فنجان قهوة مع ريبيكا سالتن

03 ديسمبر 2015
ريبيكا سالتن
+ الخط -

ريبيكا سالتن هي نائبة الرئيس ومديرة تحرير دار النشر ريفيرهيد بووكس. اكتسبت السيدة سالتن خبرة كبيرة في التحرير والنشر على مر ثلاثة عقود من العمل، بحيث شاركت في تحرير مجموعة من الكتابات، التي فازت بأحسن الجوائز وحققت أحسن المبيعات. تعمل سالتن على تحرير ونشر المواضيع المرتبطة بالخيال الأدبي، والمذكرات، والنصوص السردية الواقعية، والكتب التي تتطرق لمواضيع الساعة، كالبيئة، والغذاء، والسفر، وقضايا المرأة، والثقافات المختلفة. عملت سالتن مديرة للتحرير بنورث بوينت بريس. وقبل التحاقها بريفيرهيد سنة 2009، كانت قد شغلت منصب رئيسة التحرير، ثم ناشرة بكل من أدلت ترايد غروب، وهافتن ميفلين التابعتين لهارتكورت. عن مستقبل الكتاب المطبوع وغيره من المواضيع المتعلقة يحاورها الصحافي نويد أحمد:

* كيف ترين مستقبل دور النشر الورقية في ظل الزمن الرقمي؟ وهل تظنين أن النموذج القائم حاليا اندثر أم أنه فقط تآكل جزئيا؟

يمكنني فقط التحدث عن الجانب المتعلق بنشر الكتب، أما كل ما يرتبط بالمجلات والصحف، فذاك موضوع آخر. بالنسبة للكتب، أود هنا أن أقتبس عبارة مارك توين وأقول إن الشائعات التي تروّج لزوال الكتب الورقية مبالغ فيها بشكل كبير. الحقيقة أن الكتب توفر لنا تجربة ممتعة من الانغمار الذي نتوق إليه جميعا، والذي لا تستطيع تلك النصوص المكتوبة بسرعة على الإنترنت توفيرها. كما أنه، وعلى عكس ما يعتقد الكثيرون، فإن الكتاب الإلكتروني في حد ذاته ليس هو المنافس الحقيقي للكتاب الورقي. فالكتب الإلكترونية تتميّز في بعض الأحيان عن الكتب الورقية، وخصوصا أنها لا تتطلب الكثير من اللوازم، كالشحن مثلا. ومع ذلك، فإن نمو الكتب الرقمية مقارنة مع الورقية حدث بسرعة أكبر مما كان متوقعا. وبات على الكتب أن تنافس الأنواع الأخرى من الترفيه السطحي، وكذلك الضغط الذي يفرضه سوق المبيعات، خصوصا من طرف الصديق المنافس "أمازون". أمّا وأننا ما زلنا نُغذّي ذاك التوق لتلك التجربة من الانغمار التي لا تُعوّض، ونستمر في تطعيمها من خلال إنتاج نصوص وكتب عالية الجودة، فإن الأمل سيبقى دائما في الكتب الورقية.

* ما هي أبرز التعديلات التي قامت بها مؤسستكم بالنظر إلى التغيّرات التي تشهدها عادات القراءة؟

بالنسبة للجانب التحريري، لم يطرأ هناك تغيير كبير، كما قد تظن، وخصوصا أننا في ريفيرهيد نُعتبر روادا في النشر الأدبي. فنحن لا نزال ننشر أعمالا متعلقة بالخيال الأدبي، والقصص السردي الجدّي، وغيرها. كما أننا نتبنى مقاربة مرنة وخلاّقة في ما يخص الشكل، فمثلا لدينا القدرة على إنتاج مؤلفات إلكترونية مبدعة وطويلة، وفي بعض الأحيان نربط هذه المقاربة المنفتحة بالحجم والشكل مع الكتب المطبوعة. لقد حققنا إنجازا جيدا مع طبع مؤلف خاص ثلاثي الأبعاد للكاتب تشانغ ري ليي تحت عنوان "فوق بحر مليء"، وكذلك قصة واحدة للكاتب دانيال ألاركون في شكل شرائط مصورة، وأعمال أخرى مماثلة. إن ما تغيّر بشكل جذري عندنا هو طريقتنا في تسويق وبيع كتبنا. فالنموذج القديم الذي كان يعتمد على التعريف بالكتب من خلال المراجعات والدعاية عبر الإعلام المطبوع، والذي كان الناشرون يسوّقون لكتبهم من خلاله، لم يعد ناجعا، بحيث إن الناس لم يعودوا ينتبهون كثيرا لهذا النوع من الإعلام. أما الآن فإن مواقع التواصل الاجتماعي فتحت لنا نوافذ عديدة ومتنوعة من أجل استهداف قراء جدد، وهذا شيء جيد من حيث الديناميكية والتنوع اللذين يوفرهما هذا النوع من الإعلام. كما أن استعمال هذه القنوات ليس مكلفا لكنه يتطلّب عملا مضنيا.


لذلك فإننا نقضي وقتا أكبر في محاولة الدمج بين المقاربات والاستراتيجيات القديمة والحديثة في سعينا إلى ابتكار طُرق جديدة لجذب انتباه العملاء، وذلك من خلال خلق صور جذابة، وفيديوهات مبتكرة، تناسب ثقافة المستهلك الإلكتروني بطبعه. ثم إن نشر الكتب الورقية مرتبط بشكل كبير بالمنافسة، حيث إن بإمكان حدث إعلامي أن يُرجع كتابا ما إلى دائرة الضوء مرة أخرى. إذن، فالعمل على نشر عمل معيّن أو كاتب ما أصبح مرتبطا بالابتكار والأفكار الجديدة. إنه عمل لا يتوقف أبدا.

* هل تعتقدين أن التخفيض من ثمن الكتب والعمل على تقنيات تسويق جيدة قد يساعدان صناعة النشر في منافسة شركات مثل "أمازون"؟

نعم، بالطبع. كما قلت سابقا، فإن تقنيات التسويق تساعد جدا. لكن مسألة التخفيض من ثمن الكتاب لن تنفع كثيرا. فلو قمنا بذلك، فإننا نوقّع عقد موتنا بشكل أكيد. من المعروف أن صناعة النشر والطبع كانت ولا تزال تعتمد على هوامش ربحية صغيرة، وإذا خفضنا من ثمن الكتاب فإننا لن نستطيع أن نوفر كتبا بجودة عالية. فإلى جانب جودة الورق، واللصاق، هناك أيضا مصاريف أخرى مرتبطة بالكتّاب، والمحررين، والمصممين، والمعلنين، والمسوّقين، وغيرها، ذلك كله لخلق منتوج متميّز. وبالرغم من كل هذا الضغط المستمر الذي تقوم به "أمازون" من أجل تخفيض ثمن الكتب، إلا أن التجربة أثبتت أن الناس يبحثون عن الكتب ذات الجودة، وإلا فإنهم سيقبلون على شراء تلك الكتب الرديئة التي تسوّقها أمازون بأثمان بخسة. ثم إنه إذا خضعنا لضغط تخفيض أسعار الكتب، فإن القراء سيعتادون على اقتناء كتب ذات جودة عالية بثمن بخس، وسيكون من الصعب الرجوع عن هذه العادة. وقد شهدنا مثل هذه الحالات في سوق القراء البريطاني، حيث خضع أغلب الناشرين إلى ضغط السوق والبائعين من أجل التخفيض من ثمن الكتب، ولحد الآن لم يستعيدوا قدرتهم التسويقية بعد.

* لا يشتري الناس الكتب الإلكترونية إلا في حالة عدم توافر نسخ مجانية منها على الإنترنت. فهل السبب هو التكنولوجيا أم الثقافة؟

كما ذَكَرتُ أعلاه، فإن هذا بالضبط ما يريدنا بائعو الكتب الإلكترونية من أمثال موقع "أمازون" أن نصدقه. لكن هذا ليس صحيحا. إن شريحة كبيرة من القراء الذين يستمتعون دائما بالقراءة ويأخذونها على محمل الجد، لا تزال على استعداد لدفع ثمن الكتب ذات الجودة العالية، وهذا الثمن هو في الوقت ذاته تقدير لمجهوداتنا نحن القيّمين على هذه الكتب. وبالرغم من أن القراء غارقون في الكتب المجانية والرخيصة، فإنهم ما زالوا يميلون لشراء الكتب. نحن من نخلق الثقافة إلى حد ما، لذلك علينا أن نكون أقوياء في الإصرار على عدم المساهمة في خلق ثقافة لا تقدّر ما نفعله ونوفره للقراء.

* هل ترين أن من شأن الرواية أن تعمّر قرنا من الزمن، أو قرنين آخرين؟ وهل تقلّص الحجم المخصص لها في عملكم؟

لا تزال الروايات الخيالية أكثر الإصدارات المدرّة للربح. والدليل على ذلك هو النجاح الكبير الذي حققته رواية "الفتاة على متن القطار"، التي قمنا بإصدارها. إنه لمن الصعب جدا استمالة مسوّقي الكتب، والمراجعين، وأناس آخرين حتى يلتفتوا إلى روائي غير معروف، أو أسوأ من ذلك، روائي بكتب لم تحقق نسبة مبيعات جيدة. ومع ذلك، فقد وجدنا أنه من خلال نشرنا لهذه الروايات بطريقة مبدعة وشجاعة، حتى وإن كانت هذه الروايات مستعصية على البعض، قد نستطيع أن نخرج بروايات جديدة وعلى نحو لائق للقراء. مثالا على ذلك، يمكننا استحضار رواية مارلون جيمس بعنوان "نبذة تاريخية عن سبع عمليات قتل"، التي تمت كتابتها في 700 صفحة.

أما بالنسبة إلى السؤال المتعلق بمدة بقاء الرواية على قيد الحياة، فليست لديّ فكرة. لا زلت أتذكر نورمال ميلر، عندما قال - في ظهور أخير له أمام الجمهور - "لم يعد أحد يكتب الشعر العميق الخماسي التفاعيل". وبطبيعة الحال، فإن الرواية تلقى اهتماما أكبر في الثقافة الغربية من نظيرتها الشرقية، وهناك ثقافات حيث الشعر والفلسفة يمتلكان سلطة وشعبية لا يمكن للقراء الأميركيين تصورها. لذا أعتقد أنني أكثر ثقة بالقول إن الأدب الجيد سيظل على قيد الحياة لبضع قرون، في حين أن الرواية لن تستطيع البقاء كل هذا الوقت. وبما أنني شغوفة بأشكال أخرى من الكتابات الطويلة، كالمقالات والسرد القصصي على سبيل المثال، فإن التفكير في هذا لا يشعرني باليأس.

* هل تغيّر أسلوب الكتابة من حيث المواضيع، اللغة، وطريقة التعـاطي مع القصة بمرور الوقت؟

بالتأكيد؛ يتوجب على كل جيل أن يقوم بتعديل الأشكال القديمة حتى تساير التغيّرات التي طرأت على مجتمعه، وكذلك اختراع أشكال جديدة. وبالفعل، فنحن نتطلع في ريفيرهيد إلى قصص من مجموعة أكثر تنوّعا من الكُتّاب وبوتيرة نشر أكبر من ذي قبل، ونتطلع أيضا إلى تجارب مغامِرة تتجاوز المألوف وتجمع بين تعابير هذا القرن، والتعابير المستعملة في روايات القرن العشرين. كما أنني أقوم بنشر أعمال الكاتب الباكستاني محسن حميد، والذي يتطرق في كل مرة إلى موضوع من المواضيع الهـائلة التي تطبع عـالمنا اليوم؛ من قبيل: العولمة، عدم المساواة في الدخل، استقطاب الأصولية، والهجرة. وهنالك بعض الكتّاب الذين يتحدّون ما جاء به نوسغارد من أعراف في مجال كتابة القصص. فعلى سبيل المثال، سأقوم في الصيف القادم بنشر كتاب بعنوان "البِركة" لكاتب جديد يدعى كلير لويس بينيت، هذا العمل لست متأكدة تماما ما إن كنت سأدعوه رواية، قصة، أو ببساطة رواية خيالية. إن شعبية المقالات في السنوات الأخيرة، ـ كما نرى عند كتّاب من أمثال ليسلي جاميسون وأُولا بيس على سبيل المثال، أو في المقالات الشعرية مثل "المواطن" لكاتبتها كلوديا رانكين - تعكس بالنسبة لي نفاد صبر القراء على القصص في حد ذاتها، وتلهّفهم إلى أفكار جديدة.

* كيف ترين مستقبل الشعر والرواية، وهل هنالك إمكانية لولادة نوع جديد من الأدب؟

لو كان الناشرون يعلمون لقاموا بنشر الكتب الأكثر مبيعا فقط. في أغلب الأحيان، نتبع حدسنا الذي لا يمكن الاعتماد عليه دائما. بالنسبة لي، لا أريد أن أقرأ ما أعرفه مسبقا. أريد أن أقرأ شيئا غير مألوف، أفكارا تخبرني ما لا أعلمه. وإنه لمن المثير للغاية أن تشهد ولادة صوت جديد وأن تكون مشاركا في ذلك. في بعض الأحيان لا نلاقي النجاح المنشود، والسبب هو أن أغلب الناس لا يشاركونك الذوق نفسه، أو أن الحظ لم يكن حليفك - علما بأن الحظ يلعب دورا كبيرا في هذا المجال. ولكن يمكننا أن نحس بشكل جماعي عندما تزداد الأمور سوءا. وفي أوقات الاضطراب في عالم الكتب، التي نشهدها اليوم، فمن الواجب دائما استحضار أشكال جديدة.

دلالات
المساهمون