فورة استيطان إسرائيلية مضبوطة على إيقاع ترامب

26 يناير 2017
أقر نتنياهو وليبرمان إقامة 2500 وحدة استيطانية(طوماس كوكس/فرانس برس)
+ الخط -



يُشكّل امتناع البيت الأبيض، تحت إدارة الرئيس الجديد دونالد ترامب، عن إصدار إدانة واضحة أو حتى إبداء قلق من إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، المصادقة على بناء 2500 وحدة سكنية استيطانية جديدة، مؤشراً مريحاً لحكومة الاحتلال على أن بمقدورها أن تمضي في مسلسل الاستيطان، بعد ثماني سنوات "عجاف" في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، اتضح، أمس الأربعاء، خلال مساءلة في الكنيست لنتنياهو، أنها لم تكن فعلاً عجاف. فقد أعلن نتنياهو أنه على الرغم من أن أوباما أبلغه في أول لقاء له معه قبل ثماني سنوات أنه لن يسمح ببناء ووضع ولو لبنة واحدة، "فقد تمكّنا من وضع لبنات وفوقها لبنات، ونحن الآن أمام مرحلة جديدة، وقد صادقنا أمس على دفعة أولى وستتبعها دفعات"، وفق قول نتنياهو.
لكن إعلان قرار المصادقة الأخير، لا يمكن عزله عن قيام نتنياهو بتأجيل وإرجاء، ربما إلى أجل غير مسمى، مناقشة اقتراح قانون يروج له حزب "البيت اليهودي" بقيادة نفتالي بينت، يدعو في المرحلة الأولى إلى ضم مستوطنة معاليه أدوميم والمستوطنات الصغيرة المحيطة بها على طريق أريحا إلى إسرائيل وفرض السيادة الإسرائيلية عليها. وقد علل نتنياهو طلبه بأنه لا يريد مفاجأة الإدارة الأميركية الجديدة بخطوات أحادية الجانب، من جهة، وبأن التأجيل هو وفق طلب من مقربين من ترامب، بما يوحي أن قرار المصادقة على 2500 وحدة سكنية في الأراضي المحتلة، وسكوت الإدارة الأميركية وعدم انتقاد القرار، كان وفق تفاهم معين بين حكومة نتنياهو وإدارة ترامب.
ويدعو أنصار الاستيطان من التيار الصهيوني الديني بقيادة بينت، إلى استغلال فرصة وصول إدارة جديدة مناصرة لإسرائيل، لإطلاق يد البناء في المستوطنات الإسرائيلية، عبر محاولة واضحة لإحراج "الليكود" بقيادة نتنياهو بحجة أن العائق الذي كان أمام البناء قد اختفى، في إشارة لأوباما. إلا أن نتنياهو وفي سياق تفويت فرصة المزايدة عليه من "البيت اليهودي"، يحاول أن يضبط حركة الاستيطان الجديدة والدفعات المقبلة التي تعهّد بها في خطابه أمام الكنيست أمس، وفي تعقيبه على الإعلان عن قرار المصادقة على 2500 وحدة سكنية، وفق إيقاع ترامب، وبشكل يضمن له أن يكون ظاهراً في المشهد الاستيطاني، باعتباره الراعي الأول للبناء الاستيطاني، وهو ما ردده بعد جلسة حكومته الأحد، وكرره الإثنين في الكنيست في رده على انتقادات "البيت اليهودي" له لأنه لا يسارع إلى استغلال وجود إدارة مناصرة لإسرائيل.
وخلافاً لرئيسي الحكومة السابقين أرييل شارون وإيهود أولمرت، كما قال محلل الشؤون الحزبية في الإذاعة الإسرائيلية، حنان كريستال، فإن نتنياهو يتجه كلما زادت وطأة التحقيقات في ملفات الفساد التي يُتهم بها، إلى التصعيد باتجاه اليمين الإسرائيلي في الملف الفلسطيني، وتعزيز الاستيطان، بدلاً من الاتجاه نحو تسوية أو تقديم تنازلات.


لكن المشهد الإسرائيلي يمر بحالة يقوم فيها نتنياهو بمحاولة الالتفاف على أقصى اليمين، أي تيار الاستيطان الديني، وإقرار مزيد من البناء دون أن يحظى ذلك برضا هذا اليمين، لأن التوسع الاستيطاني المصادق عليه حالياً، هو تكثيف للبناء عملياً داخل التجمّعات الاستيطانية الكبيرة، التي ترى إسرائيل، سواء قادها اليمين بقيادة نتنياهو أم اليسار والوسط، أنها ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية في أي اتفاق مستقبلي مع الفلسطينيين.
لكن ما يلفت الانتباه هو الاعتراض الذي أعلنه بالذات نجل زعيم "الليكود" سابقاً، بني بيغن، لجهة المطالبة ليس فقط بالبناء في مختلف المستوطنات الإسرائيلية "الصغيرة" خارج الكتل الاستيطانية، وإنما بأن تستهدف مخططات البناء الاستيطاني في المرحلة الحالية، ما تطلق عليه إسرائيل "ظهر الجبل"، والمقصود به السفوح الشرقية لسلسلة جبال الضفة الغربية، أي الجانب الغربي من غور الأردن، بما يضمن عملياً سيطرة إسرائيلية كاملة لاحقاً على غور الأردن وزرعه بالمستوطنات التي تعيق نهائياً أي حل لدولة فلسطينية، ويبقي المجال مفتوحاً أمام مشروع بيغن التاريخي، بحكم ذاتي فلسطيني لا غير.
وبغض النظر عن كون الأسبوع الماضي شهد إقرار مخططات لبناء أكثر من 600 وحدة سكنية في الأحياء الاستيطانية في القدس المحتلة، مثل رمات شلومو وبيسغات زئيف، فإن الأمر الجوهري الجديد في المرحلة الجديدة، هو أن المصادقة على بناء 2500 وحدة جديدة في الضفة الغربية، سواء كانت داخل التجمعات السكنية أم خارجها، تمت هذه المرة، ولأول مرة منذ 8 سنوات، بشكل علني، ولم يظل القرار سرياً أو بعيداً عن الأنظار وعن وسائل الإعلام والرأي العام العالمي.
ويعني هذا الفارق الجوهري أن تعزيز الاستيطان سيكون من الآن فصاعداً علنياً، وبقرارات رسمية معلنة، يسبقها على ما يبدو تنسيق مع إدارة دونالد ترامب، عبر التلويح أولاً بخطاب سد الحاجة والنقص في المسكن لأبناء المستوطنين وسد حاجة التكاثر الطبيعي في المستوطنات الكبرى، وسط الركون إلى موقف أميركي متفهم وأكثر من ذلك مدافع عن هذا النوع من الاستيطان، وإظهار حالة من "التنازل" الإسرائيلي في المرحلة الأولى عن توسيع دائرة الاستيطان خارج محيط القدس وخارج الكتل الاستيطانية، على الرغم مما قد يسببه هذا التنازل من "أزمات ائتلافية" ومن غضب تيار الصهيونية الدينية.