في الحاجة إلى حركة المرزوقي

18 مارس 2015

المرزوقي مغادرا قصر الرئاسة (31 ديسمبر/2013/أ.ف.ب)

+ الخط -

يعود الرئيس التونسي السابق، المنصف المرزوقي، إلى الساحة السياسية في بلاده، وفي المنطقة، من خلال حركة جديدة هي "حراك شعب المواطنين"، إذ من المرتقب أن يعلن بعد غدٍ الجمعة، 20 مارس/آذار الجاري، عن تأسيس حركته الجديدة، ويكشف عن ميثاقها وأهدافها في أول مؤتمر تأسيسي لهذه الحركة.

وكان المرزوقي قد أعلن عن إطلاق حركة سياسية جديدة، سماها "حراك شعب المواطنين"، عقب خسارته في الانتخابات الرئاسية أخيراً. وحسب ما أعلن عنه المرزوقي، في بيان سابق، فإن الحركة الجديدة ستواصل حراك الشعب الذي أطلقت شرارته الثورة التونسية، حتى تحقيق أهدافها، وفاء لدماء الشهداء. ويسعى المرزوقي إلى أن يجعل من حركته أكبر سد شعبي ضد عودة الاستبداد، وركيزة أساسية لبناء الديمقراطية التونسية الفتية. وتتبنى الحركة الجديدة الخط النضالي نفسه الذي اعتمده المرزوقي، في مسيرة نضاله الحقوقي الطويل الذي يقوم على السلمية ونبذ العنف. أما أهداف الحركة فلخصها المرزوقي في شعارات الثورة التونسية التي طالبت بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والعدالة بين مناطق تونس. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، تتبنى الحركة الجديدة مبادئ أساسية، مثل الحفاظ على الوحدة الوطنية، واستقلالية القرار الوطني، والتعددية السياسية، والاعتدال والتسامح الفكري، واحترام حقوق الآخرين.

من يعرف المرزوقي يؤكد أن الرجل "سيزيف زمانه"، لا يمل ولا يكل من مواصلة طريق النضال الذي خطه لنفسه، منذ وجد نفسه منفياً في المغرب مع والده الهارب من قمع الحبيب بورقيبة. كان يمكن للمرزوقي، كأول رئيس مدني في العالم العربي يغادر قصر الحكم وهو يحيي الجماهير، أن يعيش معززاً مكرماً براتب تقاعده الرئاسي، يسافر ويلقي المحاضرات ويدوّن المذكرات وينتظر التكريمات، لكن المناضل الحقوقي يظل يقاوم، ولا يستسلم حتى آخر رمق في حياته. هذا دأب المرزوقي طوال مساره النضالي، لا تنقصه العزيمة، ولا تخونه الشجاعة، ولا يخاف من الهزيمة. كان أول مرشح مستقل يواجه الدكتاتور التونسي الهارب، زين العابدين بن علي، وعلى الرغم من أنه كان يعرف أن لا حظوظ له في انتخابات نتائجها محددة سلفاً، إلا أنه امتلك الشجاعة لمواجهة الديكتاتور في عرينه وبقوانينه، وتحمل عواقب ذلك التحدي سنوات طويلة من النفي والتهميش، وعرّض شرفه وعرضه وملكاته العقلية وحياته الشخصية للنهش من إعلام مأجور. ومع ذلك، استمر المرزوقي على خطه النضالي، لا يحيد عنه، يَحسبه معظم الناس منفياً ومنسياً، ويرى نفسه صامداً منتصراً، حتى عاد إلى بلاده محمولاً على الأكتاف، واختاره أول مجلس تأسيسي رئي
ساً لتونس في فجر ثورتها، فتحقق التحدي الذي كان يراه أصدقاؤه، قبل خصومه، مجرد لوثة عقل انتابت الرجل، بينما كان يراه نصراً آتياً لا ريب فيه، لا يفصله عنه سوى صبر ساعة.

يعود المرزوقي، اليوم، إلى الساحة السياسية مبشراً بحركته الجديدة، بعد ثلاث سنوات قضاها رئيساً مؤقتاً من دون صلاحيات حقيقية، وعلى أثر هزيمة سياسية في انتخابات رئاسية، أعادت إلى الواجهة بعض رموز الفساد والاستبداد الذين قامت الثورة لإسقاطها. وفي ظل أجواء سياسية، تتميز بإعادة تشكل الساحة السياسية التونسية، في ضوء ما يعرفه حزب "نداء تونس" الحاكم من انشقاقات داخلية، تهدد تماسكه، وفي انتظار ما سيسفر عنه المؤتمر العاشر لحزب النهضة الإسلامي الذي يعيد ترتيب أوراقه، بناء على تقييم ثلاث سنوات، قضاها في الحكم ومشاركة خجولة في حكومةٍ، يقودها حزب محسوب على العهد القديم، وعلى إيقاع التشتت الذي طبَّع أحزاب اليسار معه.

ومن دون الخوض في الحديث عن حظوظ حركة المرزوقي الجديدة، في واقع محلي صعب، ومحيط إقليمي معقد، ودينامية حركية متسارعة، لا بد من الاعتراف للرجل بشرف السبق في المبادرة، على الرغم مما يواجه تحقيق أهدافها من تحدياتٍ، لا تتعلق فقط بتعقيدات الواقع المتزايدة، والتحولات المتسارعة في المحيط، وإنما، أيضاً وأساساً، بحالة الاستنزاف الطبيعية التي تطال الحركات والأفكار أيضاً. فالمرزوقي لا يجر وراءه ماضياً نضالياً فحسب، وإنما أيضاً ماضياً قصيراً في السلطة. وعلى الرغم من أنها كانت سلطة رمزية، إلا أن الشعب الخارج لتوه من تحت عباءة سنوات من الديكتاتورية والاستبداد، كان يقارن المرزوقي بما كان لسلفه الديكتاتور من سلطات استبدادية مطلقة. لذلك، لم تفهم ولم تستوعب شرائح كثيرة في الشعب التونسي تواضع رئيسهم وزهده، الذي كانوا يقارنونه ببذخ وعجرفة سلفه الذي جعل هيبة الشخص وعبادته والخوف منه والخنوع له عنواناً لهيبة الدولة وتسلّطها. وقد لعب الإعلام المحسوب على النظام السابق دوره في النيل من صورة الرئيس "العادي" و"العاجز". كما أن نخباً يسارية وعلمانية لم تسمح للمرزوقي بمجاراته الإسلاميين، عندما كانوا في السلطة، وخطب ودَّهم عندما ترشح للرئاسة. وفي مقابل كل هذا النقد الموجود فعلاً في الواقع، مازال لصوت المرزوقي صداه في الهوامش، وعند محرومي الشعب في وسط وأقصى جنوب تونس الذين منحوه ثقتهم في آخر استحقاق انتخابي خاضه.

حركة المرزوقي اليوم، وترشحه بالأمس ضد الديكتاتور السابق، مثل من يزرع بذرة الأمل بأن المستقبل يمكن أن نثق فيه، عندما نمتلك إرادة الفعل لصنعه. ربما لا تنجح حركة المرزوقي في بناء الحزب الذي يتطلع إليه، وحتى إذا لم يحقق مبتغاه، فهو قد نجح في أن يجعل من صوته الحر ونضاله المستمر رمزاً لضمير الثورة الذي تحتاج إلى نبضه، اليوم، تونس ومعها كل الشعوب العربية التي آمنت بشعارات ثورة الياسمين. وكما كان يقول شعار حملة المرزوقي نفسه "ننتصر أو ننتصر".

D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).