07 اغسطس 2024
في تبعات الأزمة الخليجية
واضح حتى الآن بشأن الأزمة الخليجية الراهنة تبعاتها الخطيرة التي لن تتوقف على دول الخليج، حتى لو حلت الأزمة قريباً، فالإجراءات التي اتخذتها السعودية والإمارات والبحرين في حق قطر، ومنها إغلاق الحدود والمجال الجوي وسحب السفراء، بدت وكأنها استعداد لحرب، وهي تحدث في منطقةٍ تعد الأغنى في العالم بالثروات الطبيعية والفوائد المالية، ما يجعلها محط أطماع القوى الإقليمية والدولية. كما أن الأزمة تقع بين أهم القوى الخليجية الناشطة سياسياً ووسط محيط إقليمي غير مستقر مليء بالصراعات الساخنة والقوى الإقليمية المتنازعة والمتحفزة، ومن شأنها التأثير على مختلف ما يحيط بها من صراعات، ما يجعلها واسعة التأثير.
هذه العوامل تعني أن ما حدث ستكون له تبعات خطيرة وبعيدة المدى، حتى بعد انتهاء الأزمة، والتي لا يعلم أحد متى ستنتهي، وما إذا كانت ستستمر شهوراً، كما يخشى بعضهم، في ظل الموقف المتشدد الذي اتخذته الرياض وأبوظبي والمنامة، ودعم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لهم، وصعوبة تراجعهم بعد ما اتخذوه من خطواتٍ غير مسبوقةٍ وصعوبة قبول قطر بالمطلب الحقيقي للدول الثلاث المتمثل في التنازل عن إرادتها الخارجية.
تستطيع قطر تحمل التبعات الاقتصادية للحصار المفروض عليها فترة طويلة، نظراً لفوائضها المالية الضخمة، فالتأثير الاقتصادي للأزمة ربما هو أقل ما تشعر به قطر، فتبعات الأزمة أمنية أساساً، تتعلق بالأمن القومي القطري على مختلف المستويات، بدايةً من الغذاء وحتى السلاح واتفاقات الدفاع المشترك. وسوف تدفع الأزمة قطر إلى تنويع مصادر قوتها أكثر من أي وقت مضى، فالدول الخليجية ضربت كل المعايير الدولية عرض الحائط في الأزمة الراهنة والضغوط التي مارستها، إلى درجة قطع واردات الغذاء وطرد المواطنين، مع موافقة الرئيس
الأميركي، على الرغم من معارضة المؤسسات الأميركية الراسخة لما يحدث. وهذا يعني أن على قطر تنويع مصادر غذائها وعلاقاتها الاقتصادية والجارية المختلفة، ومصادر تسليحها واتفاقات الدفاع المشترك التي تعقدها وتحالفاتها السياسة، وقد شهدت بداية الأزمة سعي قطر وتركيا إلى تسريع توقيع اتفاقات دفاعية مشتركة بينهما، وستدفع الأزمة قطر إلى البحث عن مزيد من تلك الشراكات الأمنية، ما يقلل من اعتمادها على أي قوةٍ بعينها، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها.
على مستوى الدول الخليجية، مثلت الأزمة ضربة قاصمة لمجلس التعاون الخليجي والعلاقات المشتركة التي تربط دوله، وقدرة هذه الدول على التنسيق سياسياً بينها، حيث كشفت عن الضعف المؤسسي للمجلس وتقاليده، مقارنة بالإرادة السياسية لنظمه الحاكمة التي يمكن أن تأخذ إجراءات تصعيدية بشكل غير مسبوق بين يوم وليلة.
اقتصادياً، ستترك الأزمة، كلما طالت، تبعاتٍ سلبية على مختلف دول المجلس، باعتبار هذه الدول وجهة للاستثمارات الدولية، فسيشعر المستثمرون الأجانب بعدم الأمان، وربما تدفع الأزمة القوى الدولية إلى إعادة التفكير في سياساتها تجاه دول المجلس، للاستفادة من الأزمة، وما قد تطلقه من سباق للتسلح والاتفاقات الدفاعية من ناحية، ولضمان موارد الطاقة من ناحية أخرى. بمعنى آخر، فتحت الأزمة دول المجلس أمام مزيد من الأطماع والضغوط الخارجية.
إقليمياً، ستكون للأزمة تبعات خطيرة، فقد أثرت فوراً على قضايا المنطقة الرئيسية وموازين القوى فيها، تراجع بشدة التحالف الذي بنته المملكة مع قطر وتركيا في سورية، وتراجعت التحالفات التي بنتها السعودية في اليمن بمساعدة قطر، وتراجعت أي هدن مؤقتة بين قوى الربيع العربي وقوى الثورة المضادة في مختلف أنحاء العالم العربي، وعادت العلاقة بين الطرفين إلى صراع صفري فج، بدا هادئاً نسبياً منذ صعود الملك سلمان بن عبد العزيز إلى حكم المملكة في أوائل عام 2015، وما ترتب عليه من تغييرات في السياسة الخارجية السعودية.
رفعت الأزمة الضغط عن إيران مؤقتاً، ونبهتها إلى ما يمكن أن يكون قادماً وأضعف فرص
الحوار معها، وستدفع الأزمة إيران إلى تعزيز أوراقها في العراق وسورية واليمن، مخافة ما هو قادم. أما تركيا فأشعرتها الأزمة بالاستهداف، بسبب مواقفها القريبة من مواقف قطر، ولا شك أن الأزمة ستضعف مواقف تركيا في سورية، وستدفعها إلى التقارب مع إيران أكثر. أما ليبيا واليمن، فستعمق الأزمة عدم الاستقرار فيهما، وقد تؤدي إلى تعميق الحرب في البلدين من خلال شعور الأطراف المتحاربة باختلال موازين القوى بينها.
دولياً، عمّقت الأزمة مخاوف العالم، وخصوصاً الدول الغربية، من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وما يمكن أن تؤدي إليه سنواته في الحكم، فمواقفه ساهمت في إشعال الأزمة، بدلاً من تهدئتها أو علاجها، وصدمت الأميركيين أنفسهم قبل حلفاء بلدهم في أوروبا والمنطقة، وتعارضت بشكل واضح ومستمر مع مواقف المؤسسات الأميركية الرئيسية، كالخارجية والدفاع نفسيهما. وإذا كانت سنوات أوباما قد تميزت بانسحاب أميركي نسبي من المنطقة، بما سمح بتدخل قوى إقليمية ودولية لسد الفراغ، فالواضح أن سنوات ترامب قد تشهد ما هو أسوأ من خلال قنوط حلفاء أميركا من ترامب وسياساته وتهوره، وشعورهم بخطورة الاعتماد على أميركا من أساسه. والواضح هنا أن سياسات ترامب غير العقلانية سوف تدفع قوى إقليمية ودولية مختلفة إلى التنافس على ملء الفراغ في المنطقة، في ظل الشعور بصعوبة الاعتماد على أميركا ترامب وخطورة هذا الاعتماد. ولابد وأن تجد روسيا في الأزمة الخليجية فرصة لالتقاط الأنفاس في سورية من ناحية، وفي التدخل في شؤون الخليج من ناحية أخرى، أما أوروبا فستدفعها الأزمة، وغيرها من الأزمات الترامبية، إلى البحث عن دور أكثر فعاليةً في حماية أمنها وأمن العالم من ترامب قبل خصومها.
هذا يعني أننا أمام أزمة من العيار الثقيل، ستعيد بناء التحالفات في المنطقة، وستقود إلى سباق تسلح إقليمي جديد، وإلى إعادة صياغة التحالفات الإقليمية والدولية. وهذا يعني اقتصادياً إهدار عشرات البلايين من الدولارات في صورة استثماراتٍ مفقودةٍ، وسباقات تسلح كان يمكن أن تساهم كثيراً في تنمية المنطقة والإقليم.
أما التحدي الأخطر فهو تغافل ديكتاتوريات المنطقة عن درس الربيع العربي، فبدلاً من تدعيم استقرار أنفسها داخلياً من خلال التنمية، وتعزيز حكم المؤسسات والقانون، وتفعيل دور الشعوب، كشفت الأزمة عن إصرار الديكتاتوريات العربية، أو دول الثورة المضادة، على الدخول في صراع صفري مع قوى التغيير والديمقراطية، وكأنها مصرّة على تقويض فرص التغيير الهادئ والتدريجي.
هذه العوامل تعني أن ما حدث ستكون له تبعات خطيرة وبعيدة المدى، حتى بعد انتهاء الأزمة، والتي لا يعلم أحد متى ستنتهي، وما إذا كانت ستستمر شهوراً، كما يخشى بعضهم، في ظل الموقف المتشدد الذي اتخذته الرياض وأبوظبي والمنامة، ودعم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لهم، وصعوبة تراجعهم بعد ما اتخذوه من خطواتٍ غير مسبوقةٍ وصعوبة قبول قطر بالمطلب الحقيقي للدول الثلاث المتمثل في التنازل عن إرادتها الخارجية.
تستطيع قطر تحمل التبعات الاقتصادية للحصار المفروض عليها فترة طويلة، نظراً لفوائضها المالية الضخمة، فالتأثير الاقتصادي للأزمة ربما هو أقل ما تشعر به قطر، فتبعات الأزمة أمنية أساساً، تتعلق بالأمن القومي القطري على مختلف المستويات، بدايةً من الغذاء وحتى السلاح واتفاقات الدفاع المشترك. وسوف تدفع الأزمة قطر إلى تنويع مصادر قوتها أكثر من أي وقت مضى، فالدول الخليجية ضربت كل المعايير الدولية عرض الحائط في الأزمة الراهنة والضغوط التي مارستها، إلى درجة قطع واردات الغذاء وطرد المواطنين، مع موافقة الرئيس
على مستوى الدول الخليجية، مثلت الأزمة ضربة قاصمة لمجلس التعاون الخليجي والعلاقات المشتركة التي تربط دوله، وقدرة هذه الدول على التنسيق سياسياً بينها، حيث كشفت عن الضعف المؤسسي للمجلس وتقاليده، مقارنة بالإرادة السياسية لنظمه الحاكمة التي يمكن أن تأخذ إجراءات تصعيدية بشكل غير مسبوق بين يوم وليلة.
اقتصادياً، ستترك الأزمة، كلما طالت، تبعاتٍ سلبية على مختلف دول المجلس، باعتبار هذه الدول وجهة للاستثمارات الدولية، فسيشعر المستثمرون الأجانب بعدم الأمان، وربما تدفع الأزمة القوى الدولية إلى إعادة التفكير في سياساتها تجاه دول المجلس، للاستفادة من الأزمة، وما قد تطلقه من سباق للتسلح والاتفاقات الدفاعية من ناحية، ولضمان موارد الطاقة من ناحية أخرى. بمعنى آخر، فتحت الأزمة دول المجلس أمام مزيد من الأطماع والضغوط الخارجية.
إقليمياً، ستكون للأزمة تبعات خطيرة، فقد أثرت فوراً على قضايا المنطقة الرئيسية وموازين القوى فيها، تراجع بشدة التحالف الذي بنته المملكة مع قطر وتركيا في سورية، وتراجعت التحالفات التي بنتها السعودية في اليمن بمساعدة قطر، وتراجعت أي هدن مؤقتة بين قوى الربيع العربي وقوى الثورة المضادة في مختلف أنحاء العالم العربي، وعادت العلاقة بين الطرفين إلى صراع صفري فج، بدا هادئاً نسبياً منذ صعود الملك سلمان بن عبد العزيز إلى حكم المملكة في أوائل عام 2015، وما ترتب عليه من تغييرات في السياسة الخارجية السعودية.
رفعت الأزمة الضغط عن إيران مؤقتاً، ونبهتها إلى ما يمكن أن يكون قادماً وأضعف فرص
دولياً، عمّقت الأزمة مخاوف العالم، وخصوصاً الدول الغربية، من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وما يمكن أن تؤدي إليه سنواته في الحكم، فمواقفه ساهمت في إشعال الأزمة، بدلاً من تهدئتها أو علاجها، وصدمت الأميركيين أنفسهم قبل حلفاء بلدهم في أوروبا والمنطقة، وتعارضت بشكل واضح ومستمر مع مواقف المؤسسات الأميركية الرئيسية، كالخارجية والدفاع نفسيهما. وإذا كانت سنوات أوباما قد تميزت بانسحاب أميركي نسبي من المنطقة، بما سمح بتدخل قوى إقليمية ودولية لسد الفراغ، فالواضح أن سنوات ترامب قد تشهد ما هو أسوأ من خلال قنوط حلفاء أميركا من ترامب وسياساته وتهوره، وشعورهم بخطورة الاعتماد على أميركا من أساسه. والواضح هنا أن سياسات ترامب غير العقلانية سوف تدفع قوى إقليمية ودولية مختلفة إلى التنافس على ملء الفراغ في المنطقة، في ظل الشعور بصعوبة الاعتماد على أميركا ترامب وخطورة هذا الاعتماد. ولابد وأن تجد روسيا في الأزمة الخليجية فرصة لالتقاط الأنفاس في سورية من ناحية، وفي التدخل في شؤون الخليج من ناحية أخرى، أما أوروبا فستدفعها الأزمة، وغيرها من الأزمات الترامبية، إلى البحث عن دور أكثر فعاليةً في حماية أمنها وأمن العالم من ترامب قبل خصومها.
هذا يعني أننا أمام أزمة من العيار الثقيل، ستعيد بناء التحالفات في المنطقة، وستقود إلى سباق تسلح إقليمي جديد، وإلى إعادة صياغة التحالفات الإقليمية والدولية. وهذا يعني اقتصادياً إهدار عشرات البلايين من الدولارات في صورة استثماراتٍ مفقودةٍ، وسباقات تسلح كان يمكن أن تساهم كثيراً في تنمية المنطقة والإقليم.
أما التحدي الأخطر فهو تغافل ديكتاتوريات المنطقة عن درس الربيع العربي، فبدلاً من تدعيم استقرار أنفسها داخلياً من خلال التنمية، وتعزيز حكم المؤسسات والقانون، وتفعيل دور الشعوب، كشفت الأزمة عن إصرار الديكتاتوريات العربية، أو دول الثورة المضادة، على الدخول في صراع صفري مع قوى التغيير والديمقراطية، وكأنها مصرّة على تقويض فرص التغيير الهادئ والتدريجي.