في أوراق معارضي ميشيغن

13 مارس 2019
+ الخط -
مع حسن الظن بالكفاءات العراقية المغتربة التي عقدت مؤتمرها أخيرا في ولاية ميشيغن الأميركية، ووعدت بمؤتمر آخر لإكمال ما بدأته، ومع الإقرار بأن بعضا من تلك الكفاءات عانت كثيرا في العراق، واضطرت للهجرة، أو النفي الاضطراري، فإن ثمّة كثيراً مما قيل ويقال عن المؤتمر الذي أضاف رقما جديدا إلى المؤتمرات التي عقدها عراقيون معارضون في الخارج، طوال السنوات العجاف التي أعقبت الغزو الأميركي، وجرت فيها مناقشاتٌ، وطرحت أوراق عمل ومشاريع تغيير وبناء، إلا أن أغلبها، إن لم نقل كلها، لم يسفر عن نتيجةٍ إيجابية ما، وبعضها شهد مهاتراتٍ، وتعرّض للنقد والاتهام في أكثر من ناحية ومجال.
أول ملاحظة تدور في الذهن أن أيا من المئة مؤتمر ومؤتمر تلك لم يعقد في بغداد، أو في أية مدينة عراقية أخرى، وتلك نقطةٌ دفعت العراقي المقيم إلى نفض يده من معارضات الخارج، وعدم التعويل عليها في التغيير، أو حتى في رفع شيءٍ من المعاناة القاسية التي يعيشها.
وفي أعقاب مؤتمر ميشيغن، فضلت أن أسمع، على نحو مباشر، آراء أصدقاء وزملاء مهنة، ومعارف ناشطين في الشؤون العامة، وكرّست الأسبوع الأخير للحوار معهم عبر الهاتف. وأخذ ذلك مني ساعاتٍ في النقاش وتبادل الرأي، وخرجت بقناعةٍ لافتةٍ، أن الشعور العام تجاه ظاهرة المؤتمرات التي تعقدها معارضاتُ الخارج لدى الغالبية قد سجّل تدهورا ملحوظا في درجة الاهتمام بها، ومتابعة أخبارها، وصلت إلى حد اللامبالاة الكاملة لدى بعضهم، ممن باتوا يعتقدون أن لا خير يُرجى من ورائها!
قال لي أحدهم: "شبعنا مؤتمراتٍ لم تقدم لنا سوى شعارات وخطب كدنا نحفظها عن ظهر قلب". قال آخر إنه لن ينسى معارضين أقاموا مؤتمراتٍ رفعت شعار التغيير وإسقاط العملية السياسية، لكنهم ما لبثوا أن لحسوا معارضتهم في أول فرصةٍ سنحت لهم للانضمام إلى نادى الطبقة السياسية الحاكمة، وتحوّلوا إلى براغماتيين حد النخاع! قال لي ثالث "أحد أكثر الأسئلة الصعبة التي حاول مؤتمر ميشيغن أن يجيب عليها: من سيؤسس لحكومة الإنقاذ المقترحة، ويقيم نظاما جديدا؟ بعبارة أخرى.. من هو المعول عليه في تعليق الجرس؟ وقد عرضت الإجابة على نحو صريح في ثنايا مطالبة أميركا بالمساعدة على ذلك، وبالوعد في أنهم لو حكموا العراق، فسوف يقيمون علاقات تعاون وصداقة استراتيجية معها، أي أنهم يطلبون "الترياق" من أميركا التي غزت البلد واحتلته، وسرقت ثروته، وأورثت أبناءه كل هذا الدمار، 
وأقامت على حكمه مجموعة من اللصوص والأفاقين والمتاجرين بالدين"!
ولكي نكون منصفين، نقول إن من بين من حضر مؤتمر ميشيغن كان مدفوعا بحماسٍ ورغبةٍ في عمل وطني منظم، ولكنه على ما يبدو أخطأ المسار. واعتقد آخرون، وهم الطرف الذي سيطر بطروحاته على المؤتمر، كما هو واضح، أن خلاص العراق من الهيمنة الإيرانية، وإسقاط العملية السياسية التي جرّت الويلات على شعبه، لن يتم إلا عبر الولايات المتحدة، وهو موقفٌ يذكّر بما كان يقوله بعض معارضي النظام السابق إن أحدا لن ينقذهم من حكم صدام حسين سوى الأميركيين!
وقد انقسم المؤتمر، في ختامه، إلى مجموعتين خطّطت كل منهما لمؤتمر خاص بها يُعقد خلال شهر مارس/ آذار الحالي، والمكان واحد هو واشنطن، وفي ذلك دلالة الرعاية الأميركية التي لن تغيب عن البال. ولكن، ماذا ستكون الخطوة التالية بعد هذا المؤتمر أو ذاك أكثر من أنها من فصول ملهاةٍ يونانيةٍ، تبدو مختلفة في الشكل، وكلها في الخلفية متساوية. وفي نهاية المطاف، وعندما ينفضّ سامر الحي، سوف يكتشف الجميع أن لا حلّ واقعيا سوى الدعوة إلى أن يبادر عراقيو الداخل، شبابا ناشطين وشيوخا مجرّبين، ويقرّروا مصيرهم ومصير بلدهم، عبر لقاءاتٍ وتجمعاتٍ ومؤتمراتٍ تضع استراتيجية للتغيير المطلوب، وتؤسّس لمشروع عملي لإنقاذ أنفسهم وإنقاذ العراق. وإذا كان لأحد من عراقيي الخارج أن يقول كلمته، عليه أن يدعم دعوة كهذه باللسان أو بالقلم. وإذا شاء أن يكون مساهما فعليا في التوصل إلى حلول عملية، فليس أمامه سوى أن يكون بين مواطنيه في بغداد، أو أية مدينة عراقية. وبغير ذلك، سوف نظل نلمس، على مدى الزمن المقبل، جعجعة هنا وجعجعة هناك، لكننا لن نرى خبزا ولا طحينا.
583FA63D-7FE6-4F72-ACDD-59AE85C682EB
عبد اللطيف السعدون

كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"