع لبضعة آلاف من أبناء سيداته... ربما مخافة أن "يهجم" الفلسطيني والسوري فيتزوجا فقط بلبنانية...
من أراد أن يسأل عن "حقوق المرأة وتمكينها" لا يقبل تسليعها بحثا عن بوصلة الغرب مطلقا، كما يحدث في أيامنا هذه. ومن أراد البحث عن الواقع الحقيقي للمرأة العربية فليتوقف عن الإتيان بها سلعة على أبواب الغرب، مستدرا عطفا سقيما وبائسا، وليفتش عن تصحيح واقع الأمية والجهل المنتشر، بنسب مخيفة منذ عقود، وغياب الحقوق الكاملة لكل الأوطان المنشغلة بشراء صمت هذا الغرب.
وبالمطلق يمكن القول إن كل هذا العبث في إسقاط التخلف، في تقاليد وثقافة بعض المجتمعات، على الدين، سواء كانت كهنوتية كنسية أم مسجدية، لن يجعل العقدين القادمين أسهل من سابقهما، وتلك مأساة أخرى من مآس عربية متراكمة وموغلة في تسيد التخلف.