19 أكتوبر 2019
في التدخل ومحاربة الإرهاب
ينذر توسع رقعة انتشار تنظيم داعش ونشاطه بحلقة جديدة من التدخلات في المنطقة العربية. فقد أعلن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أن بلاده ستلاحق جهاديي هذا التنظيم أينما وجدوا بما في ذلك ليبيا إن اقتضى الأمر. يُفهم من هذا التصريح أن أميركا عازمة على محاربة مقاتلي داعش في أي مكان، سواء بالتدخل المباشر، أو عبر عمليات نوعية ومحدودة علنية وسرية تقودها القوات الخاصة، بعلم وتنسيق مع سلطات البلدان المعنية أو بدون علمها. قد يكون هذا التصريح أيضاً بمثابة تحضير سياسي إعلامي للرأي العام المحلي، وحتى العالمي، لتدخل أميركي أو غربي عموماً، بغطاء عربي من دون شك، في ليبيا مجدداً.
إذا قبلنا بهذه الفرضية، فهذا يعني أن الولايات المتحدة تدعم، بشكل أو بآخر، المسعى الفرنسي لتدخل جديد في ليبيا لمحاربة داعش. للتذكير، حاولت فرنسا التسويق، في السنتين الأخيرتين، لتدخل دولي جديد في ليبيا، محاولة إقناع جيران ليبيا، لكنها لم تفلح في استمالة بعضهم. ويأتي التحرك الفرنسي في إطار تنامي الحركة الجهادية على الحدود الليبية-الساحلية، لا سيما مع النيجر.
المشكلة في استراتيجية التدخل للحد من نشاط داعش ونظيراتها، تكمن في أن التدخلات هي ما أوجدت الظروف الضرورية والمواتية لوجود داعش، وتوسع رقعة نشاطها. والواضح أن الدروس الاستراتيجية للغزو الأميركي واحتلاله لم تستخلص. فلا جدال في أن داعش نتاج الاحتلال الأميركي للبلاد، حتى وإن كانت البنية الاجتماعية المحلية شكلت تربة خصبة لمثل هذه التنظيمات، فالتدخل هو ما أوجد التنظيمات الإرهابية في العراق وفي ليبيا. ذلك أن تدمير البنية الأمنية والسياسية والاجتماعية في البلدين، من دون طرح بديل لذلك، أوجد فراغاً في البلدين، استغلته التنظيمات الإرهابية المحلية والعابرة للأوطان.
ولا جدال، أيضاً، في أن التدخل لم يحل أزمتي العراق وليبيا، فالبلدان عاشا ويعيشان حرباً أهلية وصراعاً طائفياً وعجزاً لحكومات ما بعد التدخل في التحكم في الوضع. فجزء من التراب العراقي تحول إلى إمارة داعشية، في ظرف زمني قياسي. فالحكومة التي لم تتردد في قصف أهل الفلوجة بالبراميل المتفجرة، لم تحرّك ساكناً لمحاربة داعش، إلا بعد التدخل الدولي ضدها، والتقدم الذي أحرزه المقاتلون الأكراد في شمال البلاد. أما ليبيا فتحولت، في سياق حرب أهلية، إلى دولة مليشيات، قبل أن تنقسم مؤسساتها الانتقالية، لتصبح البلاد بحكومتين وبرلمانين، مما قاد إلى حربٍ ساخنة بين شرق البلاد وغربها. وبينما يتنازع النظامان الهزيلان في طبرق وطرابلس الشرعية، ويورّطان نفسيهما في حروب وصراعات بالنيابة لصاح أطراف خارجية، استغلت داعش الفراغ، واستقرت في البلاد، معتمدة على فروع محلية، وعلى جماعات عابرة للأوطان.
في العراق وفي ليبيا، كما في سورية، لم تعد الأزمة التي تنخر جسد هذه الدول، وتدمر
شعوبها، مبرر التحرك، وإنما داعش. بمعنى آخر، وبغض النظر عن شرعية محاربة داعش والتنظيمات المماثلة، فإن وضع هذه البلدان ومصيرها لا يهم القوى التي تدخلت وتتدخل فيها. حقيقة استراتيجية كان من المفروض أن تنبه المعنيين في هذه البلدان إلى ضرورة الاتفاق على حل سياسي توافقي، لحقن الدماء وإحلال الاستقرار، من خلال التوصل إلى عقد اجتماعي حقيقي، كفيل بتحقيق الأمن للجميع، واحترام حقوق كل المواطنين من دون استثناء وحرياتهم. بيد أن القوى التي تمثل السلطة، لأنه لا توجد سلطة حقيقية، بالنظر لعجزها عن التحكم ومراقبة ترابها الوطني، انتهجت نهجاً مغايراً تماماً تحكمه حساباتٌ سياسيةٌ ظرفيةٌ وضيقة للغاية، حسابات لا تعير أدنى أهمية لمصالح شعوبها العليا. فهذه القوى تستثمر سياسياً استيطان داعش في بلدانها، على الرغم من أنها ساهمت فيه بشكل كبير. وأصبحت تناور مع القوة الخارجية مطالبة بالتدخل، ليس فقط لتدمير داعش، وإنما حتى يتسنى لها تسجيل نقاط على حساب خصومها محلياً. بمعنى أصبحت محاربة الإرهاب أداة سياسية للصراع الداخلي في هذه الدول، وهذا ما يطيل أمد الأزمة، لأن محاربة الإرهاب عملية معقدة للغاية تقتضي وقتاً كثيراً، كما أنها مرهونة بالمصالح، وبما أن الأخيرة متقلبة وتطورية، فإن العملية برمتها غير مضمونة النتائج.
فضلاً عن ذلك، لا يعني التخلص من داعش ونظيراتها نهاية الأزمة في العراق وليبيا وسورية، فهي ستستمر، لأنها محكومة باعتبارات سياسية خلافية، أعمق من مسألة الإرهاب. وهنا، تكمن حدود المقاربة الدولية القائمة على معالجة الأعراض بدل الأسباب. فالسبيل الأنجع لمكافحة الإرهاب في هذه الدول الثلاث هو البحث في أسباب أزمتها لتسويتها. وبالتالي، التخلص من التربة الخصبة التي استفادت منها الجماعات الإرهابية. إنها ضرورة العودة إلى نقطة البداية: المعالجة السياسية للأزمات على أساس توافق وطني، وعقد اجتماعي يضمن حقوق جميع المواطنين من دون استثناء. لكن، هل للنخبة المتصارعة في هذه البلدان وللدول الإقليمية النافذة والقوى العالمية مصلحة في ذلك؟ الإجابة المطلقة غير ممكنة. لكن، يمكن القول إن طبيعة تحرك مختلف الفواعل المحلية والإقليمية والدولية، وتصرفها، تشير إلى أن الوضع المتردّي الحالي، إذا كان لا يخدم بالضرورة مصالحها، فإنه لا يضر بها بالضرورة.
إذا قبلنا بهذه الفرضية، فهذا يعني أن الولايات المتحدة تدعم، بشكل أو بآخر، المسعى الفرنسي لتدخل جديد في ليبيا لمحاربة داعش. للتذكير، حاولت فرنسا التسويق، في السنتين الأخيرتين، لتدخل دولي جديد في ليبيا، محاولة إقناع جيران ليبيا، لكنها لم تفلح في استمالة بعضهم. ويأتي التحرك الفرنسي في إطار تنامي الحركة الجهادية على الحدود الليبية-الساحلية، لا سيما مع النيجر.
المشكلة في استراتيجية التدخل للحد من نشاط داعش ونظيراتها، تكمن في أن التدخلات هي ما أوجدت الظروف الضرورية والمواتية لوجود داعش، وتوسع رقعة نشاطها. والواضح أن الدروس الاستراتيجية للغزو الأميركي واحتلاله لم تستخلص. فلا جدال في أن داعش نتاج الاحتلال الأميركي للبلاد، حتى وإن كانت البنية الاجتماعية المحلية شكلت تربة خصبة لمثل هذه التنظيمات، فالتدخل هو ما أوجد التنظيمات الإرهابية في العراق وفي ليبيا. ذلك أن تدمير البنية الأمنية والسياسية والاجتماعية في البلدين، من دون طرح بديل لذلك، أوجد فراغاً في البلدين، استغلته التنظيمات الإرهابية المحلية والعابرة للأوطان.
ولا جدال، أيضاً، في أن التدخل لم يحل أزمتي العراق وليبيا، فالبلدان عاشا ويعيشان حرباً أهلية وصراعاً طائفياً وعجزاً لحكومات ما بعد التدخل في التحكم في الوضع. فجزء من التراب العراقي تحول إلى إمارة داعشية، في ظرف زمني قياسي. فالحكومة التي لم تتردد في قصف أهل الفلوجة بالبراميل المتفجرة، لم تحرّك ساكناً لمحاربة داعش، إلا بعد التدخل الدولي ضدها، والتقدم الذي أحرزه المقاتلون الأكراد في شمال البلاد. أما ليبيا فتحولت، في سياق حرب أهلية، إلى دولة مليشيات، قبل أن تنقسم مؤسساتها الانتقالية، لتصبح البلاد بحكومتين وبرلمانين، مما قاد إلى حربٍ ساخنة بين شرق البلاد وغربها. وبينما يتنازع النظامان الهزيلان في طبرق وطرابلس الشرعية، ويورّطان نفسيهما في حروب وصراعات بالنيابة لصاح أطراف خارجية، استغلت داعش الفراغ، واستقرت في البلاد، معتمدة على فروع محلية، وعلى جماعات عابرة للأوطان.
في العراق وفي ليبيا، كما في سورية، لم تعد الأزمة التي تنخر جسد هذه الدول، وتدمر
فضلاً عن ذلك، لا يعني التخلص من داعش ونظيراتها نهاية الأزمة في العراق وليبيا وسورية، فهي ستستمر، لأنها محكومة باعتبارات سياسية خلافية، أعمق من مسألة الإرهاب. وهنا، تكمن حدود المقاربة الدولية القائمة على معالجة الأعراض بدل الأسباب. فالسبيل الأنجع لمكافحة الإرهاب في هذه الدول الثلاث هو البحث في أسباب أزمتها لتسويتها. وبالتالي، التخلص من التربة الخصبة التي استفادت منها الجماعات الإرهابية. إنها ضرورة العودة إلى نقطة البداية: المعالجة السياسية للأزمات على أساس توافق وطني، وعقد اجتماعي يضمن حقوق جميع المواطنين من دون استثناء. لكن، هل للنخبة المتصارعة في هذه البلدان وللدول الإقليمية النافذة والقوى العالمية مصلحة في ذلك؟ الإجابة المطلقة غير ممكنة. لكن، يمكن القول إن طبيعة تحرك مختلف الفواعل المحلية والإقليمية والدولية، وتصرفها، تشير إلى أن الوضع المتردّي الحالي، إذا كان لا يخدم بالضرورة مصالحها، فإنه لا يضر بها بالضرورة.