عن "مشايخ" التطبيع
قد يبدو مفهوماً، في سياق ارتهان بعض من يصنفون "نخباً" للاستبداد العربي، وهم الأردأ في ذاكرة جيلنا، في السياسة والثقافة والإعلام، دفاعهم عن أي قرار أو توجه، ولو كان دموياً في الداخل وخانعاً أمام الخارج.
المثير، في توظيف البعض للبلاغة، خدمة للحاكم، هذا الاختلاط العجائبي بين محسوبين على الليبرالية والعلمانية واليسارية والقومية مع أصحاب لحى تصل إلى مستوى سُرَر بطونهم. فالجلد الذي يتعرض له الإنسان العربي، وإنزال نعوت به عن "تخلف وتأخر واتكالية"، يمارسه أيضاً الرهط، المُجَنَد بانفصامه المرضي، بوقوفه مع المستبدين لمواجهة ثورات الشباب العربي منذ 2011.
ما يلفت الانتباه، مجدداً، بُعيدَ ساعات على هرولة وانبطاح قيادة أبوظبي، أمام محتل يعتاش على الدموية منذ اختراع الصهيونية لفكرة ماضوية، دينية توراتية - تلمودية عن فلسطين، كيف لعق "مفكرون" (وهي بين ظفرين لاكتشاف العربي خلال 10 سنوات معنى المثل القائل: الأعور بين العميان ملك)، و"مستشارون"، وأصحاب "دال" دالة على الجهالة، كل ما دلقوه في طرقاتنا العربية من شعارات عن "رفض التطبيع". ولا يهم هنا إن كان هؤلاء وأولئك مصنفين على "ممانعة" أو "متاجرين" بفلسطين، ديناً وسياسة.
أن يكذب مشايخ السلاطين، وعيونهم لا ترمش، باستدعاء "التراث الإسلامي" وقِصص "الصُلح"، لتبرير كل الإسفاف الذي يطاول "المقدس" في الدين، وكأن فلسطين تِركة ورِثها ملك أو حاكم يَجلد كرامة البشر، لا بد سَيَجُر مزيداً من "خنوع إسلامي"
ولعل أسوأ من مُمارسات خيانة "المثقف" لدوره، في استسهاله حمل سوط الجلد الكاثوليكي والكربلائي، فيصير جلاداً لظهور وعقول بسطاء الناس، خروج "قرآنيي" البصم، في زمن الخديعة، يبصقون على جدران مدن وقرى دمرت وأُفرغت من عربها، أقله في سورية وليبيا وسيناء المصرية، بخلط بارود المستبدين بدين التبرير للخنوع.
والأفدح، فيما بعد بديهيات ألف باء التزوير والخديعة، بالتقاء أضداد الفكر، أن يصير "الإسلامي"، في خدمة كل ما تقدم من تبرير الانبطاح أمام الاحتلال، تحت مسمى "التقوى" الشاملة على: طاعة الحاكم، حتى لو زنى على الشاشة نصف ساعة، أو جلد ظهرك وسرق خبز أطفالك، ففي ذلك يلتقي "قرآنيو" التطبيع مع أدعياء "الليبرالية" و"اليسارية" و"العروبة"، لإقناع مواطن في أقصى الصعيد المصري، أو مكة والمدينة، مثلاً، أن "إسرائيل تحبنا.. ولهم الحق في أرض فلسطين".
أن يكذب مشايخ السلاطين، وعيونهم لا ترمش، باستدعاء "التراث الإسلامي" وقِصص "الصُلح"، لتبرير كل الإسفاف الذي يطاول "المقدس" في الدين، وكأن فلسطين تِركةً ورِثها ملك أو حاكم يَجلد كرامة البشر، لابد سَيَجُر مزيداً من "خنوع إسلامي"، يتحول فيه هؤلاء إلى معين يَغرف منه المستبدون، على طريقة حكام أوروبا القرون الوسطى، بالترهيب من "غضب الله" إذا "غضب ولي الأمر والنعمة"، ليس لنهب الجيوب فحسب، بل لتسطيح العقول والغرق في تخلف تحت الطلب.
مقابل هذا التدين الوظيفي، بكل أشكاله الاستعبادية، من صنمية الفكر إلى زيف الثقافة وادعاء الليبرالية والعلمانية، بما يتجاوز الغربي منها، بالتأكيد سيشيع هؤلاء أن "الإيمان" يقتضي "الإفراط في حب إسرائيل". وكما تسود جهالة عن إجرام "حبيبتهم"، وحاخامات التثقيف التلمودي بـ"الذبح للعرب" والأغيار، حتى في مناهج مدارسهم وتدريب الصغار على السلاح، والغوييم العرب هدفاً، وقد فعلها أسلافهم في مذابح النكبة وتدمير قرى ومدن ومساجد وكنائس فلسطين، فلا غرابة أن نستيقظ يوماً على دعوات "الشيوخ" لتهذيب "قرآنهم".
فبصيمة التدين سَيعتبِرون ليس فقط عمرو بن العاص "غازياً عربياً" وعمر بن الخطاب "مستعبداً بدوياً"، بل وبمعية التصهين المجتاح للعقل، في الأوطان المتحولة إلى مزارع ومسالخ قطيع، سَتَتَكرر تهليلات نعمة الاستبداد، وضرورة أن يُستبدل الأقصى بالهيكل، ويعود العرب "تحت الخيمة"، مكتفين بعنتريات شعارات "إغاثة الملهوف"، ونظم أبيات تملق ونفاق، ليرضى عنهم أكثر أسياد أسيادهم.
عند هذا التراكم تُلحس العقول، في هرج ومرج عصر عربي، صارَ فيه الدين مطية لكل الموبقات، من الأخلاق اليومية إلى التغني بـ اللا كرامة بعنوان: "كومبرمايز"، كما نَظَر علينا من غنى له يوماً مكوجي قاهري، وصديقه "الليبرالي" في الرياض، صاحب "مأثورة" سقوط صفة الدولة عمن يمارس أعمال تقطيع وذبح معارضين.. فكل شيء قابل لـِ اللَعق، حتى في معسكرات الأضداد".
ويوماً سيُصدم هؤلاء عند هدير الناس يشهرون حريتهم: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟".