يتوهم بعضهم أن التقارب السعودي – الإسرائيلي في صالح هوية المنطقة العربية، وأن إسرائيل تخشى من أن تتحول المنطقة إلى "فارسية" أو إيرانية وتفضلها عربية، لكن كل من في رأسه عقل يدرك أن إسرائيل لا تريد للمنطقة إلا أن تكون غير عربية، وأن تكون تحت هيمنتها بشكل أو بآخر.
فالعداء الإسرائيلي لإيران ليس مذهبياً أو طائفياً، بل منافسة على النفوذ وعلى وجه المنطقة العربية، فيما العداء الإسرائيلي للهوية العربية هو أشد وأقسى، لأن الهوية العربية هي نفي للصهيونية، أما الهوية الإيرانية فهي منافسة في أحسن الأحوال. لذا، فإن أي عربي يرى في إسرائيل حليفاً وشريكاً في صد التمدد الإيراني، عليه أن يدرك أن السياسة لا تحتمل الفراغ وأن محل النفوذ الإيراني سيحل نفوذ أقوى، وبحسب موازين القوى الراهنة، يعني النفوذ الإسرائيلي.
والعداء الإسرائيلي للهوية والقومية العربية أخذ في السابق شكلاً آخر معاكساً لما هو اليوم، أي تحالف استراتيجي إسرائيلي – إيراني معادٍ لمصر عبد الناصر وطموحاتها القومية، ومرة على شكل تحالف إسرائيلي – تركي، أو على شكل تحالف ثلاثي إسرائيلي – بريطاني – فرنسي. وهذا العداء يأخذ أشكالاً مختلفة، مرة حربية عسكرية ومرة حضارية وتاريخية، وفي فلسطين يحصل الأمران سوية.
وفي هذا السياق يجب تفسير الجنون الإسرائيلي في الأعوام الأخيرة لتشريع قوانين مثل قانون القومية اليهودية أو قانون "التسوية" الذي يسمح بمصادرة أملاك الفلسطينيين الخاصة، واستهداف مؤسسات مثل المحكمة العليا. فهذه كلها ليست مجرد شطحات يمينية أو مغالاة عنصرية، بل تستهدف أساساً هوية البلاد العربية الفلسطينية، لأنها تستهدف العرب الفلسطينيين أصحاب البلاد وتشدد على الهوية اليهودية.
وكل الحرب اليمينية على مؤسسات إسرائيل تهدف إلى تقويضها قانونياً لمنع إمكانية فرض تسوية مع العرب والفلسطينيين تقضي بالتخلي عن المستوطنات. وعدم إخلاء المستوطنات يعني عملياً تقويض أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية، وعدم إقامة دولة فلسطينية يعني تحويل الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى مجموعات سكانية لها مطالب متفاوتة لا تعبر عن طموحات وطنية وقومية حقيقية مثل السيادة على الأرض والأجواء، أو المطلب بحق تقرير المصير. ليس التوحش الاستيطاني رغبة بالسيطرة على الأرض العربية فقط، بل نفي أي صفة جماعية قومية لسكانها العرب الفلسطينيين.
لكن، ما هي الهوية العربية بالضبط؟ ليست الهوية العربية لا تاريخية تعود لزمن قريش أو ميتافيزيقية أو اختراع حديث، وليست الهوية اليهودية أو الإسرائيلية هوية لا تاريخية عابرة للزمان والمكان. لكن الهوية اليهودية الحديثة شيدت على أسس غربية حديثة، فيما الهوية العربية لا تزال تواجه تحديات داخلية وخارجية، أو استعماراً داخلياً وآخر خارجياً.
هل الهوية العربية مؤهلة لقيادة المنطقة؟ هذا السؤال ليس سؤال هوية بل هو سؤال سياسي واجتماعي وتاريخي، وبالطبع العرب مؤهلون لقيادة المنطقة في حال وفروا لأنفسهم ظروفاً مواتية، أولاً العلاقات البينية المتساوية، سواء أكانوا دولاً أم مواطنين، وثانياً التصالح مع الهويات الشريكة بالوطن والمواطنة مثل الأكراد والتركمان وغيرهم، وثالثاً إذا ما تحولت الهوية العربية إلى مشروع حضاري حقيقي يبدأ بتصنيع الإبرة والخيط وصولاً إلى تصنيع الصواريخ، تماماً مثل المشروع الإيراني القومي الحضاري، الذي بالنسبة له التمدد بالأوطان العربية ليس هدفاً بحد ذاته، وإنما وسيلة لتحقيق الهدف الجوهري وهو بناء الحضارة الإيرانية الصاعدة. وكذلك الحال في إسرائيل والمشروع الصهيوني، الذي هو عملياً مشروع بناء حضارة يهودية عصرية لا تنحصر بين نهر الأردن والبحر المتوسط، وأيضاً تركيا إردوغان بدرجة متفاوتة.
لكن اللافت في هذه المشاريع المنافسة للعرب أن أنظمتها وطنية بجد، والدولة قائمة ليس من أجل النظام الحاكم بل بالعكس، والدولة قائمة من أجل الأمة، وأن هويتها القومية متصالحة مع عصرها، فيما الهوية والمواطنة العربية في تراجع بعدما حولتها الدولة الوطنية إلى مكان غير آمن للمواطن الذي عاد ليحتمي بهويات بدائية هرباً من عسف الدولة، أو كما وصفها برهان غليون، أصبحت "الدولة ضد الأمة"، وحتى تكون الدولة تعبيراً حقيقياً عن الأمة، فإن الهوية القومية، في حالتنا، والديمقراطية (الليبرالية؟) هما البنية التحتية لذلك.
دون ذلك، فإن العداء الإسرائيلي للهوية العربية سيتواصل وتبدو الطريق أمامه سالكة لتقاسم الهيمنة على المنطقة مع إيران. جربت أنظمتنا العربية طيلة عقود كل أنواع التحالفات الممكنة وأخيراً، التحالف السعودي - الإماراتي مع إسرائيل، وذلك عوضاً عن تحالفها مع شعوبها. ليس العداء الإسرائيلي للفلسطيني أو للسوري أو العراقي، بل هو عداء لكل الشعوب العربية، التي قال نتنياهو قبل أيام أنها العائق أمام التسوية مع الأنظمة. ليس الصراع في المنطقة صراع هويات، بل بكل تأكيد هو صراع مشاريع قومية كبرى، في جزء رئيسي منها ضد الهوية العربية، وانعدام مشروع عربي كهذا لن يعوضه التحالف مع إسرائيل أو أميركا.
فالعداء الإسرائيلي لإيران ليس مذهبياً أو طائفياً، بل منافسة على النفوذ وعلى وجه المنطقة العربية، فيما العداء الإسرائيلي للهوية العربية هو أشد وأقسى، لأن الهوية العربية هي نفي للصهيونية، أما الهوية الإيرانية فهي منافسة في أحسن الأحوال. لذا، فإن أي عربي يرى في إسرائيل حليفاً وشريكاً في صد التمدد الإيراني، عليه أن يدرك أن السياسة لا تحتمل الفراغ وأن محل النفوذ الإيراني سيحل نفوذ أقوى، وبحسب موازين القوى الراهنة، يعني النفوذ الإسرائيلي.
والعداء الإسرائيلي للهوية والقومية العربية أخذ في السابق شكلاً آخر معاكساً لما هو اليوم، أي تحالف استراتيجي إسرائيلي – إيراني معادٍ لمصر عبد الناصر وطموحاتها القومية، ومرة على شكل تحالف إسرائيلي – تركي، أو على شكل تحالف ثلاثي إسرائيلي – بريطاني – فرنسي. وهذا العداء يأخذ أشكالاً مختلفة، مرة حربية عسكرية ومرة حضارية وتاريخية، وفي فلسطين يحصل الأمران سوية.
وفي هذا السياق يجب تفسير الجنون الإسرائيلي في الأعوام الأخيرة لتشريع قوانين مثل قانون القومية اليهودية أو قانون "التسوية" الذي يسمح بمصادرة أملاك الفلسطينيين الخاصة، واستهداف مؤسسات مثل المحكمة العليا. فهذه كلها ليست مجرد شطحات يمينية أو مغالاة عنصرية، بل تستهدف أساساً هوية البلاد العربية الفلسطينية، لأنها تستهدف العرب الفلسطينيين أصحاب البلاد وتشدد على الهوية اليهودية.
وكل الحرب اليمينية على مؤسسات إسرائيل تهدف إلى تقويضها قانونياً لمنع إمكانية فرض تسوية مع العرب والفلسطينيين تقضي بالتخلي عن المستوطنات. وعدم إخلاء المستوطنات يعني عملياً تقويض أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية، وعدم إقامة دولة فلسطينية يعني تحويل الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى مجموعات سكانية لها مطالب متفاوتة لا تعبر عن طموحات وطنية وقومية حقيقية مثل السيادة على الأرض والأجواء، أو المطلب بحق تقرير المصير. ليس التوحش الاستيطاني رغبة بالسيطرة على الأرض العربية فقط، بل نفي أي صفة جماعية قومية لسكانها العرب الفلسطينيين.
لكن، ما هي الهوية العربية بالضبط؟ ليست الهوية العربية لا تاريخية تعود لزمن قريش أو ميتافيزيقية أو اختراع حديث، وليست الهوية اليهودية أو الإسرائيلية هوية لا تاريخية عابرة للزمان والمكان. لكن الهوية اليهودية الحديثة شيدت على أسس غربية حديثة، فيما الهوية العربية لا تزال تواجه تحديات داخلية وخارجية، أو استعماراً داخلياً وآخر خارجياً.
هل الهوية العربية مؤهلة لقيادة المنطقة؟ هذا السؤال ليس سؤال هوية بل هو سؤال سياسي واجتماعي وتاريخي، وبالطبع العرب مؤهلون لقيادة المنطقة في حال وفروا لأنفسهم ظروفاً مواتية، أولاً العلاقات البينية المتساوية، سواء أكانوا دولاً أم مواطنين، وثانياً التصالح مع الهويات الشريكة بالوطن والمواطنة مثل الأكراد والتركمان وغيرهم، وثالثاً إذا ما تحولت الهوية العربية إلى مشروع حضاري حقيقي يبدأ بتصنيع الإبرة والخيط وصولاً إلى تصنيع الصواريخ، تماماً مثل المشروع الإيراني القومي الحضاري، الذي بالنسبة له التمدد بالأوطان العربية ليس هدفاً بحد ذاته، وإنما وسيلة لتحقيق الهدف الجوهري وهو بناء الحضارة الإيرانية الصاعدة. وكذلك الحال في إسرائيل والمشروع الصهيوني، الذي هو عملياً مشروع بناء حضارة يهودية عصرية لا تنحصر بين نهر الأردن والبحر المتوسط، وأيضاً تركيا إردوغان بدرجة متفاوتة.
لكن اللافت في هذه المشاريع المنافسة للعرب أن أنظمتها وطنية بجد، والدولة قائمة ليس من أجل النظام الحاكم بل بالعكس، والدولة قائمة من أجل الأمة، وأن هويتها القومية متصالحة مع عصرها، فيما الهوية والمواطنة العربية في تراجع بعدما حولتها الدولة الوطنية إلى مكان غير آمن للمواطن الذي عاد ليحتمي بهويات بدائية هرباً من عسف الدولة، أو كما وصفها برهان غليون، أصبحت "الدولة ضد الأمة"، وحتى تكون الدولة تعبيراً حقيقياً عن الأمة، فإن الهوية القومية، في حالتنا، والديمقراطية (الليبرالية؟) هما البنية التحتية لذلك.
دون ذلك، فإن العداء الإسرائيلي للهوية العربية سيتواصل وتبدو الطريق أمامه سالكة لتقاسم الهيمنة على المنطقة مع إيران. جربت أنظمتنا العربية طيلة عقود كل أنواع التحالفات الممكنة وأخيراً، التحالف السعودي - الإماراتي مع إسرائيل، وذلك عوضاً عن تحالفها مع شعوبها. ليس العداء الإسرائيلي للفلسطيني أو للسوري أو العراقي، بل هو عداء لكل الشعوب العربية، التي قال نتنياهو قبل أيام أنها العائق أمام التسوية مع الأنظمة. ليس الصراع في المنطقة صراع هويات، بل بكل تأكيد هو صراع مشاريع قومية كبرى، في جزء رئيسي منها ضد الهوية العربية، وانعدام مشروع عربي كهذا لن يعوضه التحالف مع إسرائيل أو أميركا.