وتجدر الإشارة إلى أن هذه النقابة لا تخفي توجهاتها الإصلاحية، والتي جعلت منها، منذ سنوات، المحاور المُفضلة والرئيسة مع كل الحكومات المتعاقبة، يمينية كانت أم يسارية. ولم تشذّ عن القاعدة في ما يخص قانون الشغل الجديد، الذي بادرت إلى قبوله والتنويه ببعض النقط الإيجابية فيه ونصح النقابات الأخرى بتبنيه، بل ووصل بها الأمر إلى إدانة التوجه "اليساري" الذي اكتشفته في مواقف "سي جي تي".
وإن كانت تظاهرة أمس، الباريسية، والتي شارك فيها ما يقرب من 60 ألف شخص، وفق إحصاءات النقابات المتظاهرة، قد تمت بهدوء وبعيداً عن الشغب والعنف الذي عرفته التظاهرة الأخيرة، رغم إقدام الشرطة على اعتقال ما يقرب مائة شخص، فإنّ العنف حصل في وقت متأخر، وفي مكان آخر، بعيدٍ عن ساحة الباستيل.
وشهد شمال باريس، وتحديداً في منطقة مينيلومونتان، تظاهرة ليلية (غير مرخصة)، جرت على هامش التظاهرات الرافضة لقانون الشغل، غير أنها اتسمت برفع شعارات عنيفة ضد جميع من يؤيّد قانون الشغل، وعلى رأسهم الحزب الاشتراكي الحاكم، ونقابة "سي إف دي تي"، إحدى كبرى النقابات الفرنسيةـ (الثانية بعد نقابة (سي جي تي) في تمثيل العمال، والتي يُحتمل أن تحتل الصدارة في الانتخابات القريبة المقبلة)ـ والتي تؤيد القانون الحكومي ويراهن عليها الرئيس فرانسوا هولاند لإنجاح هذا الإصلاح الذي يريد تسويقه، باعتباره إنجازاً كبيراً في ولايته الرئاسية.
وتوجّه أكثر من مائة متظاهر، في الساعة التاسعة ليلاً، إلى مقر النقابة "الإصلاحية"- كما تُقدّم نفسَها- الكائن في منطقة بيل فيل، وقاموا بتكسير واجهته الزجاجية، تعبيراً عن إدانتهم لمواقفها، متهمين إيّاها بـ"خيانة" الطبقة العمالية الفرنسية. كما كتب بعضهم شعارات على جدران مقر النقابة منها، "الخيانة انتهت".
وإذا كان ثمة من درس يمكن استخلاصه من تظاهرات أمس ـ باستثناء رفض المتظاهرين الكليّ لقانون الشغل الجديد، والمطالبة بالتفاوض الجاد بين النقابات وأرباب العمل والحكومة (عبّر عنه تأكيد فيليب مارتينيز وجان- كلود مايي، زعيمي نقابتي "سي ي تي" و"قوات عمالية"، تقديم طلب، قبل أسابيع، من أجل لقاء هولاند دون ردّ)- فإنه يتلخص في العداء الذي عبّر عنه المتظاهرون للحزب الاشتراكي الحاكم، وهو عداء لا يقتصر على رئيس الحكومة مانويل فالس، الذي يطالب كثيرون من الساسة، يميناً ويساراً، ومن النقابيين باستقالته، بل إن العداءَ يشمل معظم قيادات الحزب، الذي يعتبرونه ضالعاً في القضاء على كثير من المنجزات العمالية والنقابية.
تبدو التظاهرات النقابية والشبابية رفضاً لقانون الشغل في الظاهر، ولكنها في جوهر الأمر، رفضٌ لسياسة الحزب الاشتراكي، وكشفٌ مُسبق لموقف المتظاهرين في الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة.