كرّس الكاتب المكسيكي فرناندو ديل باسو (1935 - 2018)، الذي رحل منذ أيام في العاصمة المكسيكية، تجربته السردية لتقديم تاريخ بلاده الحديث من خلال فهم التحولات الاجتماعية والاقتصادية بعد الاستقلال، خصوصاً ما تعلّق منها بالاضطرابات الداخلية والحرب الأهلية والتدخّلات الخارجية.
كتب روايته الأولى "خوسيه تريغو" عام 1966، وفيها عاد الراوي الذي لم يكشف عن اسمه إلى رجل كان يعمل في محطّة السكك الحديدية، ليبدأ البحث في تاريخه الشخصي والعائلي ومنه ينفذ لتناول أكبر إضراب لعمال السكك في المكسيك عام 1959.
كانت بدايات باسو مع الشعر؛ حيث أصدر مجموعة تحت عنوان "سوناتات الحب والشعر اليومي" (1958)، قبل أن ينتقل إلى الرواية بعدها بثماني سنوات، لينشر عدّة أعمال لاقت رواجاً واستحساناً من النقاد ونال عليها أكثر من جائزة، وجمع بين كتابة القصيدة والرواية والقصة والمسرح والمقال.
لم يكن روائياً غزير الإنتاج؛ فروايته الثانية ستصدر عام 1976 بعنوان "بالينورو ابن المكسيك"، والتي قارنها كثير من النقّاد بروايات جيمس جويس وكارلوس فوينتس، حيث تمتزج الأسطورة والعلوم بالسرد، عبر تناوله قصة طالب طب تربطه علاقة عاطفية مع قريبة له، ومن خلالها سيهجو الكاتب السياسة والإعلام ويتحدّث بجرأة أكبر عن العلاقات الحميمية وتاريخ الجسد وعلاقته بالأساطير.
سيعود في روايته الثالثة، "أخبار الإمبراطورية" (1986)، إلى التدخّل الفرنسي في المكسيك وإنشاء الإمبراطورية المكسيكية الثانية، والتي أُعلنت سنة 1864 ولم تستمر سوى ثلاثة أعوام حيث هُزمت فرنسا على يد الجمهوريين والليبراليين، وفيها يتحدّث باسو عن الإمبراطور ماكسيميليان الابن الثاني لأرشيدوق النمسا فرانز كارل والذي جلبه الفرنسيون لحكم المكسيك، فيروي تفاصيل الانقلاب والحكم عليه بالإعدام وتنفيذه.
كان صاحبَ آراء ناقدة ضد السلطة في المكسيك ولم يجامل السياسيين طوال حياته حتى بعد إصابته بجلطة دماغية عام 2013، إذ نال بعد عامين من ذلك "جائزة ثيربانتيس"، وخلال حفل تسليمها وجّه انتقادات قاسية لحكومة بلاده، وقال "تتواصل في المكسيك عمليات السرقة والابتزاز والخطف والاختفاء واستغلال السلطة والفساد والإفلات من العقاب".
وُلد فرناندو ديل باسو في مكسيكو سيتي ودرس الاقتصاد في "الجامعة الوطنية المستقلة"، وسافر بعدها إلى لندن حيث عمل في "هيئة الإذاعة البريطانية" (BBC) مدّة أربعة عشر عاماً، ثم انتقل إلى باريس وعمل في "إذاعة فرنسا الدولية"، قبل أن يُعيَّن قنصلاً لبلاده فيها. إلى جانب رواياته، صدرت له عدّة مجموعات قصصية منها: "حكايات متفرّقة"، و"اختبار"، إلى جانب مجموعاته الشعرية "من الألف إلى الياء"، و"لوحة من عشرة ألوان"، و"قلاع في الهواء".