فساد المسؤولين وإرهاب "داعش" يفتكان بمحافظة الأنبار

22 اغسطس 2017
طاول الفساد المساعدات المقدمة إلى النازحين (موضح الدليمي/فرانس برس)
+ الخط -
بمعدل 10 عمليات إرهابية ينفذها تنظيم "داعش" يومياً في الأنبار، كبرى محافظات العراق، وفي ظل ارتفاع نسبة الفساد في دوائر ومؤسسات الدولة، تتضاعف مأساة سكان المحافظة التي خرجت الفلوجة، كبرى مدنها، أخيراً، من أتون حرب طاحنة انتهت بتحريرها من "داعش"، الذي ما زالت خلاياه تنتشر قربها وداخل الصحراء تتربص العودة عبر هجمات تشنها بين وقت وآخر.

ويواجه محافظ الأنبار وغالبية أعضاء مجلس المحافظة (الحكومة المحلية) ومدراء دوائر حكومية مذكرات اعتقال قضائية بتهم الفساد والتسبب بضياع أكثر من 20 مليار دينار عراقي خلال عامين فقط، بينها أموال النازحين المخصصة لمعسكرات النزوح والمخيمات، في وقت ما تزال مدن في المحافظة، كالفلوجة والرمادي وهيت والرطبة والكرمة والخالدية والعامرية، تفتقد للمياه والكهرباء والخدمات الصحية. وحذر مسؤولون عراقيون من أن يكون الفساد المستشري في المحافظة سبباً لعودة "داعش" وسقوط المحافظة في براثنه مرة أخرى، خصوصاً مع اتهام جهاز الشرطة بالفساد، عبر إطلاق سراح سجناء من التنظيم مقابل مبالغ مالية كبيرة، مطالبين بتدخل رئيس الوزراء، حيدر العبادي، في ملف الفساد بالمحافظة، الذي أطلق عليه أخيراً مصطلح شعبي هو "الإرهاب الأبيض".

وإلى جانب ثنائي الفساد والإرهاب، فإن الصراع بين كتل المحافظة السياسية أخذ منحى أخطر، بسبب التنافس على المناصب التنفيذية في المحافظة. ويقول نائب محافظ الأنبار السابق، جاسم العسل، إن "على رئيس الوزراء، حيدر العبادي، التدخل فوراً من أجل إنقاذ الأنبار والحفاظ على هيبة القانون في المحافظة التي تعيش صراعاً سياسياً وفساداً مالياً لا يُطاق". وأوضح العسل، في بيان صحافي الأربعاء الماضي، أنه "تم توجيه مناشدات إلى كافة الجهات الرقابية في البلاد للتدخل فوراً لوقف هدر المال العام، والذي يتم بشكل صارخ وواضح للجميع". وأعلن أن "قيمة الهدر المالي زادت، خلال العام الحالي، عن عشرة مليارات دينار عراقي"، مبيناً أن "سياسيين كباراً تدخلوا لعرقلة عمل القضاء ومنع تنفيذ مذكرات الاعتقال بحق مسؤولين في المحافظة، أبرزهم المحافظ صهيب الراوي".

من جانبه، يقول عضو مجلس محافظة الأنبار، صباح الكرحوت، لـ"العربي الجديد"، إن "نسبة الفساد بلغت أكثر من 50 في المائة في مؤسسات ودوائر الدولة داخل المحافظة"، مضيفاً أن "الحل هو تغييرات إدارية شاملة في المحافظة وتشكيل لجان تحقيق وفتح هيئة النزاهة ملفات الفساد بشكل واضح أمام سكان المحافظة". وكان القضاء العراقي أصدر، نهاية الشهر الماضي، مذكرات اعتقال بحق محافظ الأنبار، صهيب الراوي، و18 من أصل 30 عضواً في مجلس المحافظة، بتهم سرقة الأموال التي خصصتها بغداد للنازحين والتلاعب بالمساعدات المقدمة من الأمم المتحدة، بالإضافة إلى سوء الاستغلال الوظيفي، بينما يواجه 21 مسؤولاً ومدير دائرة تهم فساد، أبرزها تعيين خريجي جامعات مقابل مبالغ مالية وسوء استغلال السلطة والتلاعب بمبالغ عقود حكومية مختلفة، بينها استيراد أدوية منتهية الصلاحية وأجهزة طبية معطوبة وسيارات بضعف ثمنها الحقيقي، وإضافة مبالغ على مشتريات الدوائر ورفع تقارير بإنجاز مشاريع لا وجود لها، فضلاً عن تعيين أقرباء لهم أو أعضاء من أحزابهم وكتلهم السياسية من دون وجه حق. ويوضح عضو لجنة النزاهة في محافظة الأنبار، محمد طالب، لـ"العربي الجديد"، أن "مذكرات اعتقال صدرت بحق مسؤولين بسبب الفساد، لكن لم ينفذ أي منها حتى الآن لاعتبارات كثيرة، منها سياسية، كما أن الكثيرين منهم انتقلوا مع عوائلهم إلى الأردن وأربيل وتركيا".



إلى ذلك، يقول قادة في الجيش العراقي إن هجمات "داعش" تضاعفت في المحافظة، إذ إن عناصره يشنون هجمات خاطفة استنزافية تستهدف الجيش والشرطة وقوات العشائر في محيط المدن المحررة. ويعتبر المقدم حميد الفراجي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "المحافظة بحاجة إلى ثورة إصلاح إدارية وتعزيز الأمن فيها"، مضيفاً "لم نعد نستغرب عندما يطلق الناس على الفساد الموجود في الأنبار اسم الإرهاب الأبيض، فهو يقتلهم في المستشفيات والشوارع والمخيمات وحتى داخل منازلهم". وأكد أن "العمليات الإرهابية ترتفع بين حين وآخر، وداعش كثف خطابه الإعلامي الذي يركز على فساد المسؤولين وسرقتهم ما وصفه بأموال المسلمين".
ويبلغ تعداد سكان محافظة الأنبار نحو مليوني شخص، يتوزعون على مدن الفلوجة والكرمة والرمادي وهيت والخالدية والرطبة والعامرية، بينما لا تزال ثلاث من مدنها، هي القائم وراوة وعنة، في أقصى الغرب عند الحدود مع سورية، قابعة تحت احتلال تنظيم "داعش". وتتصارع سياسياً كتل الحزب الإسلامي وحركة الحل والقائمة العراقية، وتحاول كل كتلة الإطاحة بغريمتها من خلال بوابة الفساد، إلا أن مذكرات القضاء طاولت أعضاءً ومسؤولين من الكتل الثلاث على حد سواء. ويقول عضو مجلس الأنبار، فرحان الكربولي، لـ"العربي الجديد"، إن "الصراع في المحافظة بعيد عن الأخلاق، وبصراحة وضع الأنبار غير مطمئن في ظل هذا الصراع". وحذر من أن هذا الصراع قد يقود إلى توقف كثير من الدعم الدولي للمحافظة، فضلاً عن زعزعة الأمن واستغلال الوضع من قبل التنظيم، و"أعتقد أن الصراع السياسي في الأنبار سيستمر بوجود الفساد، وهو ما سيؤدي إلى انتعاش الإرهاب مجدداً في المحافظة".

ويعتبر مراقبون أن الفساد في أجهزة الأمن يمكن أن يقود المحافظة إلى الانهيار مرة أخرى، وسقوطها بيد "داعش". وكشف مصدر أمني من شرطة الأنبار، طلب عدم الكشف عن اسمه، عن "وجود عمليات فساد كبيرة في جهاز الشرطة، تبدأ من تلقي رشاوى مالية وهدايا وتنتهي بعقود تجهيز وتسليح وبناء مخافر ومراكز شرطة، وحتى عمليات تهريب للسجناء من خلال افتعال هجمات وهمية يتم خلالها إخراج إرهابيين ومطلوبين بتهم جنائية". وحذر عضو مجلس شيوخ الأنبار، أحمد الدليمي، مما وصفه ضياع دماء التحرير بسبب عمليات الفساد. وقال "نسمع عن هجمات إرهابية جديدة تهز المحافظة، ومع ذلك فإن بعض المسؤولين يعتبرون أن المحافظة كنز، يأخذون منه الأموال بلا رقيب وبطرق مختلفة، حتى أن المنظمات الدولية لم تعد تثق بهم، فأصبحت توفد مندوبين للإشراف على توزيع المعونات والمساعدات". وأكدت مصادر في مكتب رئيس الوزراء العراقي في بغداد، لـ"العربي الجديد"، أن العبادي يستعد لاتخاذ خطوات كبيرة تجاه الفساد في محافظتي الأنبار والبصرة، مشيرة إلى أن الإجراءات قد تشمل طرد مسؤولين وإحالة آخرين إلى القضاء وتنصيب مسؤولين يقودون المحافظة حتى إبريل/ نيسان المقبل، موعد إجراء الانتخابات البرلمانية والمحلية.

المساهمون