بعد قرار المحكمة الإسرائيلية العليا، الإثنين الماضي، حسم الاستيلاء على فندقي "إمبريال" و"بترا" وقصر المعظمية، في القدس المحتلة، لصالح جمعيات استيطانية، بعدما تم تسريبها خلال السنوات الماضية من أملاك الكنيسة الأرثوذكسية، بات أصحاب هذه الأملاك في صراع لتثبيت بقائهم في المدينة ضد موجة الاستيطان التي تستهدفها.
يروي أبو الوليد الدجاني، الذي يدير فندق "إمبريال" في البلدة القديمة من القدس المحتلة، بمرارة وغضب ما آل إليه مصير الفندق الذي تديره عائلته منذ عام 1949 بموجب عقد إيجار وقّعته مع بطريركية الروم الأرثوذكس، المالك الأصلي لمبنى الفندق. وبالنسبة لأبي الوليد، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، فإنه لم يعد يكترث لمجريات الأمس القريب أو البعيد منذ العام 2004، حين بدأت الأنباء تتكشف عن صفقة بيع وتسريب للفندق لجمعيات استيطانية، بقدر اكتراثه واهتمامه بالخطوة التالية لقرار المحكمة الإسرائيلية، التي ثبتت ادعاءات المستوطنين بالفندق وملكيتهم له، بموجب صفقة البيع والتسريب، التي شابها كثير من شبهات الغش والرشى والفساد.
وفي لقاء "العربي الجديد" معه، داخل الفندق، يتساءل أبو الوليد: "ماذا بعد قرار المحكمة العليا؟ وما عساني أفعل إن أتت جمعية "عطيرت كوهانيم" الاستيطانية، غداً، وطالبتني بسداد ما ترتب من إيجارات لسنوات، بحكم أن المحكمة ملّكتها الفندق وأصبحت المالك الجديد؟". أسئلة أخرى كثيرة يطرحها أبو الوليد، الذي لم يُخف قلقه من المستقبل، لكنه على الرغم من ذلك يرى أن بالإمكان عرقلة وتعطيل تنفيذ قرار المحكمة الإسرائيلية بإجراءات قانونية محكمة، ومن خلال طاقم من خبراء القانون المتخصصين الذين بمقدورهم التقدّم بالتماسات ضد "عطيرت كوهانيم"، فيما لو فكرت بالاستيلاء على الفندق، وبإمكان طاقم قانوني يحظى بخبرة عالية أن يرجئ تنفيذ القرار لسنوات، وهكذا يصبح من الصعب تنفيذه فوراً.
مع هذا القلق الذي ينتاب أبو الوليد، فإن الغضب ينصبّ أيضاً على كل من بقي متفرجاً ولم يتحرك منذ عام 2004 وحتى اللحظة. ورداً على سؤال عما إذا كان أحد من المسؤولين والمرجعيات المختلفة للقدس قد تواصل معه، أو حاول تقديم الدعم في معركة الفندق مع المستوطنين، يردّ أبو الوليد بغضب: "لم يكلف أحد، لا من المسؤولين ولا من المرجعيات، نفسه التواصل معنا أو مساندتنا في المعركة القضائية. لم نسمع إلا ردود الفعل والتصريحات"، مضيفاً: "نحن لا نريد مالهم ولن تنفعنا أموالهم بعد قرار المحكمة العليا الإسرائيلية. ما نطلبه اليوم هو مساندتنا في معركة الصمود التي نخوضها. وكل ما نريده اليوم هو أن يكون لدينا هذا الطاقم من المحامين الذي يتابع القضية. ليس أي طاقم، بل طاقم خبير. وقد استشرت واحداً من كبار المحامين المتخصصين في قضايا العقارات وأبلغني أنه يمكن بسهولة اتخاذ إجراءات قضائية، على الرغم من قرار المحكمة العليا، ترجئ عملية التنفيذ لسنوات، وربما ننجح في إبطال الصفقة".
السؤال الآخر الذي يردده أبو الوليد للمتقاعسين عن دعمه في قضية الفندق، أنه "بما أنه لديكم ما تدعون أنها وثائق، أين كنتم طيلة هذه المدة، منذ العام 2004 وحتى الآن؟ لقد مرت القضية في أكثر من مرحلة من النظر، سواء في المركزية، حين حكمت المحكمة المركزية عام 2017 لصالح عطيرت كوهانيم، أو في المحكمة العليا. أين كنتم طيلة هذه المدة؟". ويؤمن أبو الوليد في جوابه على تساؤله السابق، بأن هناك كما يقول "أجندات موجودة، ونحن بتنا معتادين مثل هذه المواقف. أنا لا أريد أن أدافع عن أحد. أنا أريد الدفاع عن حق الفلسطيني الموجود اليوم في باب الخليل".
غضب أبو الوليد مما يجري وقلقه لا ينحصران في قضية الفندق والسيطرة عليه، وعلى فندق "بترا" المجاور. فهناك مخاطر كثيرة تتهدد عشرات المحالّ التجارية أسفل الفندقين في حال تمكّنت "عطيرت كوهانيم" من السيطرة عليه، ما يعني أنها ستسيطر بالكامل على ساحة عمر بن الخطاب، وعلى هذه المنطقة الحيوية جداً من البلدة القديمة في القدس، وتحديداً في منطقة باب الخليل. بل إن الأمر يتجاوز ذلك إلى الوجود الفلسطيني المسيحي في البلدة القديمة برمتها، علماً أن موقع الفندقين هام واستراتيجي ومفتوح على كل الأماكن في المدينة. "في نظري، ففي غضون ثلاث سنوات لن يبقى فلسطيني واحد في ساحة عمر بن الخطاب"، يقول أبو الوليد.
ويؤكد أبو الوليد أن ساحة عمر بن الخطاب في باب الخليل لا تقل أهمية عن المسجد الأقصى أو كنيسة القيامة، وكلاهما يبعدان عن الفندق خمس دقائق، "فالأخطار واحدة، وإن استولوا على هذه الساحة، فإن كل شيء سيصبح متاحاً لهم". ويضيف: "ما يعنيني الآن بعد قرار المحكمة العليا الإسرائيلية هو أمر واحد فقط، وهو ضمان بقائي في الفندق لمدة 99 عاماً أخرى بموجب العقد الموقّع مع البطريركية ولا شيء غير ذلك. هذا ما أريده فقط، على الرغم من قرار المحكمة الإسرائيلية".