"خريف التفاح" لمحمد مفتكر أكبر الفائزين في الدورة الـ21 (28 فبراير/ شباط ـ 7 مارس/ آذار 2020) لـ"المهرجان الوطني للفيلم بطنجة"، بنيله الجائزة الكبرى، وجائزة أحسن صورة لمدير تصويره رافاييل بوش، بالإضافة إلى جائزتي الأندية السينمائية والنقد. لعلّ الفيلم يستحقّ الجائزة الكبرى وجائزة الصورة إلى حدّ ما، نظراً إلى عدم تكامل وتميّز أيّ فيلم بشكل بَيِّن في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة في هذه الدورة، لكنّه لا يرقى إلى ما عوّدنا عليه محمد مفتكر، كأحد أكثر مخرجي السينما المغربية إبداعاً وعناية بالتفاصيل.
ينطلق "خريف التفاح" بوضع لبنات إيقاع حياة عائلة قروية يُعيلها أحمد الأب (سعد التسولي)، بائع الخردة وقطع الأجهزة الكهربائية بعد إصلاحها. تتكوّن العائلة من سليمان، ابنه الوحيد، والجنرال (محمد التسولي، والد سعد التسولي)، الجدّ العليل ذي الماضي المجيد في الجندية، والجدّة (نعيمة لمشرقي)، التي تقوم بأعمال العائلة وتعتني بالجدّ. فيما تغيب الأم، التي قيل لسليمان إنّها غرقت في البحر، وتحضر الجارة (فاطمة خير، زوجة سعد التسولي في الحياة)، التي سيتّضح في منتصف الفيلم أنّها أم سليمان، التي نبذها أحمد بعد اشتباهه في خيانتها. الأم هي أيضاً أخت العسكري (حسن باديدا)، الذي يتكفّل بحركة الجدّ وتنقّلات العائلة.
في الثلث الأول من الفيلم، يورد محمد مفتكر الوضعيات نفسها، بتنويع قليل وتطوّر شحيح، بين يوميات الجدّة وأعمالها المنزلية (طهو الطعام، تحميم الجدّ، إلخ). وتنقّلات سليمان من المدرسة إلى البيت، وانشغال الأب بنقل القطع وتصليحها.
"خريف التفاح" فيلم برأسين. أيّ أنّ هناك، بشكل غريب، فيلمين في الفيلم نفسه. فيلم مفتكر الذي نعرفه، أقلّ تمثيلاً: شاعري ومفاجئ، ينزع إلى الإيحائية، وحواراته قليلة ومدروسة، ولا يُمكن أن تنتزع منّه أي شيء، من دون أنْ يتأثّر بناء الكلّ. يمكن أن نمثّله بالمشهد البديع لموت الجدّة، المنطلق من خروج سليمان من المدرسة، ولقائه النساء الملتحفات بالسواد، والمتوجّهات إلى منزل العائلة. ثم حركة الكاميرا، التي تصف أجواء البيت، وتُشيّع جثمان الجدّة، وصولاً إلى لقطة الدفن في المقبرة وسط أجواء مُمطرة، وتقابل موحي بين أحمد والمدرّس الابتدائي (أيوب اليوسفي)، عشيق الأم ـ الجارّة، والأب الحقيقي لسليمان.
هناك فيلم آخر، أكثر تمثيلية، ولا علاقة له بالأول، حتّى إننا نتساءل: هل محمد مفتكر نفسه هو مخرجه؟ فيلمٌ ثرثار، يُمْعِن في العزف على أوتار رمزية فجّة. متكررّ ومتوقّع، يفضّل الشرح على الإيحاء، ويمكن أنْ تُسحَب منه مَشاهد برمّتها، من دون أنْ يتداعى الكلّ. الأمثلة هنا كثيرة، أبرزها مشهد المدرسة، حيث يبسط المعلّم درساً طويلاً عن الأشكال الهندسية، في إشارة فجّة إلى رمزية استدارة شكل التفاحة، والإحالة البسيطة إلى الغواية والخيانة، خصوصاً أنّ مشهداً سابقاً له، يلقّن فيه المعلم التلاميذ طريقة رسم تفّاحة، مُركّزاً على الاستدارة، فيرسم سليمان بدل التفاحة شجرة تفّاح.
شجرة التفّاح التي تتوسّط ساحة المنزل، ويجلس الجدّ تحتها، تشكّل مرتكز الفيلم، حيث تتّجه الخيوط كلّها. لكنْ، هناك إفراط في استعمال رمز التفّاح: يُرسم في فصول المدرسة ولوحات المعلم. يُقطف ويؤكل، وتُصنع منه حلوى في مَشاهد ثرثارة أخرى. يُسقَط على رأس الجدّ بشكل شبه كاريكاتوري. هذا كلّه أفرغه من أيّ حمولة شاعرية، جاعلاً محاولة سعد التسولي اجتثاث الشجرة، التي يُفترض به (الاجتثاث) أن يُشكّل ذروة الفيلم، مجرّد ضربات باردة على جذع شيء ميت أصلاً. لكنّ هذا لا يمنع القول إنّ سعد التسولي قدّم هنا أداءً مبهراً، يجعلنا نتحسّر على تهميشه أعواماً طويلة من مخرجي السينما المغربية.
إذا كان سليمان، في نظر والده، ابن "خطيئة"، فإنّ كاستنغ أناس الباجودي لتأدية دوره شكّل الخطأ الكبير للمخرج. فجمود تقاسيمه بعينه الجاحظة، وفمه الفاغر دائماً، حَالَا دون التماهي مع شرطه في بداية الفيلم.
هناك أيضاً حالات تكرار وضعيات مع أفلام أخرى لمحمد مفتكر، كالمَشاهد التي لا ينفكّ سليمان يُكرّر فيها أبياتاً من قصيدة ميخائيل نعيمة، "سقف بيتي حديد"، قبل أن يقرأها بشكل متوقّع على قبر جدّته. هذا عَكْس مشهد تتلو فيه شخصية ميمو تعريفاً بالسياسة على مسامع والده المحتضر، الذي جاء مفاجئاً ومُفعماً بالشاعرية، في "جوق العميين" (2015)، الروائي الطويل الثاني لمفتكر.
يمطِّط الحكي وتر خيانة الأم مع المعلم حدّ الاستنزاف، خصوصاً في مشهد تبرّج الأم على أضواء الشموع وسط غرفة مزيّنة بلوحات التفّاح والأفاعي، وفي أجواء تكاد تلامس "الكيتش". هكذا، تموت الحركة في مهد ترس (الدولاب الناقل للحركة، وبالفرنسية Rouage ـ المحرّر) كان ينبغي له أن يلعب دور الترس الأولي، الذي يُفترض به أنْ يحرّك تروس تقلّبات درامية أخرى تسمو بطرح الفيلم إلى مرتفعات أكثر تعقيداً من مجرّد ابن ناتج عن علاقة خيانة زوجية.
في الثلث الأول من الفيلم، يورد محمد مفتكر الوضعيات نفسها، بتنويع قليل وتطوّر شحيح، بين يوميات الجدّة وأعمالها المنزلية (طهو الطعام، تحميم الجدّ، إلخ). وتنقّلات سليمان من المدرسة إلى البيت، وانشغال الأب بنقل القطع وتصليحها.
"خريف التفاح" فيلم برأسين. أيّ أنّ هناك، بشكل غريب، فيلمين في الفيلم نفسه. فيلم مفتكر الذي نعرفه، أقلّ تمثيلاً: شاعري ومفاجئ، ينزع إلى الإيحائية، وحواراته قليلة ومدروسة، ولا يُمكن أن تنتزع منّه أي شيء، من دون أنْ يتأثّر بناء الكلّ. يمكن أن نمثّله بالمشهد البديع لموت الجدّة، المنطلق من خروج سليمان من المدرسة، ولقائه النساء الملتحفات بالسواد، والمتوجّهات إلى منزل العائلة. ثم حركة الكاميرا، التي تصف أجواء البيت، وتُشيّع جثمان الجدّة، وصولاً إلى لقطة الدفن في المقبرة وسط أجواء مُمطرة، وتقابل موحي بين أحمد والمدرّس الابتدائي (أيوب اليوسفي)، عشيق الأم ـ الجارّة، والأب الحقيقي لسليمان.
هناك فيلم آخر، أكثر تمثيلية، ولا علاقة له بالأول، حتّى إننا نتساءل: هل محمد مفتكر نفسه هو مخرجه؟ فيلمٌ ثرثار، يُمْعِن في العزف على أوتار رمزية فجّة. متكررّ ومتوقّع، يفضّل الشرح على الإيحاء، ويمكن أنْ تُسحَب منه مَشاهد برمّتها، من دون أنْ يتداعى الكلّ. الأمثلة هنا كثيرة، أبرزها مشهد المدرسة، حيث يبسط المعلّم درساً طويلاً عن الأشكال الهندسية، في إشارة فجّة إلى رمزية استدارة شكل التفاحة، والإحالة البسيطة إلى الغواية والخيانة، خصوصاً أنّ مشهداً سابقاً له، يلقّن فيه المعلم التلاميذ طريقة رسم تفّاحة، مُركّزاً على الاستدارة، فيرسم سليمان بدل التفاحة شجرة تفّاح.
شجرة التفّاح التي تتوسّط ساحة المنزل، ويجلس الجدّ تحتها، تشكّل مرتكز الفيلم، حيث تتّجه الخيوط كلّها. لكنْ، هناك إفراط في استعمال رمز التفّاح: يُرسم في فصول المدرسة ولوحات المعلم. يُقطف ويؤكل، وتُصنع منه حلوى في مَشاهد ثرثارة أخرى. يُسقَط على رأس الجدّ بشكل شبه كاريكاتوري. هذا كلّه أفرغه من أيّ حمولة شاعرية، جاعلاً محاولة سعد التسولي اجتثاث الشجرة، التي يُفترض به (الاجتثاث) أن يُشكّل ذروة الفيلم، مجرّد ضربات باردة على جذع شيء ميت أصلاً. لكنّ هذا لا يمنع القول إنّ سعد التسولي قدّم هنا أداءً مبهراً، يجعلنا نتحسّر على تهميشه أعواماً طويلة من مخرجي السينما المغربية.
إذا كان سليمان، في نظر والده، ابن "خطيئة"، فإنّ كاستنغ أناس الباجودي لتأدية دوره شكّل الخطأ الكبير للمخرج. فجمود تقاسيمه بعينه الجاحظة، وفمه الفاغر دائماً، حَالَا دون التماهي مع شرطه في بداية الفيلم.
هناك أيضاً حالات تكرار وضعيات مع أفلام أخرى لمحمد مفتكر، كالمَشاهد التي لا ينفكّ سليمان يُكرّر فيها أبياتاً من قصيدة ميخائيل نعيمة، "سقف بيتي حديد"، قبل أن يقرأها بشكل متوقّع على قبر جدّته. هذا عَكْس مشهد تتلو فيه شخصية ميمو تعريفاً بالسياسة على مسامع والده المحتضر، الذي جاء مفاجئاً ومُفعماً بالشاعرية، في "جوق العميين" (2015)، الروائي الطويل الثاني لمفتكر.
يمطِّط الحكي وتر خيانة الأم مع المعلم حدّ الاستنزاف، خصوصاً في مشهد تبرّج الأم على أضواء الشموع وسط غرفة مزيّنة بلوحات التفّاح والأفاعي، وفي أجواء تكاد تلامس "الكيتش". هكذا، تموت الحركة في مهد ترس (الدولاب الناقل للحركة، وبالفرنسية Rouage ـ المحرّر) كان ينبغي له أن يلعب دور الترس الأولي، الذي يُفترض به أنْ يحرّك تروس تقلّبات درامية أخرى تسمو بطرح الفيلم إلى مرتفعات أكثر تعقيداً من مجرّد ابن ناتج عن علاقة خيانة زوجية.