في انتظار الوحش العادل

12 يونيو 2016

(Getty)

+ الخط -
يُحذّر علماء أميركيون من احتمال خروج الإنسان الآلي (الروبوت) عن السيطرة، ليقتل البشر، أو يدمّر ما أنجزته حضارتهم، بل ليهدّد بالقضاء عليها. وفق ما جاء في تقارير صحافية غربية، قالت أيضاً إن شركة غوغل تعمل على تطوير تقنية كابحة للذكاء الاصطناعي، حتى لا يتطور إلى درجة اتخاذ قرارات إبادة من تلقاء نفسه.
وفي الشروحات التي قدّمها خبراء ومختصون، أوضح بعضهم الأمر بقوله إن الخطر الذي لا يزال افتراضياً قد يصير واقعياً، إذا نجحت محاولات جارية فعلاً لزرع خلايا ذكاء معينة من دماغ الإنسان، مع العصبونات واللوغاريتمات في عقل الآلة الإلكترونية، بشكلٍ قد ينتج عنه قدرتها على الاستقلال، لتفعل ما يحلو لها.
وبصرف النظر عن المسافة الزمنية غير المحدّدة التي مازالت تفصل الفرضية المخيفة عن تطبيقها المحتمل، فإن ما يُقال في شرحها، أو قل ما فهمته شخصياً، على تواضع معارفي العلمية، ينطوي على تناقضٍ صارخ، لا بالمعنى الكمبيوتري الذي لا أدّعي إدراكه طبعاً، وإنما من حيث المسؤولية الأخلاقية عن صناعة الموت والدمار، ذلك أنه يربط الخطر القادم بإمكانية النجاح في نقل خلايا من دماغ الإنسان الحقيقي إلى عقل الإنسان الآلي، ثم يفترض أن بقاء الإنسان الآلي تحت سيطرة الإنسان الحقيقي يُشكّل ضمانةً لبقاء الجنس البشري، بعيداً عن احتمالات الفناء.
وبعبارات أبسط قليلاً، يقال إن زرع بعضٍ من الإنسان، في بعضٍ من الآلة التي يصنع، قد يصيبها بعدوى شروره، ويحولها إلى وحش، ما لم يخترع كوابح للسيطرة على ذكائها، وفق معادلة رعبٍ تكنولوجي، باتت مطروحةً على بساط العلم، ويتغافل واضعوها عن وحشيّة الإنسان نفسه، بوصفه مخترع وسيلة الإبادة المنتظرة، بعد قرابة قرن، ما انفك خلاله يستخدم مثيلاتها، أو ما سبقها من حلقات مسلسل التطور العلمي، في سفك الدماء.
صحيح أن أحداً لا يستطيع أن يُنكر، هنا، فضل منجزات الحضارة الغربية في توفير وسائل الراحة التكنولوجية للإنسان المعاصر، جنباً إلى جنب مع إنتاجها أسلحة الدمار، لكن تحذيرات العلماء الأميركيين من نتائج ما تفعل أيديهم على مستقبل بقاء الجنس البشري، صارت تفرض تساؤلاً بديهياً عن أي الأجناس البشرية يتحدّثون، لأن حروب الإبادة قائمة فعلاً منذ زمنٍ طويل، في أماكن شتى من العالم، وبأسلحةٍ فتاكةٍ مصنوعة غالباً في أميركا وأوروبا وروسيا، وطالما استخدمها قادة الإمبراطوريات الاستعمارية، مباشرة، وعبر وكلائهم وعملائهم، لقتل ملايين الناس، بدءاً بهيروشيما، مروراً بكابول وبغداد وجنين وقطاع غزة، وصولاً إلى حلب وحمص والفلوجة ودير الزور .
هم غير قلقين، وغير نادمين، قطعاً، بعدما صنعوا الإنسان الآلي الذي أقعدوه في طائرات بي 52، وسوخوي، كما في أساطيل الحرب العملاقة، وصار يتلقى تعليمات الإنسان البشري (لا الحقيقي) ويطلق الصواريخ، من مسافة مئات أو ألوف الأميال، ليقتل ويدمّر، دونما حساب. أما قلقهم الاستثنائي الآن، وهذا استنتاج شخصي فانتازي، ليس له صلة بعلوم الكمبيوتر، فربما يعود إلى أن الوحش الذي يوشكون على اختراعه قد يخرج عن سيطرتهم، إلى حد أن يكون عادلاً في وحشيته، فلا يميّز بين صاحبه وعدوه، أو بين أسمر وأبيض، أو بين شمال وجنوب.
ليقلقوا وحدهم، إذن، إن كان هناك ما يثير القلق فعلاً، أقول، أخيراً، وكلي ظن بأني أتحدّث بألسن من يُبادون وتُدمّر بيوتهم ومدنهم في فلسطين وسورية والعراق، فلا تثير مأساتهم اهتمام الرجل الأبيض. ليقلقوا وحدهم، نعم وحدهم، من الوحش الذي يصنعون، لأن لدينا من الوحوش البشرية على الأرض، والوحوش الآلية في السماء، وفي البحار، ما يجعلنا غير هيّابين من أن يزيدوا واحداً آخر، بل لعلنا نستبشر بأن يعدل هذا القادم حين يجيء، بيننا وبينهم، فيوزّع الموت علينا جميعاً بالتساوي. ومن يدري، فربما نسخر يومئذٍ منه، ومنهم ومن أنفسنا، فنسميه، مثلاً، الجنرال داوداني قائد فيلق قمّ في الحرس الثوري العبراني.



EA99C928-BF02-4C77-80D6-9BE56F332FDE
ماجد عبد الهادي

صحفي وكاتب فلسطيني